لم يكن حال الإيرانيين خلال عام 2023 بأفضل من أحوالهم البائسة خلال الأعوام الأخيرة، فقد تفاقمت الأزمة الاقتصادية التي يعاني منها الناس في إيران، بتأثير من العقوبات الأمريكية والغربية المفروضة على نظام الملالي، فتراجعت العملة المحلية تبعًا لذلك إلى أدنى مستوياتها منذ نحو عشر سنوات، وارتفع "مؤشر البؤس" في البلاد، كما ارتفع معدلات التضخم والبطالة، بحيث بات الفقر وشظف العيش "يخنق" الإيرانيين.
ولا يخفى أمر هذه الضائقة الاقتصادية على أحد، فقد أكدت تقارير نشرتها وسائل الإعلام التابعة لنظام الملالي مؤخرًا، ارتفاع "مؤشر البؤس" في 14 محافظة إيرانية خلال خريف العام، مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي.
وحسب هذه التقارير، وللمرة الأولى منذ قرن، سيتضاعف عدد السكان الفقراء في إيران في أقل من ثلاث سنوات. وصرح محمود جامساز، الخبير الاقتصادي، لوسائل الإعلام الحكومية مؤخرًا، بأن خط الفقر في البلاد سيتحول إلى "خط جوع"، موضحًا أن 20 مليون شخص في البلاد يعيشون بلا مأوى.
وفي هذا الصدد، ذكر موقع "بهار نيوز" أن مؤشر البؤس في محافظة جهارمحال وبختياري وصل إلى 63.2 نقطة، وهذا ناتج من معدل البطالة البالغ 5.11 في المئة ومعدل التضخم السنوي البالغ 51.7 في المئة. ويعكس هذا الوضع تحديات اقتصادية خطيرة وتدهور نوعية الحياة في تلك المحافظة. وتعاني محافظات يزد ولرستان وكرمانشاه أيضًا من بؤس كبير.
واجه الاقتصاد الإيراني خلال 2023 تحديات هيكلية، بما في ذلك تباطؤ معدل النمو على المدى الطويل، وارتفاع معدلات التضخم، وتراجع معدل العمالة. وعلى الرغم من الجهود المبذولة للتنويع الاقتصادي، لا تزال إيران عرضة لتقلبات أسواق النفط، لأن الميزانية الحكومية لا تزال تعتمد بشكل كبير على تصدير السلع ومشتقات الهيدروكربونات.
وبسبب الضعف في إيجاد فرص عمل، يعمل فقط ما يزيد قليلًا عن ثلث السكان في إيران، وعلى الرغم من ارتفاع عدد النساء الحاصلات على تعليم عالٍ، تعمل واحدة فقط من كل 10 إيرانيات في الأسواق والمؤسسات في البلاد. فيما تتفاقم تحديات سوق العمل الإيرانية بسبب موجات الهجرة المتزايدة للقوى العاملة ذات التعليم العالي.
ومن جهة الإنفاق، كان الاستهلاك الخاص هو المحرك الرئيسي لنمو الناتج المحلي الإجمالي في إيران. في حين أن نمو الاستثمار لم يكن كافيًا للتعويض الكامل عن الانخفاض في صافي رصيد رأس المال في السنوات الأخيرة.
سار هذا النمو الاقتصادي المنخفض جنبًا إلى جنب مع انخفاض المشاركة في القوى العاملة، والذي لا يزال أقل بمقدار 3.3 نقطة مئوية عما كان عليه قبل وباء كورونا، جنبًا إلى جنب مع معدل البطالة في البلاد ليصل إلى 8.2٪. لا يزال معدل البطالة مرتفعًا، خاصة بين النساء والشباب وخريجي الجامعات في إيران.
وعانى الإيرانيون بسبب تصاعد الضائقة الاقتصادية في الأشهر العشرة الأولى من 2023، فقد ارتفع إجمالي التضخم والتضخم الأساسي إلى 43.6٪ و42.5٪ على التوالي. ومثلت أسعار المواد الغذائية نصف الزيادة في الرقم القياسي الإجمالي للأسعار بسبب إلغاء سعر الصرف المدعوم لاستيراد معظم المواد الغذائية.
كما تسببت التوقعات التضخمية بعد مأزق المفاوضات النووية في انخفاض قيمة الريال بأكثر من 56٪ في نفس الفترة من العام، وغذّت ارتفاع التضخم.
ورغم توقعات "البنك الدولي" الصادرة في مطلع العام، ضمن تقرير للبنك عن الوضع الاقتصادي لمنطقة غرب آسيا وشمال أفريقيا، بأن يسجل الاقتصاد الإيراني نموًا منخفضًا بنسبة 4.1% في 2023، فإن نسبة النمو المسجلة حتى نهاية العام لم تتعد 2%، ليدخل الاقتصاد الإيراني بذلك في منحنى هابط، ويسجل معدلات نمو هي الأقل على مستوى العالم.
وكان تقرير البنك الدولي عن عام الماضي، قدّر نموّ الاقتصاد الإيراني بنسبة 3.8% في سنة 2022. وفي السياق، أورد التقرير أن البنك المركزي الإيراني توقّع تسجيل معدّل التضخم بنسبة 42.6% في سنة 2023، هبوطًا من 46.5% في 2022، مع توقّعه بلوغ نسبة 35.8% في عام 2024.
وتبين للإيرانيين بعد ذلك أن توقعات "البنك المركزي" هي محض دعاية حكومية كاذبة، فقد أدى ارتفاع أسعار المواد الغذائية وتكاليف بناء المساكن إلى ارتفاع معدل التضخم إلى 46.7% في الأشهر الثمانية الأولى من عام 2023.
وفيما يخصّ سعر صرف الريال الإيراني مقابل الدولار، شهد العام 2023 انخفاض قيمة الريال الإيراني بمقدار 25%، حيث كان سعر الصرف مطلع العام ما يقارب 402000 ريال مقابل كل دولار، بينما وصل هذا السعر إلى ما يقارب 501000 ريال في هذه الأيام، في حين كان انخفاض قيمة الريال الإيراني مقابل الدولار 45% في عام 2022
.
على الرغم من العقوبات الأمريكية والأوروبية المفروضة على الاقتصاد الإيراني، بسبب البرنامج النووي، فإن هناك علاقات اقتصادية قائمة بين واشنطن وطهران!
وفي أكتوبر/تشرين الأول 2023، بلغت قيمة الصادرات الأمريكية إلى إيران 3.9 ملايين دولار، فيما بلغت وارداتها من إيران 0.1 مليون دولار فقط. وصدَّرت الولايات المتحدة بضائع بقيمة 4.3 ملايين دولار إلى إيران في أكتوبر/تشرين الأوّل من العام الماضي، ولم تستورد أي بضائع من إيران. واحتلّت إيران المرتبة 177 بين وجهات التصدير الأمريكية، كما احتلّت المرتبة 206 من حيث توريد السلع التي تحتاج إليها الولايات المتحدة.
وأورد "مكتب الإحصاء" الأمريكي أنّ حجم تجارة واشنطن مع طهران بلغ 44.4 مليون دولار خلال الأشهر العشرة من عام 2023. وخلال هذه الفترة، واجهت التبادلات التجارية بين البلدين انخفاضًا بنسبة 4%، مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق. حيث جرى خلال الأشهر العشرة من عام 2022 تبادل بضائع بقيمة 46.5 مليون دولار بين البلدين.
من جهة ثانية، شهد عام 2023 انضمام إيران لعدد من المنظّمات والتكتّلات الدولية والإقليمية، وخاصة التحالفات الاقتصادية. وربّما كانت أوّل هذه التحرّكات هي المصالحة الإيرانية – السعودية، بمبادرة من الشريك التجاري الأكبر لإيران، الصين، في مارس/آذار 2023.
وكان من المفترض، وفق المؤشرات الاقتصادية المعلنة وقتها، أن يكون لانضمام إيران إلى المنظّمات والتكتّلات الدولية والإقليمية تأثير إيجابي على واقع اقتصاد البلاد، غير أن ذلك لم يحدث حتى نهاية السنة، الأمر الذي يعزوه الخبراء إلى أن الاقتصاد الإيراني من "اختلالات هيكلية"، لا يُجدي معها نفعًا أي تدابير لا تسهم في حل مشكلات الاقتصاد الأساسية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر:
ابق على اطلاع على النشرة الإلكترونية