قال الكاتب والناقد الكردي المعروف خالص مسور، إن الشعر كان - وما يزال- هو صوت "الهويّة الكردية" عبر العصور، وإن الإبداع الشعري يُعد أبرز حامل لغوي أساسي للتاريخ الكردي وثقافته، وهو المعبّر عن معاناة الكرد ونضالهم ضد الظلم والاضطهاد على مر السنين.
وأضاف مسور في حوار لـ "كردستان"، أن الأدباء الكرد، شعراء وغير شعراء، كتبوا باللغة العربية حتى أكثر من الكردية ذاتها أحيانًا، وأنهم قدموا للثقافة العربية أسماء كبيرة مثل أحمد شوقي وعباس العقاد وسليم بركات وجميل صدقي الزهاوي ومعروف الرصافي وبلند الحيدري، وغيرهم من كبار الأدباء العرب.. وإلى نص الحوار:
- يُعد الشعر أبرز حامل لغوي أساسي للتاريخ الكردي وثقافته كما يقال، حيث يُعتقد أن الشعر الكردي بدأ مع بابا روخ، وهو أول من ألّف الشعر بلغته الكردية، وكان يمتلك نزعة قومية. وقد تبين ذلك من بعض أشعاره التي يحرض فيها شباب الكرد للثورة ضد الدخلاء الأجانب فيقول:
حمل أسلحة باترة
ومهاجمة العدو كالأسود
والانتصار عليه
لتكون بلاد الكُرد
ربيعا خالداً
وهذا الكلام الرائع، أعطى صورة عن تاريخ الكرد النضالي على مر التاريخ، في وقت لم يكن فيه للكرد سوى الشعر والفولكلور ليعبروا عن آمالهم ونضالهم.
- هناك الشاعر الأشهر جكرخوين في شعره حوادث وصولات أبطال التاريخ الكردي على مر السنين، وهو يقول في إحدى قصائده:
يا كرشف الناعم ذو الوجه الجميل
تعال اجلس على عرش خسرو
ضع على رأسك تاج بهمن
ابعدنا عن العدو وأخرجنا دون عذاب
وبدوره، يدلي الشاعر الأشهر أحمدي خاني بدلوه في ذكر أحوال الكرد، ويتحسر على تشتت شمل الكرد، وعدم قدرتهم على تحرير أنفسهم من نير الظلم والاضطهاد فيقول:
" ﻟﻮ ﻛﺎﻥ ﻳﻮﺟﺪ ﻟﻨﺎ ﺻﺎﺣﺒﺎً ،
ﻋﻠﻲ ﺍﻟﻜﺮﻡ ﻭﻟﻄﻴﻒ ﺍﻟﻌﻄﺎﺀ ،
ﺍﻟﻌﻠﻢ ﻭﺍﻟﻔﻦ ﻭﺍﻟﻤﺜﺎﻟﻴﺔ ﻭﺍﻹﺫﻋﺎﻥ ،
ﺍﻟﺸﻌﺮ ﻭﺍﻟﻐﺰﻝ ﻭﺍﻟﻜﺘﺎﺏ ﻭﺍﻟﺪﻳﻮﺍﻥ ،
ﻛﺎﻥ ﻣﻌﻤﻮﻻً ﻋﻨﺪﻩ ﺑﻬﺬﺍ ﺍﻟﻨﻮﻉ ،
ﻟﻮ ﻛﺎﻥ ﻣﻘﺒﻮﻻً ﻋﻨﺪﻩ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻨﻘﺪ ،
ﻟﻘﻤﺖ ﺑﺮﻓﻊ ﺭﺍﻳﺔ ﺍﻟﻜﻼﻡ ﺍﻟﻤﻮﺯﻭﻥ ﻋﺎﻟﻴﺎً ،
ﻓﻮﻕ ﺳﻄﺢ ﺍﻟﻤﻌﻤﻮﺭﺓ ،
ﻷﺣﻴﻴﺖ ﻋﻠﻲ ﺣﺮﻳﺮﻱ ،
ﺑﺈﺳﻢ ﺭﻭﺡ ﻣﻼﻱ ﺟﺰﻳﺮﻱ ،
ﻭﻷﻋﻄﻴﺖ ﻧﺸﻮﺓ ﻟـ ﻓﻘﺔ ﻃﻴﺮﺍﻧﻲ ،
ﻇﻞ ﻣﻌﺠﺒﺎً ﺑﻬﺎ ﺇﻟﻰ ﺍﻷﺑﺪ ."
- أحمدي خاني شاعر كردي مبدع من الطراز الأول، وتتجلى إبداعاته في قصته ذائعة الصيت المسماة بـ "مم وزين"، وهي تصور جوانب من المجتمع الكردي في إمارة جزيرة بوطان آنذاك، وتعدت هذه القصة حدود المحلية إلى العالمية وترجمت إلى لغات عالمية عديدة.
ولـ أحمدى خاني، قاموس كُتب خصيصًا لأطفال الكرد، لكي يتعلموا اللغتين الكردية والعربية هو"نوبهارا بجوكان"، والرجل مبدع في قصائده من حيث اللغة والمحتوى والصور الفنية.
- ذكر الشعراء الكرد ملاحم وبطولات شعبهم، كما في ملحمة قلعة دمدم، وقد ورد ذكر الملحمة لدى شرف خان البدليسي في كتابه "شرفنامة"، وقد جرت أحداثها عام 1605م. وأتى على ذكر التاريخ النضالي لأمير كردي اسمه "أمير خان ذو الكف الذهبية"، الذي بنى قلعة (قلعة دمدم) الحصينة للوقوف أمام التهديد الإيراني لإمارته.
وتسرد الملحمة تفاصيل المعركة الدموية التي دارت بين أمير خان وأبناء عشيرته من جهة وبين الشاه عباس الصفوي، ولم تسقط القلعة إلا بخيانة شخص يُدعى محمود المريكاني، كما ذكر عدد من الشعراء الكرد.
- نعم، عكس الشعر الكردي ذلك بجدارة واستحقاق، بحيث نستطيع القول بأنه لا يكاد يخلو منها قصائد الشعراء الكرد على وجه الإجمال، فمن الشاعر (بابا روخ) إلى أحمدي خاني، إلى ملايي جزيري، مرورا بشعراء كردستان الجنوبية والشمالية، وكذلك شعراء شمال شرقي سوريا أمثال جكرخوين، وملايي تيريج، وأحمد نامي، والشعراء المحدثون حيث تتناول قصائدهم في معظمها الشأن الكردي والقومية الكردية والتاريخ الكردي، والتغني بالحرية والتخلص من نير الدول الغاصبة لكردستان.
- في الحقيقة، نرى أن الشعر ليس هو الحامل الأساسي الوحيد للتاريخ والثقافة الكردية، بل يوجد إلى جانبه أساسيات أخرى لا تقل عنه أهمية في هذا الصدد، وأهمها الفولكلور والأساطير الشعبية الكردية، اللذان يحملان عبق التاريخ والثقافة الكرديتين على مر العصور وأبحاث الفولكلور، حيث سجل الكاتب صالح حيدو ذلك في الكثير من منتوجاته الفكرية.
- الشعر الكردي خاصة قديمًا حافل بالشعر الصوفي، نظرًا لأن الكرد انتشرت بينهم الطرق الصوفية وخاصة "النقشبندية والقادرية" وغيرهما، ولذلك أكثر الكرد من شعر المديح لهذا التصوف وفي مديح شيوخ الطرق المنتشرة في كردستان، لاسيما أن الكرد لجأوا إلى هذه الطرق تخلصا من سطوة السلطات الحاكمة أو الوقوف في وجهها، أي أن التصوف لدى الكرد لعب دورا تقدميا فيما مضى من العصور، بينما حديثا هناك تراجع لدى الشعراء الكرد عن ذكر التصوف في أشعارهم، مع ازدياد الوعي القومي في هذه المناطق.
- ما عدا هؤلاء هناك شعراء كرد وهم كثيرون كتبوا بالعربية كلغة ثانية يعبرون بها عن مجهوداتهم الثقافية، وقد أجادوا وبرعوا في هذه اللغة وكتبوا بها قصائدهم، وكل الشعراء الكرد الذين يكتبون الآن بالكردية يكتبون مثلها بالعربية أيضا، بحيث لا تخلو أشعارهم من قصائد باللغة العربية.
والكرد على العموم شعراء وغير شعراء كتبوا باللغة العربية حتى أكثر من الكردية ذاتها أحيانًا، بسبب سياسات التعريب ومنع اللغة الكردية، مثل الشاعر والأديب سليم بركات مثلا وشعراء آخرين وهم كثيرون.
- ساهمت الشخصيات الأدبية الكردية في إغناء الثقافة العربية كثيرًا، وكان منهم شخصيات مشهورة مثال عباس محمود العقاد الأديب والمفكر ذوي الأصول الكردية، الكبير وأمير شعراء العربية أحمد شوقي، والزهاوي وعشرات الأسماء قدماء ومحدثين.
وهنا لابد من نذكر الشاعر والأديب سليم بركات مرة أخرى، لأنه رسم لنفسه مدرسة خاصة في توظيف اللغة العربية الفصحى، مما أعطى دفعة قوية إلى تمكين اللغة العربية ومثله محمد كرد علي الذي أسس مجمع اللغة العربية.
- ربما يرجع السبب إلى تراجع الاهتمام بالقراءة بالعموم في مجتمعاتنا وخاصة في ظل التطور عالم التكنولوجيا والرقمنة والفضاء، إلى جانب ضعف حركة الترجمة، والتواصل بين النخب الثقافية بين دول المنطقة، ولكي نعمل على امتزاج الثقافتين العربية والكردية يتطلب منا طباعة الكتب الكردية وترجمتها والمشاركة في معارض الكتب في كل الدول العربية، وبالأخص في مصر لأن فيها شعب متقدم علميا وثقافيا، وفيها ثقل سكاني كبير، كما ينبغي العمل على تبادل الزيارات بينها وبين المناطق الكردية، وعقد فعاليات ثقافية، وإلقاء محاضرات حول الأدب الكردي.
- نحن نعلم أن الشعر يتأثر بالأحداث السياسية والاجتماعية، وبالفعل معظم الشعر الكردي حاليا هو شعر سياسي، لأن الكرد يعانون من الاضطهاد العرقي وإنكار حقوقهم السياسية في بلادهم والافتئات على ثقافاتهم، وعدم الاعتراف بحق الكرد في كتابة ونشر نتاجاتهم، بالإضافة إلى ممارسة قمع فظيع بحقهم من جميع الجوانب، ولذلك فمن البديهي أن يكتب الكرد الشعر السياسي، والذي يعكس – كما قلنا – معاناة الكرد وأوضاعهم المصيرية، فلابد والحال هذه أن يهتم القارئ العربي من جانبه بهذا الشعر الكردي ومضمونه ليتعرف عن طريقها الأوضاع السياسية والقمعية التي تمارس بحق الكرد وليتعاطف معهم وليطلع على أوضاعهم في كل الجوانب الحياتية.
- في الحقيقة يمكن القول بأن الحالة الثقافية الكردية الراهنة تسير بخطوات رصينة إلى الأمام، وتسجل ما يحدث من مآس في الأقاليم التي يعيش فيها الكرد، ولكن الخطوات ليست بالمستوى المطلوب وتصوير الحالات تقتصر على بعض من صور المآسي، وهذا بحد ذاته جيد ولكن في تصويرها للمآسي تفتقر الثقافة الكردية إلى الشمول والعموم وعاجزة عن إيصال صوتها إلى شعوب العربية والعالم، حتى نكسب تعاطف الشعوب مع الحالة الكردية حيث التهجير القسري والتغيير الديموغرافي وحتى التطهير العرقي في مناطق عفرين وسرىكانيى وتل أبيض وغيرها، وحاليًا مناطق دهوك وكاني ماسي في كردستان الجنوبية أيضًا.
- يلعب الأدب الكردي دورًا هامًا في التعبير عن النضال الكردي عمومًا، ومن ثم الحفاظ على الهوية الوطنية وبعث الهمم في النفوس، حيث يعبر الشاعر الكردي وبأسلوبه الجميل عن معاني التضحية، والحرية، والحب، والمعاناة، والكرامة الوطنية أيضًا. والذي يستخدم للحفاظ على الهوية الثقافية الكردية ونشر الوعي السياسي بين أفراد المجتمع الكردي. كما أن الأدب الكردي ناقش قضايا ومشكلات الكرد عن طريق الشعر والقصة والرواية.
وعلى العموم ينحو الشعر الكردي من حيث الغرض والمواضيع نحو الأحداث السياسية التي تلم بالمناطق الكردية أي أنه في معظمه شعر سياسي ومدافع عن القضية الكردية في مناطق تواجدهم.
- نعم، فمن الزاوية الفنية فإن هذا الشعر الكردي المعاصر وعلى أيدي جيل الشعراء الشباب يحاول أن ينفض عن نفسه غبار الكلاسيكية نحو الشعر الحديث، للتخلص من قيود الأوزان والقوافي، نحو الشعر الحر أو شعر التفعيلة أو قصيدة النثر، حيث قطع الشعراء أشواطا لا بأس بها في هذا المضمار متأثرين بشعراء العرب على الأغلب، والقليل منهم بشعراء الأجانب، واستطاعوا كسر قيود الكلاسيكية، وفي الكثير من حالات الشعر الحر حاولوا المزج بين ما هو مادي ومعنوي، سعيا إلى خلق صورة جديدة أو ما نسميها الغرائبية في تشكيل الصور الشعرية.
وكمثال على ذلك تورد إحدى الشاعرات الكرديات في جملتها الشعرية عبارة "باقة حسرا"، وهنا جمعت الشاعرة المادي "باقة" مع المعنوي "حسرات"، فأنتجت صورة نراها إبداعية ومحاولة للخروج عن المعنى العام التقليدي للغة الشعرية واستخدام ما يسمى بمصطلح "ميتالغة".
- لعبت الشاعرات الكرديات دورًا مهمًا في الأدب الكردي، وساهمن في إغناء التراث الأدبي الغني للشعب الكردي لعدة قرون. وكثيراً ما استخدمت الشاعرات كتاباتهن للتعبير عن هويتهن وثقافتهن الوطنية وتاريخهن. وعلى الأغلب تتناول أعمالهن موضوعات مثل الحب، والخسارة، والنضال من أجل الحرية. ومن بين الشاعرات الكرديات المشهورات هيلان، وأفا هوما. هكذا كانت مساهماتهن في الأدب الكردي كبيرة وثرية، ومازلن يلهمن الأجيال الناشئة من الكتاب والكاتبات الكرديات، المزيد من المهارة والإبداع الثقافي.
ابق على اطلاع على النشرة الإلكترونية