تأكسد إيران بأفغانستان وأذربيجان!

- 7 نوفمبر 2021 - 940 قراءة

مسلمتان متلازمتان لا تقبلان الجدل، هما التحالف الغادر بين إيران وأمريكا وإسرائيل، فإن اختلفا أحيانًا فهو مجرد خلاف بالصوت على الفضائيات لاغير، ولكن، بموجب القاموس السياسي أيضًا، ليس هناك صديق دائم ولا عدو دائم، وشاه إيران وعودة طالبان شاهدان. لقد قلناها منذ سنوات وبصوت عالٍ وعلى الفضائيات أن إيران آيلة للتفكيك، لأنها ليست أقوى من الاتحاد السوفيتي، لكن المصيبة في أمة إقرأ باتت لاتقرأ ولا تسمع الصوت العراقي الغيور والجسور، وإن سمع بعضهم وفهم، بعد حين، وجد أن المياه قد سارت من تحتهم وأخذت الرياح تجري بما لاتشتهي السفن. خاصة بعد انهيار المرجعية القومية، العراق، فأصبح الهدف الثاني، المرجعية الإسلامية، مكة المكرمة، لاجتثاث العروبة والإسلام عماد الحضارة والشخصية العربية الإسلامية، لتليها عمليات قضم الدول العربية الواحدة تلو الأخرى. وبناءً عليه، فإن خارطة الدول العربية منذ 2003 أخذت بالتدحرج من (البلقنة) إلى (اللبننة) ثم إلى (الأحووزة)- نسبة للأحواز، والعراق نموذجًا.

زعزعة إيران بالشعوب غير الفارسية

معضلة الأمن القومي الإيراني أن الدول الواقعة على حدودها، كأذربيجان وأفغانستان وتركمانستان وغيرها تشكل امتدادًا للعرقيات والأقليات المتواجدة داخل إيران، تلك التي ستؤدي لامحال إلى زعزعة استقرار وأمن إيران. ناهيكم  المصالح اقتصادية والجذور العقائدية لهذه الدول مع دول كبرى كالصين وروسيا، التي عانى المسلمون فيها من اضطهاد الدول الكبرى فضلًا عن إيران. إن ذلك الاضطهاد سيشكل عاملًا من عوامل  تآكل وتفكيك إيران كما حصل للاتحاد السوفيتي السابق الذي تأكسد داخليًا وخارجيًا، ونظرًا لكون كلا الإيديوجيتين االسوفيتية والخمينية ذات طابع شمولي، وإن كان أحدهما علماني والآخر قومي فارسي مبرق بالإسلام.

 فعلي الصعيد الداخلي لإيران فإن "جبهة الشعوب غير الفارسية" التي تشكل شعوبها غالبية الغلاف السكاني لإيران، يفوق كثافة الفرس حيث تضم: العرب الأحوازيون والأذرية والأتراك واللور والبلوش والكرد، فقد شدت االشعوب غير الفارسية النطاق ووضعت أصبعها على الزناد، بعد أن ابتعلتهم واضطهدتهم إيران. وقد استطاعت هذه الجبهة القومية المناضلة من توحيد شعوبها المضطهدة ضد نظام الملالي الفارسي، واتخذت من المقاومة شعارًا لها من أجل استقلالها، حتى زعزع ذلك الوضع الداخلي وأربك النظام الإيراني لمطالبتها بالاستقلال وحق تقرير المصير.

زعزعة إيران بأفغانستان وأذربيجان

 إيران اليوم، بين مطرقة وسندان أذربيجان وأفغانستان، كما أن الصداع السني الأفغاني لإيران شكل ناقوس إنذار إلى روسيا والصين أيضًا. ما تجدر الإشارة إليه هنا، فقد تسارع ظهور خرائط وخطة البروفيسور بيرنارد لويس، المتخصص في التاريخ الإسلامي عام 1992، بعد شهور من انهيار الاتحاد السوفيتي وغزو العراق للكويت، والتي عرضها بيرنارد لويس على بريجنسكي مستشار الأمن القومي الأمريكي ليقدمها الأخير إلى الرئيس الأمريكي، والهادفة إلى إعادة ترسيم خارطة المنطقة العربية بما فيها إيران، وبناءً عليه، جاء التمدد الإيراني بالمنطقة منذ 2003، عسى أن يكون لإيران موطئ قدم في الخارطة الجديدة، لكن عودة طالبان وقيام المناورات العسكرية التركية الأذرية على الحدود الإيرانية علاوة على التقارب "الإسرائيلي الأذربيجاني" خيب آمال إيران. 

وتقتضي الضرورة بهذا الشأن، التمييز بين إيران والدول الواقعة في مركز الهزات التي حدثت بأفغانستان ومحيط دائرة ارتداداتها على الدول الأخرى طالما -العديد من قادة وعوائل طالبان يقيمون في مدن زاهدان وأصفهان الإيرانية- ضاعف ذلك من الخوف الإيراني من حكومة طالبان، مما دعا إيران إلى الإسراع في "تأسيس حشد (حرس أفغاني) من قومية الهزارة، وهم من الشيعة الأفغان ذو أصول إيرانية".

ومن غير المستبعد أن يترتب على هذا التحسب السريع لإيران إلى حصول رد فعل مسلح يساهم في تنامي الحركات  الجهادية جراء إخفاق الأمريكيين في أفغانستان، كما حصل بعد هزيمة السوفييت إثر خروجهم من أفغانستان قبل عشرات السنين، آخذين بعين الاعتبار، أن روسيا كانت تنظر إلى طلبان كمنظمة إرهابية، فساهمت مع الأمريكان بالحرب على طالبان بحجة مكافحة الإرهاب.

ونظرًا لكون الأمن القومي الروسي يقتضي احتواء طالبان للحد من تمدد نفوذها  وتأثيرها في آسيا الوسطى، آخذة روسيا مد الجسور مع الصين للتقرب أكثر من طالبان بسبب الخطر المشترك بينهما، سيما ما يخص مسلمي الصين الإيغور المضطهدين. وللعلم، فإن إيران وروسيا والصين تعد من أكثر الدول المجاورة تضررًا بعودة طالبان، فالصين مدانة بإضطهادها لمسلمي الإيغور، ربما سيشجع  ذلك مسلمي شمال الصين على تبني المقاومة على غرار طالبان، والظروف باتت متوفرة، أما على صعيد إيران فإن قيام دولة سنية محاذية لها سيؤرقها وسيزيد من صداعها، كما تؤرقها اليوم مدينة المقدادية السنية بمحافظة ديالى في العراق.

حرب أرمينيا وأذربيجان

 يشكل الأمن المائي لنهر أوراس بإيران الذي يصب ببحر قزوين الغني بالغاز والنفط أحد أهم مرتكزات الأمن القومي الإروائي والغذائي، حيث تتشاطئ عليه إيران وأذربيجان الشمالية وتركمانستان ودولة الأحواز العربية المحتلة المجاورة للعراق، لقد تسبب وقوف إيران مع أرمينيا المسيحية ضد أذربيجان الشيعية في حربهما مزيدًا من الكراهية لدى شيعة أذربيجان تجاه إيران (الشيعية). آخذين بنظر الاعتبار، أن أذربيجان وجورجيا وأرمينيا تشكل المجال الحيوي لأمريكا  تجاه بحر الصين الجنوبي ومنه إلى روسيا للتجارة البحرية العالمية. "بينس" نائب الرئيس الأمريكي لترامب في 4/10/2018 وصف الصين بـ "الخصم الاستراتيجي" بسبب تواجدها، معتبرًا تواجدها هناك تدخلًا بالشأن السياسي والاقتصادي لأمريكا، ودعا إلى تكثيف القوات البحرية في بحر الصين.

وفق تلك المعطيات، فإن أمريكا تسعى إلى محاصرة الصين بإيران، وإيران تحاول محاصرة أمريكا بالدروع الديموغرافية في العراق وسوريا ولبنان والحوثي باليمن المطلتان على البحرين، الأحمر والأبيض. لهذا فإن تعزيز التعاون بين روسيا والصين يشكل أكبر تهديد لأمريكا. لكن يبقى تهديد أمريكا لإيران، هو تهديد إلى روسيا لعرقلة تشييد مشروع النقل التجاري في منطقة أوراسيا و"طريق المريديان" السريع "Meridian highway" الذي سيربط القارتين الأوربية والآسيوية. وهذا يعزز بأن أمريكا ماضية في حربها التجارية مع الصين، وهي مستعدة لاستهداف الصينيين "لأي سبب ومن دون أي سبب" مثلما استهدف العراق.

ديالى.. الصداع السني المزمن لإيران

حدود الدم الملتهبة بسبب إيران على حدود العراق وسوريا، تمتد من محافظة ديالى ذات الغالبية السنية من جهة ولكونها أقرب المناطق إلى بغداد والطارمية من جهة أخرى، صعودًا إلى سامراء والموصل وتلعفر. غايتها تأسيس "محافظة الهادي"، كـ "محافظة شيعية مغلقة" تمتد من منطقة الكاظمية - الطارمية إلى  سامراء. كي يصبح الطريق سالكًا وبأمان لسير ميليشيات إيران إلى الموصل وسنجار التي سيمر منها طريق الحرير الصيني. من جانب آخر، فإن الهدف من ذلك أيضًا هو عزل تركيا السنية عن إيران والعراق، وعلى الأخص، الموصل وكركوك وتلعفر تحديدًا، لتأمين نقل الأسلحة والمخدرات والميليشيات عبر معبر ديالى الحدودي الأقرب إلى بغداد - الموصل- سنجار ثم إلى سوريا.

لتلك الأسباب، ووفق استراتيجية الديموغرافيا السياسية المتحركة، سعت إيران والأحزاب الولائية لها إلى تغيير الغلاف السكاني لتلك الطرق المارة بتلك المدن،  بكل الطرق بما فيها القتل الجماعي والتهجير القسري والتطهير العرقي لجعل تلك المناطق خالية من السكان السنة حصرًا. فلم تكن مجزرة المقدادية الوحيدة بهذه البيئة الديموغرافية البستانية الجميلة والمتنوعة الأعراق مثل ثمار بساتينها المعمرة، والمتعايشة منذ آلاف السنين، فقد سبقتها مجازر جامع السارية وبهرز والوجيهية وأبي صيدا ومكيشيفة والسعدية والمنصورية والعظيم ويثرب وبلد والضلوعية والإسحاقي، كل ذلك يحصل، من أجل أن تبقى القنبلة الديموغرافية سلاحًا بيد إيران للضغط على القرار السياسي للأمم المتحدة من أجل التفاوض بها لصالح برنامجها النووي، ومن أجل مواجهة الشيطان النووي بالشيطان الديموغرافي وفق استراتيجية صراع الشياطين.

قصة انهيار جيشان في الموصل وأفغانستان! 

 مثلما أبهر الجيش العراقي خلال حقبة حكم المالكي العالم بارتكابه أسرع هزيمة عرفها التاريخ في الموصل أمام مئات من مقاتلي داعش، كذلك أبهرت سرعة انهيار الجيش الأفغاني الذي هرب جميع الجنود والضباط الشيعة مع أسلحتهم إلى إيران، علمًا أن كلا الجيشان شكلتهما القوات الأمريكية والإيرانية، حيث تسوغ هزيمة هذين الجيشين، لكون جنودهما من المجندين الإجباريين "السنة وضباطه من الهزارة" الشيعة ذوي الأصول الإيرانية والعناصر الولائية على غرار تشكيلات الجيش السوري. لقد تحمل السنة الأفغان الكثير من اضطهاد وإذعان الشيعة الهزارة وجرائمهم اللاإنسانية في المدن الأفغانية التي سيطر عليها هذا الجيش المصطنع مثلما تحمل السنة العراقيون من اضطهاد إيران وأحزابها الولائية.

نافلة القول، يبقى العراق عصي على الفرس والأمريكان فهو كالطائر العنقاء سينهض كما نهض أثناء الغزو المغولي الاحتلال الصفوي والاحتلال البريطاني. وقد بانت ملامح النهوض في الحراك الثوري التشريني.

فهذا هو الوضع الدولي والإقليمي المزري لإيران والعراق بعد عودة طالبان والشروع بالمناورات العسكرية التركية الأذربيجانية على حدود إيران.

فهل من متدبر؟

*أستاذ علم الاجتماع

النشرة الإخبارية

اشترك في النشرة الإخبارية

ابق على اطلاع على النشرة الإلكترونية

معلوماتك فى امان معنا! إلغاء الاشتراك في أي وقت.