«تقرير الحالة الإيرانية» للربع الثالث من 2020 (يوليو/ تموز، أغسطس/ آب، سبتمبر/ أيلول)، يصدره «مركز الخليج للدراسات الإيرانية»، بهدف تشخيص الحالة الإيرانية وقياس أوضاعها وتفاعلاتها المختلفة.
وسجل خريفًا جديدًا، وربما خريفًا أخيرًا، لنظام الملالي الحاكم في إيران، حيث تفاقم الوضع الوبائي في البلاد جراء فشل سلطات النظام الصحية في التصدي لانتشار فيروس كورونا، ودخلت إيران الموجة الثالثة من جائحة كورونا خلال سبتمبر/أيلول، وحولت الجائحة البلاد إلى بؤرة إقليمية للمرض.
وألقى التعاطي الإيراني مع انتشار الفيروس خلال الربع الثالث من 2020 بظلاله على جوانب عدّة، تتخطى مشكلة الفيروس ذاته على الرغم من خطورته البالغة من الوجهة الصحية، إذ ألقى الضوء على كيفية إدارة النظم السياسية غير الديمقراطية الأزمات، حتى الطبيعية منها، وربطها بالإطار النفسي للحكّام، وتداعياتها على مستقبل النظام ذاته.
وفقد الاقتصاد الإيراني خلال الربع الثالث من العام معظم إيراداته من النقد الأجنبي، وتعرض لحالة من الشلل شبه التام على المستوى المحلي، بسبب الإجراءات الاقتصادية التي اتخذتها الحكومة للحد من انتشار فيروس كورونا. ويمثل استمرار هذه الحالة وقودًا لأزمة مالية معقدة للغاية تلوح في أفق الاقتصاد، ويتوقع أن تتسبب في انهيار تام للعملة الإيرانية، وقد يتطلب الأمر من الحكومة تبني إجراءات استثنائية لم تتخذها من قبل، لكن تبدو جميع الخيارات أمامها في هذا الأمر غير ذات فاعلية كبيرة، في حال استمرت العقوبات بالتزامن مع أزمة كورونا.
وكان أبرز تصريح يدل على فشل نظام الملالي في إدارة الأزمة الاقتصادية، هو ما قاله محافظ البنك المركزي الإيراني عبد الناصر همتي، في منشور على إنستغرام، إن الاقتصاد "يتعرض لضغوط شديدة"، و"العديد من العوامل خارجة عن سيطرتنا".
وتردى الوضع الاقتصادي في إيران، ووصل إلى حد أن يوصف بأنه يحتضر؛ فالأرقام السلبية باتت تتصدر مؤشرات الأسواق مع تزايد تقلص القدرة الشرائية للإيرانيين بصورة غير معهودة ومدخراتهم تآكلت، ويعانون من تراجعات ملموسة في الدخل ومستوى المعيشة، بالإضافة إلى انخفاض صادرات النفط ومغادرة العديد من الشركات الأجنبية السوق الإيرانية وتراجع استثماراتها.
الفوضى والاضطراب في الاقتصاد الإيراني هذا العام دفعا بقطاع الخدمات إلى حد الانهيار كما اضطر السلطات إلى إحياء مشروع كوبونات الطعام حيث زاد عدد الفقراء والعاطلين عن العمل وارتفعت نسب البطالة بصورة غير مسبوقة كما ارتفعت كلفة المساكن وزاد التضخم والكساد فضلا عن اختفاء العديد من السلع عن رفوف الأسواق.
ولم يقف الأمر عند حدود السياسات الاقتصادية غير المنضبطة، أو انعدام الكفاءة الإدارية في المناصب العليا في الدولة، وإنما أشارت الدلائل أيضًا إلى الفساد وانحصار مقدرات النظام الاقتصادي في أيدي مجموعة محددة من الأشخاص سواء من مكتب المرشد علي خامنئي أو "الحرس الثوري"، التي تدير الشأن الاقتصادي على أسس سياسية، تعمل على تركيز احتكار الثروة الوطنية في أيدي أشخاص محددين يعملون على إيجاد ظروف عمل اقتصادية تبتعد عن المنافسة، لضمان مواصلة تربحهم من الاقتصاد الريعي الإيراني.
وعلى المستوى الداخلي، لم يتوقف النظام عن سياسة القبضة الحديدية، لقمع أي بادرة لانتفاضة شعبية متوقعة، ما دفع الملالي إلى الإقدام على إعدام المصارع الإيراني نافيد أفكاري، بتهمة قتل أحد رجال الشرطة.
وقالت "منظمة العفو الدولية" في بيان لها "إن إعدام بطل المصارعة نويد أفكاري سراً، دون إخطار مسبق له، أو أسرته أو محاميه، بعد محاكمة بالغة الجور، يشكل صورة مروعة من صور ازدراء العدالة التي تحتاج إلى تحرك دولي فوري".
وأضافت المنظمة أنه "قبل إعدام أفكاري (27 عامًا) سرًا، تعرض لمجموعة مروعة من انتهاكات حقوق الإنسان والجرائم، من بينها الاختفاء القسري؛ والتعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة، الأمر الذي أدى إلى "اعترافات" قسرية؛ والحرمان من الاتصال بمحام وغير ذلك من ضمانات المحاكمة العادلة. وقبل أن يتم إعدامه، بُث تسجيل صوتي آخر من داخل السجن، قال فيه: إذا تم إعدامي، فأريد منكم أن تعرفوا أن هناك شخصًا بريئًا، بالرغم من أنه حاول وناضل بكل ما لديه من قوة لكي يُسمع صوته، قد أُعدم".
وفي هذا الربع من العام 2020، شهدت طهران ومدن أخرى احتجاجات شعبية، كان أبرزها احتجاجات عمال المصافي في عبادان الذين تأخرت رواتبهم، لكنها جوبهت بقمع قاس وشديد من ميليشيا "الحرس الثوري"، التي أُعطيت الأوامر باستخدام القوة المفرطة لقمع هذه الاحتجاجات في مهدها حتى لا تنتشر في عموم البلاد.
ابق على اطلاع على النشرة الإلكترونية