"ثورة جياع" قد تعجل "تجميد" العلاقات العربية مع نظام الأسد

- 28 أغسطس 2023 - 421 قراءة

وسط تباطؤ مسارات التطبيع بين سوريا ودول عربية بعد استئناف العلاقات الدبلوماسية منذ نحو أربعة أشهر، يواجه نظام بشار الأسد تحديا داخليا جديدا يتمثل في ما يصفه محللون بأنه "ثورة جياع".

وكان الأسد يأمل في عودة علاقات نظامه مع عدد من الدول العربية، لا سيما الخليجية، في إنقاذ اقتصاد سوريا المتهالك بعد أكثر من عقد على حرب مدمرة.

لكن التظاهرات الشعبية الجديدة، التي تدور رحاها في محافظتي درعا والسويداء جنوبي البلاد، التي انطلقت احتجاجا على تدهور الأوضاع الاقتصادية وتطورت للمطالبة بـ "إسقاط النظام"، تزيد من "جمود" العلاقات السورية العربية، كما يرى محللون.

والأحد، قال نشطاء المجتمع المدني وشهود لرويترز إن محتجين يطالبون بإنهاء الحكم السلطوي في سوريا أغلقوا مقر حزب البعث الحاكم في مدينة السويداء التي تقطنها أغلبية درزية في جنوب غربي البلاد، فيما لم تظهر أي مؤشرات على تراجع الاحتجاجات التي دخلت أسبوعها الثاني بالمدينة.

واستخدم شبان ماكينات لحام لإغلاق أبواب مبنى الحزب الذي يتزعمه الرئيس بشار الأسد. ويتولى الحزب السلطة منذ انقلاب عام 1963.

وخرج مئات مجددا إلى الشوارع لليوم السابع على التوالي من الاحتجاجات السلمية على تدهور ظروف المعيشة بسبب ارتفاع أسعار البنزين، وطالبوا بتغييرات سياسية شاملة.

وردد المحتجون هتاف "ارحل يا بشار بدنا نعيش بكرامة" في الساحة الرئيسية التي أعلن فيها كبار زعماء الدروز الروحيون دعمهم لاحتجاجاتهم لكن دون تأييد دعوات إنهاء حكم عائلة الأسد المستمر منذ خمسة عقود.

وتشهد سوريا منذ العام 2011 نزاعا داميا تسبب في مقتل أكثر من نصف مليون شخص، وألحق دمارا هائلا بالبنى التحتية وأدى إلى نزوح وتشريد ملايين السوريين داخل البلاد وخارجها.

وقطت دول عربية كثيرة علاقاتها الدبلوماسية مع نظام الأسد بسبب قمعه للمظاهرات التي اندلعت ضده في 2011، لكن تلك الدول، بما في ذلك الإمارات والسعودية، استأنفت العلاقات مع النظام السوري.

وإثر تلك الجهود، قررت جامعة الدول العربية إعادة سوريا لشغل مقعدها الدائم في المنظمة بعد سنوات من استبعادها، كما تم الترحيب برئيس النظام في قمة جدة خلال مايو الماضي.

ووصف الباحث السوري في الشؤون العسكرية والاستراتيجية، عبد الناصر العايد، استئناف الدول العربية لعلاقاتها مع نظام الأسد بـ "المراهنة الخاسرة".

وقال في حديثه لموقع "الحرة" الأمريكية إن النظام "لديه مشكلة كبيرة في الداخل غير قادر على حلها.. والتطبيع العربي لن يحل مشكلات الشعب".

"سيناريو الفوضى"

وتستمر المظاهرات الشعبية في السويداء منذ أكثر من أسبوع، حيث رفع متظاهرون شعارات تطالب النظام بالرحيل والتغيير السياسي في ظل أوضاع اقتصادية صعبة يعيشها السوريون.

وأشار مدير مركز القدس للدراسات السياسية، عريب الرنتاوي، إلى أن "الوضع في سوريا مفتوح على جميع الاحتمالات وليس أخطرها" فقدان الأسد لعلاقاته بالدول العربية.

وقال إن السوريين يواجهون "حالة انهيار (اقتصادي) وتفشي الجوع والفقر المدقع، مضيفا أن "وضع الأسر السورية كارثي، إذ لم تمر بمثله منذ ما قبل الاستقلال".

وتابع أن "الوضع الاقتصادي والاجتماعي الناجم عن منظومة العقوبات المفروضة على سوريا والأداء الرديء للسلطة في الملف الاقتصادي وتفشي الفساد في مفاصل السلطة، كلها عوامل أدت لأسوأ وضع اقتصادي تعيشه الأسر العادية في تاريخ سوريا الحديث".

وقال الرنتاوي إن الوضع السوري "مفتوح على سيناريو الفوضى من خلال ثورة جياع".

ويعاني الاقتصاد السوري من ضائقة شديدة بعد انخفاض قيمة العملة المحلية إلى أدنى مستوياتها على الإطلاق (نحو 14 ألف ليرة مقابل الدولار)، وتشديد العقوبات والانهيار المالي للبنان وفقدان العديد من المناطق المنتجة للنفط في شمال شرقي البلاد.

وبالإضافة إلى الاحتجاجات الشعبية، تثير أزمة المخدرات العابرة للحدود أسئلة بشأن التعهدات التي أطلقها النظام بوقف تدفق هذه الآفة عبر الأردن لدول الخليج.

وقال الرنتاوي إن "مسار الانفتاح العربي على دمشق تباطأ" بسبب عدم وجود "حكومة مرنة قادرة على التجاوب مع الطلبات العربية".

بدوره، قال أستاذ العلوم السياسية السعودي البارز، عبدالله العساف، إن دمشق "لم تفِ بالتزاماتها"، مردفا أن "عودة سوريا للجامعة العربية أصبحت لتبييض صفحتها أمام المجتمع الدولي".

وكانت الولايات المتحدة، استنكرت، قي مايو الماضي، عودة سوريا مجددا إلى الجامعة العربية واعتبرت أن الأسد "لا يستحق تطبيعا للعلاقات".

وآنذاك، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، فيدانت باتيل، للصحفيين: "لا نعتقد أن سوريا تستحق إعادتها إلى جامعة الدول العربية في الوقت الحاضر".

"النظام يتغذى على أموال المخدرات"

ورغم تصاعد الاحتجاجات الداخلية المناهضة للأسد، أوضح العساف أن "ما يهم دول الخليج هو ملف المخدرات الذي لم يغلق".

وأضاف أن "المخابرات الأردنية رصدت أكثر من 200 مصنع لإنتاج الكبتاغون مرتبطة بالنظام، لم يتم إغلاقها.. الخطوات (من جانب النظام) بطيئة وأقل مما يتوقع".

وتتهم واشنطن ولندن والاتحاد الأوروبي، الأسد وعائلته وحلفاءه، وبينهم حزب الله اللبناني، بتسهيل هذه التجارة والاستفادة منها.

وكان النظام السوري تعهد بأن البلاد "ستتعاون مع الأردن والعراق في تشكيل فريقي عمل سياسيين/أمنيين مشتركين منفصلين خلال شهر، لتحديد مصادر إنتاج المخدرات في سوريا وتهريبها، والجهات التي تنظم وتدير وتنفذ عمليات تهريب عبر الحدود مع الأردن والعراق، واتخاذ الخطوات اللازمة لإنهاء عمليات التهريب".

وجاء ذلك الإعلان عقب اجتماع عقد، في مايو الماضي، بالعاصمة الأردنية عمّان، ضم وزراء خارجية الأردن وسوريا والعراق ومصر والسعودية.

إلا أن العساف يشدد على أن دمشق "لم تتخذ أي إجراء يشفع لسوريا باتخاذ خطوات للأمام" في العلاقات من قبل الدول العربية، لا سيما الخليجية منها.

وقال إن "النظام يتغذى على عائدات الأموال من تجارة المخدرات" التي لا تزال السلطات في الأردن تضبط كميات كبيرة منها على الحدود.

وتؤكد السلطات الأردنية أن 85 بالمئة من المخدرات التي تضبط من الحدود السورية معدة للتهريب إلى الخارج، خصوصا إلى السعودية ودول خليجية أخرى.

وفي هذا الإطار، يعتقد المحلل السوري العايد، أن "احتجاجات السويداء ودرعا قد تهدد قدرة النظام على مساومة العرب (بورقة) تهريب المخدرات". وتابع: "قد تتحول هذه الاحتجاجات لأعمال عسكرية تمنع عبور المخدرات باتجاه الأردن".

"إنقاذ سوريا أولا"

وترتبط سوريا مع الأردن بحدود برية طولها 375 كيلومترا، حيث تقع محافظتا السويداء ودرعا بالقرب من هذه الحدود المحصنة.

ويرسم الرنتاوي سيناريو متشائما لوضع الاحتجاجات في السويداء ودرعا ومناطق أخرى من سوريا أبدت غضبها من الوضع الاقتصادي المتردي بقوله إن "الوضع مرشح للانفجار في أي لحظة".

وقال إن "الجوع عابر للطوائف"، مردفا أن "الغضب من التطورات الأخيرة بعد رفع الدعم عن الطاقة وبعض السلع، ليس محصورا على منطقة دون أخرى".

ووصف "تفاصيل الحياة اليومية للمواطن السوري بالكارثية"، حتى لكبار موظفي النظام من مدنيين وعسكريين، موضحا: "ما لم يكن (الموظف) لصا لن يتمكن من شراء حتى قميص" يرتديه، وفق تعبير الرنتاوي.

وجاءت التحركات الشعبية في المحافظتين السوريتين، منذ أسبوع، عقب قرار السلطات رفع الدعم عن الوقود، في خضم أزمة اقتصادية تخنق السوريين بشدة.

وعن مستقبل العلاقات العربية السورية في الوضع الراهن، يستبعد العساف أن تكون الخطوات العربية "بقسوة ما اتخذ في الماضي بقطع العلاقات". وبدلا من ذلك، يعتقد أنه "من الممكن أن تكون أشبه بالتجميد، دون أن يتم التواصل في الفترة المقبلة".

أما الرنتاوي فيقول إن "النقاش حاليا يحب أن يكون في كيفية إنقاذ سوريا، أولا ثم الحديث عن شكل النظام ومستقبله".

النشرة الإخبارية

اشترك في النشرة الإخبارية

ابق على اطلاع على النشرة الإلكترونية

معلوماتك فى امان معنا! إلغاء الاشتراك في أي وقت.