جرائم أنقرة في «عفرين» مازالت مستمرة

- 4 فبراير 2024 - 190 قراءة

أول جريمة ارتكبها الاحتلال التركي وأعوانه تدمير تمثال الشخصية الكُردية الأسطورية كاوا الحداد

 

سكان "عفرين" يعانون من الاعتقال والتعذيب والاغتصاب والاستعباد الجنسي والاغتيالات والاختفاء القسري

 

فتوى لمديرية الشؤون الدينية التركية تعتبر نهب ممتلكات الكُرد "جهاد في سبيل الله" و"غنائم حرب"!

 

 

في 25 مارس/آذار 2018، احتل الجيش التركي منطقة "عفرين" والقرى المحيطة بها، وحولت الجرائم والإجراءات الوحشية التركية "عفرين" من منطقة متنوعة مزدهرة، إلى مكانٍ كئيب بائس.

ومنذ اللحظة الأولى للاحتلال، اتضح عنف القوات التركية ومرتزقتها من مسلحي ما يُسمى "الجيش الوطني" الموالي لأنقرة، ضد سكان "عفرين"، حيث كانت أول جريمة ارتكبتها القوات الغازية، هي تدمير تمثال الشخصية الكردية الأسطورية كاوا الحداد، وهو شخص محوري في "عيد النوروز" الكردي، والذي يرمز إلى النضال من أجل الحرية، وضد الاستبداد.

ويعاني كُرد عفرين من الاعتقال التعسفي والاعتداءات، والتعذيب والاغتصاب، والاتجار بالبشر والاستعباد الجنسي والاغتيالات، والاختفاء القسري عند نقاط التفتيش وعمليات الخطف في وقتٍ متأخر من الليل على أيدي العصابات الإجرامية، وإحراق قراهم.

كما يعاني الكُرد من نهب المتاجر ومصادرة المنازل وسرقة السيارات ونهب المواشي ومصادرة الأراضي وفرض ضرائب الشريعة وابتزاز الشركات وخطف أكثر من خمسة آلاف مقابل فدية، وإحراقٍ متعمد لأكثر من 11000 هكتار من الغابات، فضلًا عن السرقة المنهجية لصناعة زيت الزيتون في عفرين، والتي يتم تهريبها إلى أوروبا لبيعها.

من جهة ثانية، يعاني كُرد عفرين من التطهير العرقي الديموغرافي و"تتريك" النظام التعليمي وتغيير أسماء الشوارع، وتدمير الآثار الثقافية الكردية وتدنيس الأضرحة المقدسة للعلويين والإيزيديين وقطع الأشجار المقدسة والتنقيب عن الآثار، وتهريب أكثر من 16 ألف قطعة أثرية تاريخية يتم بيعها بعد ذلك بشكلٍ غير قانوني إلى المتاحف في تركيا.

من جانبٍ آخر، يتعرض سكان عفرين إلى التهديد من قبل عصاباتٍ من السماسرة في بيع الأراضي الإجباري بأسعارٍ محددة تشرف عليها الاستخبارات التركية بهدف نقل الملكية القانونية إلى أناسٍ جدد. وغالبًا ما يتم الاستيلاء على أكبر وأفخم المنازل من قبل المرتزقة، بحجة تحويلها إلى مقراتٍ عسكرية أو غرف تعذيب.

 

"غنائم حرب"

 

من جهة أخرى، ذكر تقرير صدر عام 2019، موجّه إلى مكتب المفوض السامي لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، أن "ضحايا عمليات الاختطاف من قبل الجماعات المسلحة غالبًا ما يكونون من أصل كُردي، فضلًا عن المدنيين الذين يُنظر إليهم على أنهم مهمون في المجتمع، بما في ذلك الأطباء ورجال أعمال والتجار، إضافةً إلى إجبار الشباب الذين اشتبهوا بانتمائهم إلى تنظيمات كردية مؤيدة للإدارة الذاتية على دفع غرامة قدرها 400 دولار من أجل إطلاق سراحهم".

وفي سبتمبر/أيلول 2020، تم تقديم تقرير إلى "اللجنة الدولية المستقلة لتقصي الحقائق بشأن سوريا" ضمن الدورة 45 لمجلس حقوق الإنسان. ووثقت اللجنة بعض جرائم الحرب التي ارتُكبت في عفرين المحتلة.

وذكر تقرير اللجنة أن مقاتلي "الجيش الوطني" والقوات التركية أجبروا السكان، وخاصةً من أصلٍ كُردي، على الفرار من منازلهم، عبر التهديد والابتزاز والقتل والاختطاف والتعذيب والاحتجاز، مشيرًا إلى أنه إلى جرى نهب ممتلكات الكُرد والاستيلاء عليها من قبل عناصر "الجيش الوطني" بطريقة منظمة.

وكشف التقرير، عن سرقة ميليشيا "الحمزات" منزل عائلة كردية، وتحويله إلى معهد للقرآن الكريم تديره منظمة تركية غير حكومية افتتحها حاكم ولاية أورفا التركية.

من جهة ثانية، صدرت فتاوى من مديرية الشؤون الدينية التركية، المعروفة باسم "ديانت"، وصفت فيها المديرية "حزب الاتحاد الديمقراطي"، بأنه "حاقد وعلماني وفاسد ومنحرف"، ما يبرر بالتالي سرقة ونهب ممتلكات أعضائه وقياداته، على اعتبار أن نهب هذه الممتلكات الخاصة "جهاد في سبيل الله" و"غنائم حرب".

فيما يتعلق بالإيزيديين، الذين حاول تنظيم "داعش" المدعوم من تركيا القضاء عليهم من خلال الإبادة الجماعية، تم تدمير مزاراتهم المقدسة اقتلاع وإخلاء قرى الإيزيديين وهي قسطل جندو وبافالون وسنكا وقطمة وباصوفان وغزاوية وإسكا وعرش قيبار وإسكان شرقي وشيه وعين دارا.

وقطعت الجماعات "الإسلامية" المدعومة من تركيا الأشجار المعمرة في العديد من القرى، التي يربط السكان "العلويون" بها شرائط صغيرة، ويتمنون ما يريدون، كطقسٍ من الطقوس الروحانية لديهم.

كما دنّست قوات الاحتلال المناطق الأثرية، فقد دمرت الغارات الجوية التركية العديد من المباني القديمة، بما في ذلك كنيسة "جوليانوس"، وهي واحدة من أقدم المعابد المسيحية في العالم، ومعبد عين دارا الشهير، كما تم تدمير الأديرة والمقابر البيزنطية.

 

الجرائم مازالت مستمرة

 

تزامنت هذه الوحشية مع نهب تركيا 35 تلًا تاريخًا في أجزاء مختلفة من "عفرين". كما تم نبش القبور بحثًا عن الذهب والمقتنيات الثمينة. إضافةً إلى ذلك، دمّرت أيضًا الضريح المخصص للثوري والكاتب الكردي نوري ديرسمي، جنبًا إلى جنب مع ضريح زوجته فريدة.

وفي إطار سياسة "التتريك"، رفع الجيش التركي علمه على المباني الحكومية، وليس علم ما يسمى "الجيش الوطني"، ثم بدأت الدولة التركية في إجبار تلاميذ المدارس على حمل العلم التركي وصور رجب طيب أردوغان.

علاوة على ذلك، تمجّد الكتب المدرسية التركية المفروضة الآن تاريخ الإمبراطورية العثمانية، بينما تضطر مدارس عفرين إلى الاحتفال بأعياد تركيا الرسمية، وهو ما يفسر سبب انخفاض عدد التلاميذ الكُرد في عفرين من 95 في المئة إلى 30 في المئة.

وتبع ذلك تغيير الأسماء الرسمية للأماكن من الكُردية إلى التركية، وحظر اللغة الكردية وإصدار الهوية التركية وبطاقات الإقامة المؤقتة واستخدام الليرة التركية كعملةٍ رسمية وتعيين والي (وصي) والقائم مقام (محافظ) في عفرين وربطها بولاية هاتاي التركية. وكل هذا يشير إلى حقيقة أن تركيا لا تنوي مغادرة عفرين أبدًا، بل تنوي احتلالها بشكلٍ دائم على غرار هاتاي (لواء إسكندرون) السوري المحتل منذ عام 1939.

وأكدت منظمة "حقوق الإنسان عفرين- سوريا"، في تقرير لها نُشر مطلع يناير/كانون الثاني، أن جرائم القوات التركية وفصائل "الجيش الوطني" المدعوم من تركيا، في حق السكان الأصليين الكُرد بمنطقة "عفرين"، مازالت مستمرة.

وذكر تقرير المنظمة، أنه بحلول عام 2020، أي بعد عامين من سيطرة تركيا على عفرين، قالت لجنة التحقيق الخاصة بسوريا، والمنبثقة عن مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، إن الانتهاكات التي تُرتكب في عفرين قد ترقى إلى "جرائم حرب". ومن بين هذه الانتهاكات، مُصادرة الممتلكات، وتخريب الأراضي الزراعية، والقتل تحت التعذيب والاعتقال التعسفي.

وتحوَّلَ وجه مناطق واسعة من "عفرين" من اللون الأخضر الذي اشتهرت به إلى لون التراب، بعد ما جرى من تقطيعٍ للأشجار للإتجار بالخشب من قبل الفصائل، وكشفت عدة صدامات بين الفصائل ذاتها عن وجود معتقلاتٍ سريّة جرى فيها ارتكاب أبشع أنواع الانتهاكات، بما في ذلك الاغتصاب والتعذيب.

وفي سياق احتلال "عفرين"، هناك حوالي 300 ألف كُردي تمّ تهجيرهم من عفرين، وآلاف غيرهم خسروا ممتلكاتهم وأراضيهم، وآلاف أخرى قُتلوا، أو اعتقلوا، فقط لأنهم كُرد!

وقامت الفصائل بتحويل مبانٍ حكومية أو ممتلكات خاصة إلى مراكز احتجاز، وجرى اعتقال أعداد كبيرة من المدنيين بينهم نساء وأطفال بتهم الانتماء لـ "قوات حماية الشعب"، وكان الهدف الحقيقي في كثير من المرّات هو طلب الفدية، وفي حالات أخرى جرى تعذيب المعتقلين والمعتقلات، بالضرب والحرق والكهرباء، بالإضافة إلى الاغتصاب.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المصادر:

1- جرائم تركيا والفصائل الموالية لها تستمر في عفرين، موقع شبكة نبض الشمال، 3 يناير/كانون الثاني 2024.

2- طبقات الجريمة في عفرين، موقع الجمهورية، 17 مارس/آذار 2023.

3- الاحتلال التركي لعفرين.. كيف حدثت الجريمة؟، موقع المركز الكردي للدراسات، 7 أبريل/نيسان 2023.

 

النشرة الإخبارية

اشترك في النشرة الإخبارية

ابق على اطلاع على النشرة الإلكترونية

معلوماتك فى امان معنا! إلغاء الاشتراك في أي وقت.