استهدفت قوات الاحتلال الإسرائيلية منذ بدء العدوان على قطاع غزة، الصحفيين والإعلاميين بشكل متعمد، وقتلت العشرات منهم، وذلك في محاولة لإخفاء الحقيقة وطمس الوقائع الدامغة على الهمجية الإسرائيلية، وإرهاب من يوثقون بالصوت والصورة انتهاكات جيش الاحتلال بحق المدنيين والأطفال في القطاع الذي دفع ضريبة العدوان غاليًا من دماء أبنائه البواسل.
ومنذ بدء العدوان الصهيوني الغاشم على القطاع، في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي وحتى الآن، استشهد جراء القصف الإسرائيلي المستمر حوالي 100 صحفي وإعلامي، ممن كانوا يشاركون في تغطية مأساة غزة من خلال العمل الميداني، وهو رقم قياسي دموي جديد تسجله (إسرائيل) في وقت قياسي، لم يتجاوز 80 يومًا، حتى لحظة كتابة هذه السطور.
وبذلك، تخطى عدد شهداء الصحفيين جراء الهجمات الإسرائيلية على قطاع غزة في أقل من شهرين، حصيلة قتلاهم خلال الحرب العالمية الثانية (1939-1945)، التي راح ضحيتها عشرات الملايين وتوصف بـ "الحرب الأكثر دموية في التاريخ الحديث"، حيث فقد 69 صحفيًا حياتهم خلال 6 سنوات من تلك الحرب التي أودت بحياة عشرات الملايين من البشر.
في 21 نوفمبر/تشرين الثاني، اتهمت منظمة "مراسلون بلا حدود" (إسرائيل) بتحويل غزة إلى "مقبرة للصحفيين"، بعد مقتل نحو عشرة منهم في ظرف ثلاثة أيام.
وحذرت المنظمة الدولية من "وضع كارثي" بسبب تجاهل الاحتلال الإسرائيلي الدعوات إلى حماية الصحفيين، في حربه ضد حركة "حماس"، محذرة من "استئصال الصحافة في غزة".
واتهم جوناثان داغر، رئيس مكتب "مراسلون بلا حدود" في الشرق الأوسط، في حينه، قوات الاحتلال الإسرائيلية بأنها "قتلت ما يقرب من 50 صحفيًا خلال 45 يومًا فقط في غزة، منهم 11 صحفيًا أثناء قيامهم بواجباتهم. وهي واحدة من أكثر الخسائر دموية في هذا القرن بالنسبة للصحافة".
وقال داغر، في بيان نشره موقع "مراسلون بلا حدود"، إن "الوضع مأساوي بالنسبة للصحافة في غزة، حيث قُتل أكثر من صحفي يوميًا منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول، علمًا أن هذا الكم الهائل من الشهداء في صفوف الفاعلين الإعلاميين، من بين آلاف المدنيين، آخذ في الارتفاع يومًا بعد يوم. ذلك أن جيش الاحتلال الإسرائيلي، من خلال غاراته، ماضٍ في القضاء عليهم فعليًا واحدًا تلو الآخر، بينما يصف بتصريحات غير مقبولة مدى استخفافه الصارخ بالقانون الإنساني الدولي الذي يضرب به عرض الحائط".
كما اتهمت المنظمة، (إسرائيل) بالعمل تدريجيًا على "خنق" الفاعلين الإعلامين في قطاع غزة، من خلال "قتل الصحفيين أو إصابتهم، أو بتدمير مبان إعلامية أو قطع شبكة الإنترنت".
وأدانت المنظمة في بيان لها، "تزايد أصوات التهديد والدعوة إلى قتل الصحفيين في غزة، في أوساط السياسيين الإسرائيليين، وذلك في أعقاب نشر تقرير إسرائيلي يشكك في نزاهة بعض الفاعلين الإعلاميين الفلسطينيين.
من جهة أخرى، قالت لجنة حماية الصحفيين" الدولية، في بيان لها، "إن العديد من المراسلين الصحفيين الذين يغطون أحداث غزة خائفون من التعرّض لإطلاق النار. فإذا كان يمكن قتل مراسلة صحفية تملك جواز سفر أمريكيًا، ودون أية تبعات قانونية، بات الصحفيون يخشون من أن مصيرًا مشابهًا ينتظرهم. وهذا الشعور بالضعف هو شعور قوي بصفة خاصة بين الزملاء الفلسطينيين، فبعضهم يخشى من أن يتم استهدافهم".
لم يكن استهداف الصحفيين عملية عشوائية غير مقصودة كما يروج الخطاب الإسرائيلي، إذ كان الهدف معلنًا، ويؤكد وجود "منهجية" واضحة في هذا الاستهداف، لإسكات الأصوات، وفرض حالة من التعتيم على الجرائم والانتهاكات المرتكبة.
وأكد ناصر أبو بكر، نقيب الصحفيين الفلسطينيين، أن هناك 1200 صحفي فلسطيني بدون مأوى، بعد أن دُمرت منازلهم في قطاع غزة، وهناك 350 من عائلات الصحفيين استشهدوا باستهداف منازل الصحفيين، منهم من استهدفت منازلهم وهم خارج المنزل، ومنهم من استشهد هو وعائلته.
وأضاف نقيب الصحفيين الفلسطينيين، في تصريحات، أن استهداف الصحفيين يتم بقرار رسمي واستهداف عائلات الصحفيين هو عقاب للصحفيين، لافتًا إلى أن اليوم الأول هو كان الأكثر دموية ضد الصحفيين لإجبار الصحفيين عن التوقف عن العمل.
وأشار أبو بكر، إلى أن "الصحفي الفلسطيني مؤمن بقضيته ورسالته الوطنية، ويعرف أنه مهما دفع من ثمن ومهما استهدفت قوات الاحتلال له، سيظل يرسل المواد الإعلامية وينقل الحقيقة".
وأشار النقيب، إلى أن الصحفى الفلسطيني استطاع أن ينتج مواد ويرسلها للمؤسسات الإعلامية وأثرت على الرأي العام وغيرت اتجاهات الرأي العام، ففي بداية الحرب كان العالم يؤيد جرائم الاحتلال ولكن الآن أصبح العالم يدين جرائم الاحتلال، مشيرًا إلى أن "أكبر مرة في التاريخ يقتل فيها صحفيين في أقصر فترة زمنية كان في غزة".
وفي هذا السياق، قال المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، في بيان له، "إن جرائم الاغتيال التي يرتكبها الاحتلال بحق المدنيين الفلسطينيين عامة، والصحفيين والإعلاميين بشكل خاص، تعكس دموية الاحتلال وإرهابه المنظم بحق الصحفيين الفلسطينيين، حيث القتل والاعتقال والتدمير الممنهج للمؤسسات الصحفية الفلسطينية ولمنازل الصحفيين بشكل متعمد، بهدف تغييب الرواية الفلسطينية التي تنقل مجازر الاحتلال وقتله للشعب الفلسطيني وإبادته وتهجيره".
وشدّد البيان على أن "عمليات الاغتيال يجب أن تدفعنا لملاحقة الاحتلال على ما ارتكبه من جرائم بحق الصحفيين الفلسطينيين وتقديمه للمحاكم الدولية كي لا يفلت من العقاب وحمل هذه الجرائم والملفات بحق الصحفيين والتي ترتقي لجرائم حرب وتقديمها لمحكمة الجنايات الدولية باعتبار أن الصحفيين الفلسطينيين محميون بموجب كافة القوانين الدولية."
وفيما يواصل جيش الاحتلال الإسرائيلي، استهداف المدنيين والصحفيين وعائلاتهم في قطاع غزة، رغم اعتبار الاستهداف المتعمد للصحفيين والمدنيين جريمة حرب بموجب القانون الإنساني الدولي، أعلنت منظمة "مراسلون بلا حدود" مؤخرًا، عن تقدمها بطلب إلى المحكمة الجنائية الدولية للتحقيق في جرائم الحرب المرتكبة ضد الصحفيين، خلال العنف الإسرائيلي في فلسطين.
ورغم هذه الأصوات الدولية المنددة بجرائم (إسرائيل) في حق الصحافة، لم يعد هناك من مكان آمن للصحفيين في غزة. فسواء كانوا ظاهرين للعيان لأداء واجبهم المهني في الميدان، أو كانوا في خيام صحفية أُقيمت بالقرب من المستشفيات لتيسير التغطية الإعلامية، أو كانوا يستريحون مع أسرهم في منازلهم أو في الملاجئ، فإن الصحفيين معرَّضون للموت في أي لحظة خلال عملهم على تغطية الأحداث الجارية بالقطاع، ومع ذلك فإنهم يواصلون نقل الصورة عن هذا الصراع، الذي يُعد من أكثر الصراعات دموية في القرن الحادي والعشرين.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر:
1- قائمة جديدة بكوكبة من الإعلاميين قضوا في هجمات إسرائيلية على غزة أثناء تأدية رسالتهم، موقع روسيا اليوم، 4 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
2- إسرائيل تحطم رقما قياسيا في قتل الصحفيين لم تسجله الحرب العالمية (تقرير)، موقع وكالة أنباء الأناضول، 4 نوفمبر/تشرين الثاني 2023.
3- نقيب الصحفيين الفلسطينيين: 80% من الإعلاميين الذين قتلوا في العالم خلال 2023 فلسطينيين، موقع اليوم السابع، 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2023.
ابق على اطلاع على النشرة الإلكترونية