لا حكم في إيران إلاّ «حكم المرشد»

- 1 نوفمبر 2024 - 176 قراءة

النظام الإيراني يبرع في تصوير المشهد وكأن هناك "صراعات" بين تيارات تتجاذب الساحة السياسية!

 

وضعت الانتخابات الرئاسية الأخيرة في إيران، التي تؤكد النتائج الأولية أن يفوز فيها المرشح "الإصلاحي" مسعود بزشكيان، نهاية لأسطورة صنعها نظام الملالي منذ بدء الثورة الإيرانية والإطاحة بنظام الشاه عام 1979، وهي أسطورة "المتشددين والإصلاحيين" التي لم تعد تنطلي على أحد، سواء داخل إيران أو خارجها!

الآن، وبعد خمسة وأربعين سنة من هيمنة نظام "الولي الفقيه" ومؤسساته على مقاليد الحكم، صار الإيرانيون على دراية بأساليب "اللعبة الديمقراطية" في بلادهم. فلا فرق بين "محافظين وإصلاحيين" إلاّ على مستوى الخطاب الموجه إلى العالم الخارجي. وهو خطاب يتسم بالكثير من الخداع والكذب إذا ما كان صاحبه إصلاحيًا، وبالمناورة والتضليل إذا ما كان محافظًا.

خمسة وأربعون عامًا مضت، والنظام الإيراني يروج للعبة "صراع التيارات" كلما جاء وقت الانتخابات، سواء رئاسية أو برلمانية، غير أن الوقائع تشير إلى أن الصراع في إيران ليس بين "المتشددين" و"الإصلاحيين"، فلم تكن هناك طريقة للحكم إلا باتباع الاستراتيجية نفسها، مع اختلاف التكتيك، وكانت سياسة المرشد الأعلى هي الغالبة على الرئيس والحكومة والبرلمان، فالمعادلة تقضي بأن تقيد السلطات المتشددة غير المنتخبة صلاحيات الرئيس والحكومة المنتخبة.

 

يأتي رئيس ويرحل رئيس

 

لا جدال أنه بعد هذه التجربة المريرة للشعوب الإيرانية مع نظام الملالي، يتبيّن أن "المتشددين والإصلاحيون" وجهان لعملة واحدة، وهي عملة "الولي الفقيه". فلا أحد، سواء كان متشددًا أو إصلاحيًا، يستطيع الخروج على النص الذي يضعه المرشد، الرجل الذي يمسك بيده كل خيوط الحكم في البلاد.

يأتي رئيس ويرحل رئيس، مرة من هذا التيار ومرة من ذاك، بينما يبرع النظام الإيراني في تصوير المشهد وكأن هناك "صراعات" فعلية بين تيارات تتجاذب الساحة السياسية، وهكذا تمضي الانتخابات، فإن فاز رئيس محسوب على "المتشددين" تكون النتيجة أن العالم هو من أسهم بخصومته لإيران في وصول هذا الرئيس!

أما إذا وصل رئيس محسوب على "الإصلاحيين"، كما نجح بزشكيان، تبدأ نغمة أن هذا الرئيس هو الخيار الأفضل للانفتاح معه بدلًا من ترك "المتشددين" يحكمون سيطرتهم على المشهد السياسي، وهكذا تدور العجلة التي يمسك بها المرشد!

ولا فرق، في الحقيقة، بين المتشددين والإصلاحيين من قادة نظام الملالي الحاكم في إيران، إلا في أسلوب التنفيذ، بينما هم جميعًا ينفذون استراتيجية واحدة مستمرة من بداية الثورة الإيرانية عام 1979 حتى الآن، ولها محاورها الثابتة، التي لا تتغير مطلقًا بتغير الوجوه الحاكمة.

ولعل أبرز ما يلخص الفرق بين الإصلاحيين والمتشددين من ساسة إيران، هو وصف محمد علي تسخيري مستشار علي خامنئي لكلا الفريقين، عندما قال: "إن كلا الخطيّن يؤمنان بالثورة الإسلامية، ويؤمنان بمبادئ الإمام الخميني، ويؤمنان بمبادئ الدستور، ويؤمنان بأهم مادة في هذا الدستور، وهي لزوم أن يكون القائد فقيهًا أو ما يعبر عنه بولاية الفقيه، وأنهما معًا يؤمنان بهذه المبادئ، ويختلفان في أساليب التطوير وآلياته".

معنى ذلك، الرئيس سواء كان محافظًا أو إصلاحيًا، لابد أن يكون مؤمنًا بخط الخميني القائم على مبدأ "تصدير الثورة" الذي يتولى الحرس الثوري شؤونه. وهو ما يعني أن مؤسسة الرئاسة هي أدنى مرتبة من مؤسسة "الحرس" التابعة مباشرة للمرشد الأعلى.

 

تحت "عباءة المرشد"

 

خلال العقود الأربعة الماضية، حاول النظام دومًا أن يلعب بورقة "الإصلاحيين في مواجهة المتشددين"، كوسيلة لإيهام المجتمع الدولي بوجود ديمقراطية، مع العلم أن معسكر ما يسمى المعتدلين" يضمّ الرئيس الأسبق حسن روحاني، الذي يتضمن سجله أربعة آلاف عملية إعدام وقتل ألف وخمسمائة متظاهر، فضلًا عن الرئيس السابق محمد خاتمي الذي قاد عملية قمع دموية ضد انتفاضات الطلاب في طهران عام 1999.

وعلى الرغم من أن نظام الحكم للثورة الإيرانية يضم مجلسًا تشريعيًا ينتخبه الشعب، ويقوم على مبدأ "الفصل بين السلطات"، إلا أن الكلمة الأخيرة في جميع إدارات الدولة تكون للمرشد الأعلى خامنئي، الذي يمتلك كل الصلاحيات.

لذلك، لا ينظر العالم باهتمام إلى الانتخابات الرئاسية في إيران كما يفعل مع الانتخابات في دول تعرف شعوبها أن هناك قيمة لأصواتها في إحداث التغيير. ليست الديمقراطية في إيران فرصة للتغيير. فالرئيس هناك سواء كان محافظًا أم إصلاحيًا لا يفكر أصلًا في التغيير، بقدر ما يفكر في إثبات ولائه لمبادئ الثورة وإخلاصه لها.

إن "رضا الولي الفقيه"، هو الغاية التي لا يتم الوصول إليها إلا عن طريق التصالح مع مؤسسة "الحرس الثوري"، وهي عبارة عن أخطبوط يمد أذرعه إلى الدولة بسياستيها الداخلية والخارجية وإلى الاقتصاد بصادراته ووارداته، وإلى المجتمع باعتباره مختبرًا لتطبيق قوانين الدولة الدينية التي يقوم "الحرس" بحمايتها من أعدائها، سواء في الداخل أو الخارج.

لم تعد للانتخابات التي يجري "هندستها" بمعرفة المرشد، وتبادل الأدوار خلالها بين "الإصلاحيين والمتشددين" أي فائدة، وهي لا تحقق نتائجها، كما في السابق، لا سيّما في ظل القناعة التامة بأنّ المرشد أمسى مصدر السلطة، وهو صاحب القرار النهائي، بل والمسؤول الفعلي عن المآلات السياسية والاقتصادية والأمنية.

وبعيدًا عن كل المصطلحات المستخدمة من تيارات متجاذبة وصراعات سياسية قد تخدع المراقب، وكأن هناك بالفعل "أجنحة" سياسية تتنافس على الحكم في إيران. لكن الحقيقة، هي أن الجميع هم وجوه شتى لنظام واحد، ولا فارق كبيرًا بين التيّارين، بل إنهم جميعًا يعملون تحت "عباءة المرشد"!

ولا شك أن إيران تحت حكم الملالي، تعاني من "أزمة ديمقراطية" مستمرة منذ عقود، نتيجة سيطرة رجال الدين وبعض الشخصيات والمؤسسات على مقاليد الحكم، حتى لو كان الرئيس "إصلاحيًا"، بحيث تكون قوة وصلاحيات هؤلاء أكثر من الرئيس المرشح من قبل الشعب، رغم أن الفائز في الحالتيّن هو من نفس المدرسة، وخاضع لنفس القانون والنظام.

إن مجرد النظر لرؤساء إيران الذين بلغوا سدة الحكم منذ عام 1979 حتى الرئيس إبراهيم رئيسي، يعطي صورة فاحصة لحقيقة المشهد الانتخابي، فالرئيس الأول "المستقل" أبو الحسن بني الصدر تم خلعه من قبل مجلس الشورى الإيراني بعد نحو عام من الرئاسة، والرئيس الثاني محمد علي رجائي اغتيل بعد أقل من شهر على توليه منصبه هو ورئيس وزرائه، في حين كل الرؤساء الآخرون لم تختلف سياستهم التي يحركها المرشد الأعلى للثورة الإيرانية، إلا في هامش ضيق لا يكاد يذكر، وفي الشكل وليس المضمون.

ويؤكد الإيرانيون أنه ليس من باب التشاؤم، القول إن الرئيس الإيراني المحتمل مسعود بزشكيان، لن يجرؤ على إطلاق "الحريات العامة" في البلاد، كما وعد ناخبيه من الشباب، فهو شخصيًا لا يعمل بحرية، بل هو - في الواقع- سجين مؤسسة يُحكم المرشد الأعلى قبضته عليها. وسواء وصل المتشددون أو الإصلاحيون إلى سدة السلطة، فلا حكم في إيران إلا حكم المرشد.

ــــــــــــــــــــــــــــــــ

رئيس مركز الخليج للدراسات الإيرانية

النشرة الإخبارية

اشترك في النشرة الإخبارية

ابق على اطلاع على النشرة الإلكترونية

معلوماتك فى امان معنا! إلغاء الاشتراك في أي وقت.