ماذا تريد إيران من الدول العربية؟

- 16 ديسمبر 2021 - 380 قراءة

ذات يوم، قال الجنرال الدموي المغدور قاسم سليماني، عرّاب التدخلات الإيرانية في المنطقة: «نحن كبشرٍ لا يمكننا التحمّل عندما تكون الأمم من حولنا في حال يُرثى لها، لدينا واجبات إسلامية تتطلَّب حمايتهم، اهتماماتنا لا تبحث عن أرباح، لا نحتاج إلى أيّ شيء من العراق أو أي دولة أخرى، لكن عندما يُصاب جيراننا بالطاعون أو الكوليرا أو بلاء آخر عظيم علينا أن نُقدِّم المساعدة لهم، لكي نعيش جميعًا بسلام»!

خطاب «سليماني» لم يكن سوى جزء من الأكاذيب التي تبثها آلة الدعاية الإيرانية، بشأن «النوايا الحسنة» في علاقة طهران مع دول الجوار الجغرافي، وهو ما ينطبق عليه المثل القائل «أسمع كلامك أصدقك، أشوف أمورك أستعجب»!

ومثل هذا الأمر يوجب طرح السؤال المصيري التالي، خصوصًا في ظل التطورات الحالية في الملف النووي الإيراني، وهو: ماذا تريد إيران، بالضبط، من الدول العربية؟

هل تريد إيران فرض نفوذها وهيمنتها على المنطقة وعلى جيرانها، أم تريد نشر المذهب الشيعي في العالم الإسلامي والقضاء على المسلمين السنة، وهل نصدقها عندما تهدد علنًا بـ «القضاء على إسرائيل» من أجل استقلال فلسطين، وهي التي دأبت على إطلاق شعارات جوفاء من خلال إعلامها عن الدفاع عن القدس والأراضي الفلسطينية، ولكنها لم تحاول مرة واحدة فقط أن تطلق رصاصة باتجاه (إسرائيل) على مدى الـ 40 عامًا الماضية!

لقد دأب النظام الإيراني منذ نجاح ثورة الخميني عام 1997 على إظهار وجهه القبيح لجيرانه العرب، الذين تربطهم بإيران وشائج الجوار والدين والإرث الحضاري المشترك، وهي العوامل التي كان من المفترض أن تؤدي إلى صداقة «عربية- إيرانية»، قوامها التعاون لتحقيق مصلحة شعوب المنطقة. غير أن ملالي طهران دفعوا جيرانهم دفعًا إلى اعتبارهم ألدّ الأعداء، والتوجس منهم، بعد ما ذاقته بعض دولنا العربية، ومنها العراق وسوريا ولبنان واليمن والبحرين، من ويلات ومصائب على أيدي أصحاب «العمائم السوداء».

وتحولت العلاقة «العربية - الإيرانية» من صداقة حميمة مع نظام الشاه محمد رضا بهلوي، إلى عداوة بغيضة مع نظام الملالي الجدد، الذين عمدوا إلى تبني سياسة «تصدير الثورة» للمحيط الجغرافي، الأمر الذي تنبهت إليه العواصم العربية مبكرًا، حيث بدأ التدخل الإيراني في شؤون المنطقة، فعقب ثورة الخميني بأشهر قليلة كانت المنطقة على موعد مع تأسيس «حزب الله» اللبناني في أوائل الثمانينيات من القرن الماضي، كجزء من جهد إيراني لتجميع مجموعة متنوعة من الجماعات الشيعية اللبنانية المسلحة تحت سقف واحد، على أن تكون مهمة الحزب هي العمل «كوكيل لإيران» في المنطقة، بهدف تصدير الإرهاب وزرع الخلايا النائمة، وضرب الاستقرار السياسي والاجتماعي في الدول العربية، وصولًا إلى التدخل عسكريًا ضد الشعوب العربية المغلوبة على أمرها، كما حدث في سوريا لاحقًا.

اتساع دائرة الفوضى

من المعلوم أن إيران هي أكثر دولة على مر التاريخ، سعت إلى التدخل في شؤون المنطقة، الأمر الذي قاد إلى قدر أكبر من التأزم في الشؤون الإقليمية، وأسهم في اتساع دائرة الفوضى وعدم الاستقرار في المنطقة، وسلكت طهران في تنفيذ استراتيجيتها العبثية والتوسعية طرقًا شتى، من التدخل المباشر في شؤون بعض الدول العربية إلى خلق الميليشيات وفق أسس مذهبية، وزرع الخلايا النائمة في بعض الدول للنيل من استقرارها عند الحاجة، وانتهاءً بتهديدها للسلم والأمن الإقليمي من خلال برنامجها النووي وتطوير قدراتها في مجال الصواريخ الباليستية، وكذلك الطائرات من دون طيار وتزويدها للميليشيات التابعة لها بالسلاح والعتاد العسكري.

والراصد لأداء النظام الإيراني وعلاقته بالمنطقة العربية، يجد أن لدى طهران تصورًا وبرنامجًا وخطة عمل للدخول والانتشار في دول المنطقة، من خلال نشر الفكر الشيعي، ليس حبًا في المبدأ الشيعي، ولكن كوسيلة لاختراق المجتمعات العربية، من خلال انتهاج آليات وأساليب متعددة ومختلفة، انطلاقًا من مبدأ «الغاية تبرر الوسيلة"، ومنها نشر الإرهاب الدموي والبلبلة والتفكك الاجتماعي والسياسي، ومحاولة الاستحواذ على بعض الفعاليات الاقتصادية في بعض الدول العربية، وبالذات البلدان الخليجية.

ومارست إيران دورًا عدوانيًا واستفزازيًا لبعض الدول العربية، كانتهاجها للحرب الإلكترونية واختراق بعض الكيانات العربية، وبث ونشر الفرقة لإضعاف الجبهات الداخلية لدولنا، واستيلاؤها على بعض المرافق السياسية والاقتصادية، كما حدث في لبنان وسوريا والعراق واليمن.

وبلغ «المشروع الاستعماري» الإيراني الذي يستهدف الدول العربية مدىً خطيرًا، خلال الأعوام الأخيرة، لم تبلغه القوى الاستعمارية القديمة يومًا ما، بحيث بات هذا المشروع خطرًا داهمًا يهدد مقدرات الأمة برمتها، بعد أن أصبح ملالي إيران يتحكمون في القرارات المصيرية لبعض الدول العربية التي تُحكم من طهران مباشرة!

وأمام المسارات الإيرانية التي يتضح أنها ستؤثر بشكل أو بآخر على العالم العربي بشكل عام، ودول الخليج بشكل خاص، بات لزامًا الاستشعار الجماعي لتلك المخاطر، وأن تمتلك الدول العربية الإرادة السياسية لبلورة مقاربات سياسية وقدرات دفاعية مشتركة للحد من التحديات الإيرانية المتوقعة.

في المقابل، كان من أول أسباب العداء العربي لإيران تحت حكم الملالي، هو حجم الكراهية والعنصرية التي تموج بها الأوساط الإيرانية حيال العرب، ففي عام 2015، انتشرت على نطاق واسع في أوساط الشباب الإيراني أغنية عنصرية اسمها «كِش عرب»، وهي الكلمة المستخدمة في لعبة الشطرنج، ومعناها «مات». وأُذيعت هذه الأغنية العنصرية في الإذاعات على نطاق واسع بترخيص من وزارة الثقافة الإيرانية، وكانت الرسالة غير المعلنة من الأغنية هي «اقتل عربيا»!

ويتمحور الحقد الفارسي الصفوي في طلب «الانتقام من العرب» الذين هزموا الإمبراطورية الفارسية القديمة. ويتبدى هذا الحقد في تصريحات قادة نظام الملالي الحاكم، الذين فرضوا على الطلاب الإيرانيين مناهج دراسية تعتبر العربي «شخصًا منحطًا»، لا هم له إلاّ إشباع رغباته الجسدية، ولا صلة له من قريب أو بعيد بالتحضر أو الحضارة!

نظرة على المستقبل

تواجه الدول العربية المعنية - بشكل مباشر- بالصراع مع إيران، في الوقت الراهن، ضغوطًا من قِبل الإدارة الأمريكية الجديدة، تطالبها بالتغيير وبإعادة تشكيل العلاقة مع طهران، ومن ثم فنحن أمام تدخل خارجي هائل سيؤثر بقوة وبشدة على التوازنات الإقليمية وعلى الأنظمة الداخلية، الأمر الذي يتطلب تحركًا عربيًا واضحًا يستند إلى عملية بناء وتعميق القدرات والإمكانات الذاتية للدول العربية مجتمعة.

وإذا كان العرب في حيرة من أهداف إيران، فإن حكام طهران يدركون تمامًا أهدافهم، ولديهم خطط استراتيجية لتنفيذها، فإيران قوة إقليمية مثل باكستان وتركيا ومصر والسعودية، ولكنها تريد أن تصبح «قوة عظمي» في المنطقة تدير أمور دولها بما تراه هي مناسبًا، وتفرض رؤيتها للأمن والاستقرار في منطقة الخليج والمشرق العربي على كل دولها، وتتوق لأن تعود إلى مكانة «الحليف الأول» للولايات المتحدة في المنطقة كما كانت أيام الشاه، وليس فقط بديلا، وإنما تريد دورًا أكبر من المملكة العربية السعودية وأنياب أكثر شراسة!

ولا جدال أن أي حوار حقيقي مع إيران إنما هو - بالتأكيد- فرصة للدول العربية ولشعوب الشرق الأوسط، كما أنه فرصة للإيرانيين قبل غيرهم، للتعاون واستثمار الإمكانات العظيمة للإقليم برمته.

غير أن الدول العربية تعلم جيدًا منذ عام 1979 أنه ليس في مقدورها الاطمئنان للأحلام الوردية بشأن طموحات إيران الإقليمية، التي يعلمها القاصي والداني. كما تعلم المنطقة أنه لا أحد لا يملك ترف الانتظار، لبيان أي اتجاهات سيسلكها النظام الإيراني، أو أي نتائج إقليمية ستترتب على إعادة إحياء «الاتفاق النووي». وحتى ذلك الحين، فإن كل دولة من دول المنطقة تعمل بشكل منفرد، وبشكل تشاركي، على وضع ديناميات وقائية تجاه إيران، تحسبًا لما قد يحدث من تطورات في المدى المنظور.

 

 

النشرة الإخبارية

اشترك في النشرة الإخبارية

ابق على اطلاع على النشرة الإلكترونية

معلوماتك فى امان معنا! إلغاء الاشتراك في أي وقت.