8 سنوات على «نكبة اليمن»

- 2 أكتوبر 2022 - 346 قراءة

في 21 سبتمبر/أيلول 2014، سيطرت ميليشيا "الحوثي" الانقلابية على العاصمة اليمنية صنعاء، بمسلحيها القادمين من معقل الجماعة في صعدة، والذين سطروا بذلك تاريخ "نكبة اليمن"، التي أسست لواقع الحرب والمعاناة والدمار الذي تعيشه البلاد، للعام الثامن على التوالي، وأدى إلى تدهور كل مناحي الحياة، وحوّل اليمن السعيد "سابقًا" إلى بلد تعيس، بمعنى الكلمة.

انقضت ثماني سنوات عجاف، منذ انقلاب ميليشيا الحوثي على الحكومة الشرعية، حيث تصاعدت خلال تلك السنوات عملية استلاب حقوق الحياة الكريمة من اليمنيين، وعمدت سلطة الانقلاب على تنفيذ سياسة شاملة لتجريف الوعي وتقويض المكتسبات الوطنية، مستخدمةً مختلف الوسائل لنشر أنشطتها الرامية إلى القضاء على ما تبقى للمجتمع من قيم ومبادئ راسخة.

انقلاب جماعة الحوثي على مؤسسات ومكونات الدولة اليمنية، فتح باب الشرور على مصراعيه، وأغرق البلاد في حالة من الفوضى وانعدام الأمن، والتنكر للحقوق وانتهاك حقوق الأفراد بشكل خطير وغير مسبوق في تاريخ اليمن الحديث.

جناية الحوثيين على اليمن

لم تقتصر خطورة المشروع الانقلابي الحوثي على بسط سيطرته فحسب، بل اتخذ منحى خطيرًا، من شأنه تدمير ماضي وحاضر ومستقبل الإنسان اليمني على كافة المستويات، حيث تدهور الوضع الاقتصادي الى حدٍ غير مسبوق، وتراجع مستوى التنمية بشكلٍ مرعب.

وكان للانقلاب تأثيره الخطير على تدني الوضع الاقتصادي في البلاد، بسبب نهب جماعة الحوثي الاحتياطي النقدي لليمن من العملة الصعبة، والذي كان يساوي خمسة مليارات دولار، إضافة لاستيلائها على إيرادات مؤسسات الدولة وتعطيل عمل البنوك والاتجاه للسوق السوداء والصرافين التابعين لهم، ليتمكنوا من تنفيذ عمليات غسيل الأموال، ونقلها دون قيود.

واستمر الحوثيون، طوال سنوات الحرب، في تحصيل إيرادات الدولة المتمثلة في الضرائب والجمارك والرسوم، والتي تصل إلى أكثر من 34% من إجمالي حجم الإيرادات، حسب أرقام الموازنة العامة للدولة، بمبالغ تجاوزت 4 مليار دولار، إضافة لتخلي الجماعة عن مسؤولياتها في دفع رواتب الموظفين الموجودين في مناطق سيطرتها، أو تقديم أي خدمات لهم.

وتكبد الاقتصاد اليمني خسائر فادحة بسبب الحرب، بلغت تراكميًا نحو 126 مليار دولار حتى نهاية 2021، وذلك حسب تقرير للحكومة اليمنية استعرضه مؤخرًا معين عبد الملك، رئيس الحكومة، خلال مشاركته في فعالية تدشين التقرير الثالث والأخير من سلسلة تقارير "آثار النزاع في اليمن" بالعاصمة السعودية الرياض.

وزجت نكبة الانقلاب الحوثي باليمن في أسوأ أزمة إنسانية على مستوى العالم، وفق الأمم المتحدة، إذ تتوقع التقارير الأممية ارتفاع عدد الأشخاص الذي يعانون من سوء التغذية إلى 9,2 ملايين بحلول عام 2030، فيما سيرتفع عدد الأشخاص الذين يعيشون في فقر مدقع إلى 22 مليونًا، أي حوالي 65% من السكان البالغ عددهم 30 مليون نسمة.

ومن اللافت للنظر، أن ميليشيا الحوثي تدير مناطق سيطرتها بأسلوب الراحل من الحكم يوم غد، لكنها - في نفس الوقت- تعمل على الاستعداد بشكل دائم لأي خطر وجودي يهددها، وتحاول تأبيد سيطرتها على مناطق نفوذها بمختلف الوسائل، بل والاستعداد لحكم اليمن كاملًا.

فمن ناحية، هناك سباق على النهب والسرقة بشكل موحش وجرف كل ما يمكن نهبه وسرقته، دون الالتزام بأدنى مسؤولية اجتماعية إزاء المواطنين. ومن ناحية ثانية، تبذل الميليشيا كل جهودها لتطييف المجتمع وتطوير أسلحتها والاستمرار في تهريب السلاح من إيران وحشد المجندين وسجن المعارضين وتعذيبهم ونشر الخوف والذعر في أوساط المجتمع كقمع استباقي لأي انتفاضة شعبية ضدها.

أما على المستوى الإقليمي، فلا جدال أن طول أمد حكم ميليشيا الحوثيين، بعد ثماني سنوات من الانقلاب، سيجعل أمن الإقليم مكشوفًا أمام إيران والمليشيات الطائفية الموالية لها في منطقة المشرق العربي، فقبل الانقلاب لم تكن تجرؤ أي ميليشيا طائفية في المنطقة على إطلاق رصاصة واحدة باتجاه أي دولة خليجية.

غير أن الوضع تغير بفعل المساعدات الإيرانية للانقلاببين، فبات هؤلاء أكثر جرأة على مهاجمة السعودية والإمارات بالمسيرات والصواريخ، كما حدث أكثر من مرة على مدار الأعوام الماضية، وهو مؤشر خطير على المدى الذي يمكن أن يبلغه الانقلابيون في عدائهم للدول العربية الشقيقة المجاورة.

وسيكون أمن الإقليم والمصالح الدولية عرضة لمخاطر متزايدة، لا سيما في ظل استمرار إيران في مواصلة الدعم للحوثيين، وإمدادهم بالخبراء العسكريين وخبراء تطوير الأسلحة وصناعتها، فهي تنظر لليمن كقاعدة متقدمة لها تستخدمها في تهديد أمن الإقليم وأمن الطاقة والملاحة البحرية، وكسب مزيد من الأوراق التفاوضية وابتزاز المجتمع الدولي.

ثقافة الموت

واجهت المكتسبات الوطنية، التي تحققت لليمنيين طيلة العقود السابقة بفضل ثورة السادس والعشرين من سبتمبر، حملات طمس وإلغاء ممنهجة، من جانب ميليشيا الحوثي الانقلابية، التي انبثقت رؤية مشروعها الكهنوتي من العداء لثورة الشعب المجيدة، ونظامها الجمهوري، وكذلك العمل على اجتثاث رمزيّتها الخاصة عند جموع اليمنيين.

وكان الانقلاب على إرادة الشعب ومؤسسات الدولة هو الجريمة الكبرى، التي تتحمل جماعة الحوثي مسؤوليتها التاريخية والقانونية، إلى جانب الكثير من الانتهاكات والممارسات التي نتجت عنها، والتي أدت بعد 8 سنوات إلى تبديد حلم اليمنيين بدولة ديمقراطية تحمي لهم حقوقهم وتحفظ كرامتهم وتلبي تطلعاتهم إلى حياة حرة كريمة.

ولم تكتف ذراع إيران بالقتل وانتهاك واقع اليمنيين بعد انقلابها، بل عمدت إلى تزييف الحقائق وتكريس حالة القمع واستهداف المناهج التعليمية، وتعيينها لقياداتها في المفاصل المهمة خاصة المرتبطين والقريبين من مركز القرار الحوثي، اعتمادًا على معيار عائلي وعنصري.

وفاقمت الحرب النفسية والحملات التعبوية لثقافة الموت التي يروج لها الحوثيون، من ارتفاع معدلات جرائم القتل، في ظل عرقلة الأجهزة القضائية عن أداء مهامها، وشيوع حالة الانفلات وتردي الحالة الاقتصادية، والعجز عن توفير لقمة العيش اليومية، حتى غدا الموت شيئًا مألوفًا، بشكل شبه يومي.

وحملت النكبة الحوثية لليمنيين أنواعًا شتى من أسباب الموت، كان أبشعها الألغام التي تزرعها المليشيات في كل حدب وصوب، حيث تشير التقارير الأممية والحقوقية إلى أن الألغام الأرضية للحوثي وحدها، خلفت أكثر من 9 آلاف و500 قتيل وجريح في صفوف المدنيين منذ نكبة 21 سبتمبر/أيلول 2014.

كما أدى سقوط الدولة بمختلف مؤسساتها بيد الحوثيين، إلى حالة من التدهور المريع، في ظل اشتداد موجات العنف التي تعيشها معظم المحافظات، مما جعلها تعيش فراغًا أمنيًا غير مسبوق، أثّر على الوضع الأمني، وتسبب بحدوث اختلال كبير في بنية المؤسستيّن الأمنية والعسكرية.

وللعام الثامن على التوالي، ترزح 12 محافظة وأجزاء من محافظات أخرى، تحت سيطرة ميليشيات الحوثي التي حولت حياة الملايين إلى جحيم من البطش والتجويع، ونهب الممتلكات والحقوق، ومصادرة مرتبات الموظفين، وفرض التجنيد الإجباري على السكان، وتفخيخ عقول الأطفال بمفاهيم طائفية متطرفة تمجد القتل والتوحش.

واليوم، إذ يدخل اليمن عام النكبة التاسع، يأمل ملايين الناس في البلاد المنكوبة بالانقلاب والحرب، أن تقبل الميليشيات الحوثية بخيار السلام، وأن تنصاع إلى صوت العقل والحكمة، وتنهي بذلك معاناة 30 مليون يمني تحولوا إلى ضحايا للنكبة المستمرة، والتي لابد من أن تنتهي ليعود اليمن سعيدًا، كما كان من قبل.

النشرة الإخبارية

اشترك في النشرة الإخبارية

ابق على اطلاع على النشرة الإلكترونية

معلوماتك فى امان معنا! إلغاء الاشتراك في أي وقت.