يعيش المرشد علي خامنئي حاليًا آخر أيامه العصيبة، على وقع هتافات مناهضة له في معظم أنحاء إيران، ضمن الاحتجاجات الشعبية المستمرة منذ 16 سبتمبر/أيلول الماضي حتى الآن، والتي يهتف خلالها المحتجون "الموت للديكتاتور".
لم يكن خامنئي البالغ من العمر الآن 84 سنة، يتوقع أن يختتم حياته بهذه النهاية البائسة، بعد أن أمضى قرابة ثلاثة عقود في منصب الإرشاد، أفضت إلى مزيد من السخط الشعبي عليه وعلى نظامه، الذي أوصل البلاد إلى حافة الهاوية.
وكان من الملفت للنظر، تأكيد جموع الإيرانيين على أن هذه هي نهاية حكم المرشد، وجاء الدليل على ذلك من طهران، حيث شهدت أحياء "طهرانبارس وشهران وبونك وفردوس" في العاصمة، مؤخرًا، هتافات مناهضة للنظام وللمرشد علي خامنئي.
ومن بين الشعارات التي أطلقها المتظاهرون في حي "شهران"، "الموت لخامنئي ولعنة على الخميني"، و"هذا العام هو عام الدم سيسقط فيه الطاغية"، فيما استمرت أشكال أخرى من الاحتجاج، حيث قام المحتجون في مدن إيرانية مختلفة، بكتابة شعارات مناهضة للنظام على الجدران، مفادها أن هذه هي "نهاية الديكتاتور".
صانع القرار الأعظم
يؤكد المراقبون أن خامنئي يعيش حاليًا أيامًا عصيبة، ويبدو جليًّا أنه غير قادر على استعمال عصاه السحرية، للفرار من المأزق الضيق الذي أوقعته فيه الأحداث، والأخطاء التي ارتكبها بنفسه، وأدت إلى وصول الأوضاع في إيران إلى طريق مسدود، فإما سقوط النظام، أو الاستمرار في الاحتجاج إلى حد اندلاع حرب أهلية في البلاد.
وكلما كان حكم المرشد يواجه تحديًا خطيرًا، كان تكتيكه المعتاد هو الدخول في «خلوة» لفترة من الزمن، حتى يسمح للأمور بأن تحل نفسها بنفسها، أو السماح للآخرين بمباشرة الأعمال القذرة بعيدًا عنه. وعندما أصبح واضحًا أن الأمور لن تحل نفسها بنفسها هذه المرة، اعتمد التكتيك الذي سمّاه «المرونة البطولية»!
طوال تلك الفترة، لعب خامنئي دور صانع القرار الأعظم، والمنتقد الأكبر للنظام الذي يترأسه. وكثيرًا ما كان يتساءل عن «المشاكل التي تعاني منها أمتنا الإسلامية البطلة»، ويُلقي باللوم على مسؤولين «مجهولين» عن تزايد الإخفاقات في جميع المجالات، وكأنه لا يجلس على قمة السلطة المطلقة.
ومن الغريب أن "النموذج الأمثل" بالنسبة له قبل وصوله إلى منصب المرشد هو كيم إل سونج، ديكتاتور كوريا الشمالية الذي أُعجب خامنئي به أثناء زيارة رسمية إلى هذه البلاد المعزولة عن العالم.
وفي مذكراته، روى ناطق نوري، الذي رافق خامنئي أثناء زيارة رسمية إلى بيونج يانج، كيف أن "المرشد الأعلى المستقبلي، قد تعلق قلبه شغفًا بالقائد الكوري الشمالي العظيم"!
بعد ذلك، ملأ هذا النظام الفاشي المنطقة والعالم بالإرهاب، وتفوق «مرشده الأعلى» إلى ما هو أعتى من نموذج هتلر، أشهر ديكتاتور في العصر الحديث، فتحوّل إلى سلطة تجمع كل السلطات الدينية والسياسية، وليحلم بعقدة السيطرة على كل المسلمين!
قبضة رجل واحد
لم يصبح المرشد طاغية من فراغ، ففي إطار اللعبة المعقدة بين مؤسسات نظام الملالي، كان منصب الرئاسة في السابق يشكل نوعًا من السلطة المضادة لسلطة المرشد الأعلى، الذي من المفترض أنه يمثل السلطة الدينية، وغالبًا ما كان يجري اللجوء إليه في نهاية المطاف، لكنه لا يتدخل في الحياة السياسية اليومية.
غير أن هذا الوضع تغيّر تمامًا منذ عام 2009، بعد اندلاع "الانتفاضة الخضراء"، فلم يعد ذلك التوازن بين السلطات قائمًا، بل باتت إيران هي في قبضة رجل واحد، هو خامنئي وفريقه المكون من مجموعة من رجال الدين، ومن قادة "الحرس الثوري" الذراع المسلح للنظام.
وأعطى الدستور الإيراني في المادة (110) المرشد أو الولي الفقيه، إحدى عشرة سلطة لا تُبقي ولا تذر، ولا تترك لأي معارض أو منتقد مسربًا. ومن هذه السلطات المطلقة، تعيين السياسات العامة والإشراف على تنفيذها، فهو إذًا يتحكم في المسار السياسي للدولة، وله حق الموافقة والرفض على كل الأمور، وفي كل الأحوال.
وبيد المرشد الموافقة والمعارضة على أي استفتاء عام، وبيده في المجال العسكري، بموجب هذه المادة الدستورية «القيادة العامة للقوات المسلحة»، و«إعلان الحرب والسلام»، كما أن المرشد هو المتحكم في تعيين وإقالة رئيس القيادة والقائد العام لقوات حرس الثورة والقيادات العليا للقوات المسلحة وقوى الأمن الداخلي.
وللمرشد، دستوريًا، حق تنصيب وعزل وقبول استقالة أعلى مسؤول عسكري وقضائي، ورئيس الإذاعة والتلفزيون، فهو يتحكم الى جانب الحياة السياسية والعسكرية، كذلك بالقضاء والإعلام والثقافة وبالجد والترفيه، ويعطيه الدستور حق تنظيم العلاقات بين السلطات الثلاث، وحل مشكلات النظام التي لا يمكن حلها بالطرق العادية، والعفو أو التخفيف من عقوبات المحكوم عليهم كما يوضح الدستور.
ولعل أخطر ما للمرشد من سلطات التحكم في تنصيب رئيس الجمهورية بعد انتخابه من الشعب، كما ينبغي أن ينال ترشيح هذا الرئيس لموافقة المرشد المسبقة كذلك، وللمرشد أيضًا «حق عزل رئيس الجمهورية بعد صدور حكم المحكمة العليا»، ولكن القضاء والمحاكم بيد المرشد كذلك، كما ذكرنا، حيث يتحكم المرشد في نصب وعزل وقبول استقالة كل من فقهاء مجلس صيانة الدستور، وأعلى مسؤول في السلطة القضائية.
خامنئي "الطاغوت"
لم يسلم المرشد بسبب هذه السلطات المطلقة من الانتقادات، حتى من رجال الدين الشيعي أنفسهم، حيث اتهم المرجع الإيراني المعارض المقرب من معسكر الإصلاحيين، آية الله محمود أمجد، المرشد بأنه "فرض الجهل على الإيرانيين، بهدف استمرار الديكتاتورية الدينية".
وقال أمجد، موجهًا الكلام لخامنئي: "لقد أغلقت بالعصا والقوة طريق تنفس الحرية، وجعلت الجهل يسيطر على حياة الناس"، واصفًا ما تمر به إيران حاليًا بأنه "ديكتاتورية واستبداد بدعم من رجال الدين المقربين من المرشد".
فيما انتقد الزعيم الإصلاحي مهدي كروبي، الخاضع للإقامة الجبرية في منزله منذ سنوات طويلة، المرشد علي خامنئي، مؤكدًا أن "المرشد يريد تحذير كل من يتحدى استبداده الفردي بوسائل القمع، وهو غير مدرك أن نظرية النصر بالرعب لم تعد فعالة".
وأشار كروبي، في تصريحات نادرة نشرتها مواقع المعارضة الإيرانية مؤخرًا، إلى أن "خامنئي لا يبالي بواقع الاحتجاجات، وإنما يركز فقط على إنهائها والقضاء عليها، وينسب بشكل متعمد كل مظاهرة إلى الأعداء ليعطي شرعية للقمع. إن القصور في مواجهة استبداد المرشد وانفراده بالسلطة خيانة".
وأصدر عدد من طلاب ومدرسي حوزات قم ومشهد وطهران، في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بيانًا أعلنوا فيه أنه "على افتراض القبول بولاية علي خامنئي، فإنه معزول عن الولاية بسبب الجرائم الكثيرة، التي ارتكبها طيلة سنوات حكمه، وبسبب تكبره وتفرعنه واستبداده بالرأي".
وأكد البيان، أن "الأحكام الصادرة من خامنئي والمسؤولين، الذين قام بتعيينهم، بمَن فيهم رئيس السلطة القضائية والقضاة، تفتقر إلى الشرعية، والاستناد إليها يعتبر استنادًا إلى الطاغوت".
وفي شهادة من أهلها، أكدت بدري حسيني خامنئي، شقيقة المرشد، في رسالة نشرتها على الإنترنت مؤخرًا، أن "نظام جمهورية الخميني الإسلامية وعلي خامنئي، لم يجلب إلا الألم والمعاناة والقمع لإيران والإيرانيين. أتمنى انتصار الشعب وإسقاط نظام الاستبداد الحاكم في إيران".
وأضافت: "العديد من الأمهات أصبحن ثكالى خلال العقود الأربعة الماضية، لذا أرى أنه من المناسب أن أقف إلى جانبهن عبر إعلان البراءة من شقيقي، وأعرب عن تعاطفي مع جميع الأمهات الحزينات إثر جرائم نظام الجمهورية الإسلامية، من عهد الخميني إلى العصر الحالي للخلافة الاستبدادية لعلي خامنئي".
ابق على اطلاع على النشرة الإلكترونية