إمبراطورية «الحرس» الاقتصادية

- 16 إبريل 2022 - 279 قراءة

امتلك "الحرس الثوري" خلال العقود الأخيرة إمبراطورية مالية باتت تهيمن على الاقتصاد الإيراني، وتسيطر على أكثر من 815 مؤسسة تجارية شبه حكومية ومساهمة في كافة المجالات. وبهذه الإمبراطورية، يمثل "الحرس" القوة المحركة للاقتصاد الإيراني، والمهيمنة على مفاصله الأساسية، والموجه الحقيقي لأنشطته؛ فلقد ساعد نظام الملالي هذه القوات على إنشاء شركات ومؤسسات كبرى، ترقى وفق تقدير المراقبين إلى درجة تشكيل "كيان اقتصادي مواز" داخل إيران.

المصالح التجارية لـ "الحرس"، التي تم شحذها بسبب التشوهات الاقتصادية التي أحدثتها العقوبات الأمريكية والدولية على نظام الملالي، تستحق لقب "الإمبراطورية المالية" التي تردع المستثمرين الأجانب عن الدخول في السوق الإيرانية، حيث يستحوذ "الحرس" على عقود النفط والغاز، ويقود اتفاقيات وتحالفات مع الشركات الدولية، مثل شركة "توتال" الفرنسية قبل 2018، ومع الشركات الصينية والتركية والروسية في الوقت الحالي، بعيدًا عن الوزارات ذات العلاقة.

ووفق صحيفة "نيويورك تايمز"، يتراوح الدخل السنوي من أنشطة "الحرس" التجارية فقط ما بين 10 إلى 12 مليار دولار، في وقتٍ يعاني أفراد المجتمع الإيراني من فقر مدقع، وارتفاع نسبة البطالة، كما أن مسؤولًا إيرانيًا كان قد صرح بأن "الحرس" أصبح يسيطر على كبرى الشركات في قطاعات السياحة، والنقل، والطاقة، والبناء، والاتصالات، والإنترنت.

 

الحكومة "حاملة البندقية"

 

بدأت سيطرة "الحرس" على الاقتصاد الإيراني عام 1989، وتحديدًا في أعقاب وفاة موسوي الخميني المرشد المؤسس للنظام، واختيار علي خامنئي مرشدًا جديدًا، حيث تراجع النفوذ السياسي لـ "الحرس"، إلا أن أبواب السلطة والثروة الاقتصادية فُتحت على مصراعيها من خلال استحداث المادة 147 من الدستور الإيراني ونصها: "على الحكومة في زمن السلم أن تستفيد من أفراد الجيش وتجهيزاته الفنية في أعمال الإغاثة والتعليم والإنتاج، وجهاد البناء، مع مراعاة موازين العدالة الإسلامية بشكل كامل وبما لا يُضر بالجهوزية العسكرية للجيش".

وخلال فترة رئاسة هاشمي رفسنجاني استفاد "الحرس" من الهدوء بعد الحرب مع العراق، ومن فرص إعادة البناء، لكي يوسع أنشطته الاقتصادية، إلى أن ظهرت الحركة الإصلاحية والتي تمثلت في انتخاب محمد خاتمي رئيسًا للجمهورية (1997-2005)، وكان الحرس الثوري ضد هذه الحركة، خاصة وأنه بات حينها يسيطر على ثلث الواردات الإيرانية، من خلال إنشاء 60 مرسى بحريًا على شواطئ الخليج العربي وبحر عمان، و10 مطارات، من ضمنها مطار "بيام" بالقرب من العاصمة طهران.

وذكرت صحيفة "الجارديان" البريطانية في تقرير لها بعنوان "السلطة المالية للحرس الثوري الايراني"، أنه "من المستحيل معرفة نسبة حصة الحرس من الناتج القومي المحلي الإيراني، ولكن التوقعات تشير إلى أنه يتحكم فيما يتراوح بين الثلث والثلثين "مشيرة إلى أن "سيطرة الحرس الثوري على الاقتصاد واضحة، فهو الذي يدير مطار الخميني الرئيسي على الرغم من منح عقد عام 2004 لشركة نمساوية - تركية، إلا أن "الحرس" منذ انتهاء الأعمال سيطر بالقوة على المطار، بذريعة أن تشغيله من قبل أجانب يعرض البلاد للخطر".

وفي التقرير نفسه، كشف الدكتور علي أنصاري خبير الشؤون الإيرانية في جامعة سانت أندروز البريطانية، عن حجم وتأثير الحرس في الاقتصاد الإيراني قائلا إن "انخراط هذه المؤسسة في مجال الأعمال بهذا الحجم قد غير صورتها التي لم تعد تقارن بما كانت عليه خلال الأعوام الأولى للثورة الإيرانية".

وتجددت سياسة خصخصة الاقتصاد في عهد الرئيس الأسبق محمود أحمدي نجاد (2005-2013)، فتمكن "الحرس" الثوري من إبرام العديد من الصفقات والفوز بعقود بلغت مليارات الدولارات من الدولة في مجالات عدة، أبرزها النفط والغاز ومد الطرق وبناء السدود، حتى أن الإيرانيين باتوا يطلقون على قوات "الحرس" اسم "الحكومة الموازية حاملة البندقية"!

 

اقتصاد بلا رقابة

 

سيطرة "الحرس" على منابع الاقتصاد في إيران، وصعوبة الرقابة عليه ومحاسبته، كان دافعًا قويًا لانتشار الفساد بين عناصره، وحرصهم على تحقيق ثروات وأموال طائلة على حساب باقي فئات الشعب، ما كان سببًا رئيسًا لرفض المجتمع الإيراني لهذا النفوذ الداخلي لقوات "الحرس"، خاصةً أنه انتقل من مجرد كونه قوة عسكرية تحمي الثورة ومبادئها، إلى إمبراطورية صناعية لها نفوذ سياسي واقتصادي وإعلامي واسع النطاق.

كما أن أنشطة "الحرس" العسكرية والإرهابية خارج إيران، كانت من الأسباب الرئيسية في تفشي الفقر داخل البلاد؛ نظراً للتكلفة الباهظة التي تتحملها الخزانة الإيرانية، بحسب بعض الأرقام التي تنشرها مواقع إيرانية، وبالتالي فإن الاقتصاد الإيراني حالياً قاب قوسين أو أدنى من الانهيار، بسبب هيمنة الحرس، وتصرفه في منابع الاقتصاد كيفما شاء.

وإمعانًا في السرية تجري نشاطات "الحرس" الاقتصادية تحت إشراف شخصي للمرشد علي خامنئي، ولا يرفع عنها تقارير للحكومة ولا البرلمان والمؤسسات الرقابية، وبالتالي يتغول الفساد داخل هذه المؤسسة بشكل غير مسبوق.

ويعاني الاقتصاد بفعل "الحرس" الذي يستحوذ على أكبر المؤسسات الاستثمارية في البلاد، بحجة محاربة التغول الغربي للسيطرة على الاقتصاد. من ناحية أخرى لا يدفع الحرس الثوري "ضريبة" بينما تُفرض الضرائب على بقية الشركات، بواقع فارق التكلفة والبيع؛ لذلك حتى الاتفاق النووي من الناحية الاقتصادية يتلاشى في ظل مركزية القرار غير معروف التوجه وغياب الرؤية الحقيقية للاستثمار الذي يصارع نفسه في ظل استحواذ "الحرس" على مقدرات البلاد.

ويسيطر "الحرس" بالفعل على أكثر من نصف الناتج المحلي الإجمالي الإيراني من خلال شبكة من شركات وهمية، وهو كيان إرهابي ينبغي تصنيفه في القائمة السوداء خصوصا أن هذه الحالة تزداد سوءا.

وفي عام 2007 طالب خامنئي بالإسراع في تنفيذ سياسات "الخصخصة" الاقتصادية المبنية على تعديل المادة 44 من الدستور الإيراني، إلا أن "الحرس" استغل ذلك الطلب بفرض هيمنة أكبر على الاقتصاد ما جعله يسيطر على ما يقرب من 40% من اقتصاد البلاد.

وتؤكد دوائر المعارضة الإيرانية أن تنامي نفوذ "الحرس" وتصاعد قوته الاقتصادية بات السبب الأول لانتفاضات الشباب الإيراني المستمرة، خاصةً أن مسؤولي تلك المؤسسة وذويهم يحصلون على كافة الامتيازات، فيما يعاني الشعب فقرًا غير مسبوق.

وفي يناير/كانون الثاني 2018، وصل الأمر حد أن المرشد علي خامنئي أمر «الحرس الثوري» بتخفيف قبضته على الاقتصاد، مثيرًا احتمال تخصيص مؤسسات ضخمة تابعة لـ "الحرس"، وبالنأي عن النشاطات الاقتصادية غير المرتبطة مباشرة بعملهما، عبر مؤسسة «خاتم الأنبياء» للتشييد، والتي تضم وحدها 135 ألف موظف، ينشطون في التنمية المدنية وقطاعَي النفط والدفاع.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المصادر:

 

  1. بيزنس الحرس الثوري الإيراني.. الاستثمار الفاسد، موقع العين، 14 يناير/كانون الثاني 2021.
  2. كيف يسيطر الحرس الثوري على اقتصاد إيران؟ موقع مجلة البيان، 25 مايو/أيار 2020.
  3. تعرف على الإمبراطورية الاقتصادية للحرس الثوري الإيراني، موقع العربية، 4 يناير/كانون الثاني 2018.
  4. «ثوار ولكن لصوص».. سنوات من الثورة والفساد المستمر في إيران!، موقع رؤية، 12 فبراير/شباط 2022.

 

 

النشرة الإخبارية

اشترك في النشرة الإخبارية

ابق على اطلاع على النشرة الإلكترونية

معلوماتك فى امان معنا! إلغاء الاشتراك في أي وقت.