إيران «تضرب» في البحر الأحمر بأيدي الحوثي

- 23 يناير 2024 - 252 قراءة

الهجمات تتم بإيعاز من طهران... والقاسم المشترك بينها أن جميعها تنضوي تحت "محور المقاومة" المزعوم

 

طهران توفر للحوثيين "بيانات التتبع" التي تجمعها سفينة مراقبة في البحر الأحمر تابعة للقوات الإيرانية

 

نظام الملالي يُدير "معركته الاستراتيجية الكبرى" في باب المندب غير عابئ بانفجار منطقة الشرق الأوسط

 

علوش: طهران تتجنّب دائمًا إظهار أي دور إيراني مباشر في رسم "التحركات العسكرية للوكلاء"

 

 

حوّلت الهجمات التي بدأتها جماعة "الحوثي" الانقلابية قبالة سواحل اليمن؛ بهدف مُعلن عنه وهو "منع" السفن من الوصول إلى الموانئ الإسرائيلية، الاهتمام الدولي إلى البحر الأحمر، خصوصًا بعد الغارات الأمريكية والبريطانية على معسكرات وقواعد الصواريخ التابعة للحوثيين في صنعاء والحديدة.

وشنّ الحوثيون منذ نحو شهر أكثر من 100 هجوم بطائرات مسيّرة وصواريخ، استهدفت ناقلات نفط وسفنًا تجارية في البحر الأحمر، ومنطقة مضيق باب المندب، بدعوى أنها تحمل بضائع إلى (إسرائيل).

وأدت هجمات "الحوثيين" غير المسبوقة إلى اضطراب الملاحة الدولية، وشكلّت تهديدًا مباشرًا للأمن القومي العربي عمومًا، والأمن القومي المصري بوجه خاص، لينضم البحر الأحمر بذلك إلى قائمة المناطق الساخنة، التي يدور فيها "صراع الوكالة" بين إيران وحلفائها من جهة، وكل من (إسرائيل) والولايات المتحدة وبريطانيا من جهة أخرى.

والسؤال الذي يطرح نفسه في ظل هذا الاضطراب العالمي، جراء الهجمات التي تزعم الجماعة أنها تأتي "إسنادًا لأهل غزة"، هو: كيف تدير طهران معركتها الكبرى في البحر الأحمر، وماذا وراء ذلك التصعيد، الذي يهدد بانفجار منطقة الشرق الأوسط برمتها؟

 

فتّش عن إيران

 

نقلت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية، في تقرير لها مؤخرًا، عن مسؤولين غربيين وإقليميين قولهم إن القوات الإيرانية توفر معلومات استخباراتية ومعدات، بما فيها المسيرات والصواريخ لجماعة الحوثي، وذلك لاستخدامها في استهداف السفن المارة بالبحر الأحمر.

وقال المسؤولون، إن طهران توفر للحوثيين "بيانات التتبع" التي تجمعها سفينة مراقبة في البحر الأحمر تابعة للقوات الإيرانية، ومن ثم يستخدم الحوثيون تلك المعلومات للهجوم على السفن التجارية المارة في مضيق باب المندب.

وذكرت مصادر ملاحية، أن الناقلات والسفن التي تبحر في المنطقة تغلق أجهزة الرادار الخاصة بها، لمنع تتبعها عبر الإنترنت، لكن السفينة الإيرانية المتمركزة في البحر الأحمر، تمكن مسيرات الحوثيين وصواريخهم من استهداف السفن.

مع ذلك، نفى نائب وزير الخارجية الإيراني علي باقري، ضلوع طهران بالضلوع في الهجمات، قائلًا إن الجماعة "تتصرف من تلقاء نفسها"، وأن لكل جماعة مرتبطة أو متحالفة مع إيران "لديها قرارها الخاص"، وأنها لن "تنصحها بوقف الهجمات"!

كما رفض المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، ناصر كنعاني، اتهامات الحكومة البريطانية، بشأن علاقة إيران بالهجمات في البحر الأحمر قائلًا: "لا أساس لها من الصحة... الادعاءات لها أهداف سياسية محددة وتشير إلى جهود الحكومة البريطانية المبذولة لعكس حقائق المنطقة".

في المقابل، نشر "البيت الأبيض"، معلومات استخبارية أمريكية أظهرت أن إيران زوّدت الحوثيين بطائرات مسيّرة، وصواريخ، بالإضافة إلى معلومات استخباراتية تكتيكية، مؤكدًا أن إيران "ضالعة بشدة" في تخطيط العمليات ضد سفن تجارية في البحر الأحمر.

وأكدت واشنطن أن "الدعم الإيراني للحوثيين قوي، ويشمل تسليم معدات عسكرية متطورة ومساعدة استخباراتية ومساعدات مالية وتدريب"، وأن طهران قامت بـ "تفويض القرارات العملياتية إلى الحوثيين".

 

"استعراض قوة" إقليمي

 

رغم أن الميليشيات المسلحة التي تدعمها إيران في المنطقة، ومن بينها الحوثي و"حزب الله" و"الحشد الشعبي" الشيعي العراقي، تنفي عادةً أن تكون مثل هذه الهجمات تجري بإيعاز من طهران، فإن القاسم المشترك بينها أن جميعها تنضوي تحت "محور المقاومة" المزعوم الذي تقوده طهران.

ويقول محمود علوش، الباحث في العلاقات الدولية، "إنّ نفي هذه الجماعات وإيران وجود أي تنسيق فيما بينهما في هذه الهجمات، لا ينفي بطبيعة الحال حقيقة أنها تأتي ضمن استجابة جماعية للمحور الإيراني للحرب الإسرائيلية على غزة. كما أنّ هذا النفي ينسجم مع النهج التقليدي الذي تتبعه إيران في علاقاتها مع حلفائها في المنطقة منذ سنوات طويلة، ويقوم على تجنّب إظهار أي دور إيراني مباشر في رسم التحركات العسكرية للوكلاء".

وإلى جانب التأثيرات التي يسعى الحوثيون لتحقيقها في هجماتهم في البحر الأحمر؛ لرفع التكاليف الاقتصادية على (إسرائيل) والاقتصاد العالمي بسبب حرب غزة، فإن الاستعراض العسكري للجماعة و"حزب الله" والجماعات المسلحة الأخرى في العراق، وسوريا، يندرج أيضًا في إطار استعراض إيران قوتَها الإقليمية.

إن الافتراض السائد بأن إيران، التي تُحاول الموازنة بين الضغط العسكري عبر وكلائها لوقف الحرب على غزة، وبين تجنّب انتشارها في المنطقة، وجدت في نهاية المطاف أن تجنب انخراط "حزب الله" في الحرب بشكل أوسع، وتشجيع الحوثيين، وربما دعمهم، لشنّ هجمات في البحر الأحمر، يُحقق ذلك الموازنة الإيرانية.

ويرى المراقبون، أن الهجمات التي يشنّها "حزب الله" على (إسرائيل) لم تؤدِّ إلى تحقيق الأهداف المرجوة منها بتغيير ديناميكية الحرب ودفع (إسرائيل)، والولايات المتحدة إلى التفكير في المخاطر التي تنطوي عليها مواصلة الحرب، لذلك فإن إيعاز إيران للحوثيين بامتداد المواجهة إلى البحر الأحمر، يعكس تفعيل خيارات أخرى لدى طهران وحلفائها لزيادة الضغط على (إسرائيل)، والولايات المتحدة.

ومن بين العوامل الأساسية التي تجعل جبهة البحر الأحمر "أكثر أهمية" في الاستراتيجية الإيرانية في هذه الحرب الكبرى، هو الموقع الجغرافي الاستراتيجي لليمن على حدود البحر الأحمر ومضيق باب المندب الذي يمر عبره ما يُقدر بنحو 40% من التجارة البحرية الدولية، ونحو 20% من تجارة النفط العالمية. لذلك، يعتقد الحوثيون وإيران أن هذه الميزة تثني الولايات المتحدة والغرب عن الانخراط في حرب طويلة الأمد في هذه المنطقة بالنظر إلى تأثيراتها الكبيرة على الاقتصاد العالمي.

من جهة أخرى، يتعامل حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة مثل دول الخليج ومصر، مع هذه المخاطر بشكل أكبر من الفوائد المحتملة للمشاركة في تحالف دولي ضد الجماعة اليمنية. وهنا تبرز ميزة أخرى لجبهة البحر الأحمر، وهي أنها أظهرت انقسامًا بين الولايات المتحدة وحلفائها العرب، بشأن مقاربة كيفية التعامل مع هذا الوضع المضطرب.

إن السببَين الأساسيين اللذين منعا تطور حرب غزة، حتى الآن إلى صراع إقليمي أوسع، يتمثلان في محاولة إيران الاستفادة بأقصى قدر ممكن من الحرب لاستعراض قوتها الإقليمية من دون الحاجة إلى تعميق انخراطها بالوكالة في الحرب، والحذر الأميركي في تأجيج الحرب إلى مستوى إقليمي. كما أن طهران تنظر بدرجة أساسية إلى قوة حلفائها في المنطقة على أنها عامل ردع لها في صراعها مع (إسرائيل)، والولايات المتحدة.

انطلاقًا من ذلك، فإن التوقعات الإيرانية من هذه الاستراتيجية لا تزال تعمل وَفق حسابات طهران. مع ذلك، فإن مخاطر انتشار الحرب في المنطقة ستبقى في تزايد، وقد لا تكفي الموازنة الإيرانية والحذر الأمريكي وحدهما للحدّ من هذه المخاطر وإبقائها "تحت السيطرة".

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المصادر:

1- هل تصطدم واشنطن بالحوثيين وإيران في البحر الأحمر؟، موقع سبوتنيك عربي، 16 ديسمبر/كانون الأول 2023.

2- ماذا تكشف جبهة البحر الأحمر عن استراتيجية إيران؟ موقع الجزيرة نت، 29 ديسمبر/كانون الأول 2023.

3- إيران تنفي اتهامات أميركية بالضلوع في هجمات الحوثيين بالبحر الأحمر، موقع الشرق، 23 ديسمبر/كانون الأول 2023.

 

النشرة الإخبارية

اشترك في النشرة الإخبارية

ابق على اطلاع على النشرة الإلكترونية

معلوماتك فى امان معنا! إلغاء الاشتراك في أي وقت.