إيران على حافة بُركان

- 19 مايو 2023 - 691 قراءة

مع اقتراب نهاية حكم المرشد الإيراني علي خامنئي، الذي يبلغ 84 عامًا، يتزايد الشقاق السياسي والاجتماعي داخل البلاد، خصوصًا في ظل استمرار الانتفاضة الشعبية التي اندلعت في أواخر العام الماضي، والتي كانت بمثابة ثورة شعبية ضد نظام الملالي بعد 44 عامًا من سيطرته على مقاليد السلطة في إيران.

عبرت هذه الانتفاضة العفويّة التي شارك فيها عدد من النساء، عن مطلب الطبقات الشعبيّة والمتوسطة السفلى بالتغيير، سواء للهياكل الاقتصادية أو الاجتماعية والسياسية للبلاد. فهذه الشرائح من الشعب التي تعرّضت بشدّة للبطالة والهشاشة والبؤس، وعانت جراء انعدام أفق للمستقبل، يسكنها أيضًا إحساس عميق بالظلم مرتبط بالفساد، ونهب الثروات الوطنيّة من قبل أقليّة في السلطة وقريبة من دوائر السلطة.

ويعلم النظام جيدًا أن إيران الآن تعيش على حافة بُركان، وهو ما دعا الملالي إلى محاولة التعتيم على الأوضاع المتردية في الداخل الإيراني، فمنذ عقود تعلن السلطات الإيرانية المنوطة بالشأن الاقتصادي كل شهر أحدث بيانات التضخم في البلاد، ولكن خلال الشهرين الماضيين، أبقت السلطات هذه البيانات طي الكتمان، مما أدى إلى تأجيج الاتهامات بأن النظام يخفي أدلة على أن الأسعار تتصاعد إلى مستويات قياسية.

وتأتي هذه الأزمة الاقتصادية الخانقة، فيما تتعرض الحكومة الإيرانية المتشددة، بقيادة الرئيس إبراهيم رئيسي، لضغوط داخلية متزايدة للوفاء بوعودها الاقتصادية، ولا سيما لاحتواء الأسعار التي ارتفعت حيث أدت العقوبات الأمريكية المفروضة على طموحات البلاد النووية إلى خنق الاقتصاد الوطني.

ويعاني ملايين الإيرانيين من المصاعب المعيشية، بعد أن فقدت العملة الوطنية أكثر من ثلث قيمتها هذا العام، في حين استمرت الأسعار في الارتفاع، مما أثار غضب الرأي العام الإيراني.

ولم تفلح جهود حكومة رئيسي في تهدئة الشارع، في ظل استمرار نزيف العملة الإيرانية وخسارتها لقيمتها مقابل العملات الأجنبية، حيث وصل سعر صرف الدولار الواحد إلى ما يزيد على 65000 تومان.

وفي تقرير اقتصادي حديث، أشارت صحيفة "اعتماد" إلى تراجع موقع إيران عالميًا في مجال "رفاهية المواطنين" حيث احتل المركز الـ 126 عالميًا، بعد تراجعها 3 مراكز إلى الوراء.

 

تنين الفساد

 

من جهة أخرى، أدى تغول الفساد في البلاد إلى غضب شعبي غير مسبوق، فقد انفجرت فضيحة فساد من العيار الثقيل في البرلمان الإيراني، تتحدث عن استلام نواب في البرلمان "مجلس الشورى" 75 سيارة من الطراز الحديث، على سبيل الرشوة من وزارة الصناعة والتجارة.

وكانت الهدف من هذه الرشوة، هو وقف عملية استجواب وزير الصناعة التي يتم الإعداد لها!

ولم يتوان خامنئي عن الحديث حول استشراء الفساد ومخاطره، وتكرار كلامه السابق بشأن "ضرورة الكفاح الشامل ضد تنين الفساد"، مدعيًا أن الحكومات والمسؤولين لم يصغوا جيدًا إلى نصائحه وتعاليمه، وأنهم لو استمعوا لكان وضع البلاد اليوم أفضل مما هو عليه الآن!

حاول المرشد جاهدًا تحميل الفساد للحكومة والبرلمان، وتبرئة ساحته وساحة المؤسسات العسكرية والقضائية والإعلامية والاقتصادية التي يشرف عليها ويديرها دون رقيب أو حسيب.

ومؤخرًا، أعلن 420 ناشطًا سياسيًا ومدنيًا وثقافيًا، في تقييمهم للوضع الإيراني خلال عام 2022، أنه "من الطبيعي في ظل ظروف أزمة شرعية الحكم والحكومة، أن يكون طريق اللاعنف والديمقراطية هو الرجوع إلى أصوات الأمة، عن طريق إجراء نوع من الاستفتاء الحر".

ورغم ذلك، عارض المرشد مطالب إجراء استفتاءات شعبية حول بعض القضايا الخلافية التي تسبب جدلًا كبيرًا في البلاد منذ سنوات. وكانت المطالب بإجراء مثل هذه الاستفتاءات الشعبية على السياسات الداخلية والخارجية قد تصاعدت بعد اندلاع موجة الاحتجاجات الأخيرة.

وعلى المستوى الاجتماعي، شهدت الأشهر الأخيرة أنواعًا مختلفة من العنف في الأجواء العامة للمجتمع الإيراني، ومنها حادثة اغتيال عضو مجلس خبراء القيادة عن محافظة سيستان وبلوتشستان عباس علي سلیمانی، واغتيال طالبين في الحوزة في قم، ودهس رجل دين في بوليفار مرزداران في طهران، واغتيال قائد شرطة مباحث سراوان وزوجته، فضلًا عن اغتيال حميد رضا الداغي في مشهد، وغيرها من أحداث العنف التي صدمت الرأي العام الإيراني.

ويومًا بعد يوم، تتنامى ظاهرة الاعتداءات والهجمات على المعممين والملالي في شوارع إيران، على خلفية الاحتجاجات الأخيرة، والإجراءات التي تصر الحكومة عليها في موضوع الحجاب الإجباري. الاعتداءات تجاوزت الجانب اللفظي والإساءات الكلامية لتتحول مؤخرًا إلى هجمات مباشرة، ما يشير إلى تصاعد الغضب الشعبي من استمرار حكم الملالي.

وهذه الموجة المستمرة من الاعتداءات والهجمات على المعممين، ليست ممنهجة أو منسقة، وإنما هي أحداث عفوية تنم عن حجم الغضب المجتمعي تجاه رجال الدين والمعممين، الذين يعتبرهم المواطنون ضمن نظام الحكم وموافقين على ما تقوم به السلطات.

وفيما تتحسب الأوساط الإيرانية لعودة الاضطرابات المصاحبة للاحتجاجات الليلية، بعد حوادث إطلاق نار ودهس استهدفت رجال شرطة ومُعممين في عدة مناطق مؤخرًا، دعا وزير الأمن السابق علي فلاحيان رجال الدين للتسجيل في أندية رياضية، لتلقي دروس في "رياضات الدفاع عن النفس"!

ووصف فلاحيان الأوضاع في البلاد بالنسبة لرجال الدين بأنها "باتت خطيرة جدًا في ظل موجة من الغضب الشعبي ضدهم، ووجود عملاء لمنظمات أمنية أجنبية تروج وتشجع على مهاجمتهم".

 

احتجاجات شعبية جديدة

 

في عهد شبكات التواصل الاجتماعي التي يقودها المراهقون والنساء، أصبحت الانقسامات الأبرز في إيران اليوم هي الانقسامات الجيلية، التي طغت على الانقسامات الفصائلية بين "رفاق الثورة" خلال العهود الماضية.

لقد نأى بعض أعضاء الحرس القديم بأنفسهم عن حكم المرشد، إدراكا منهم لخطر وقوع قطيعة بين النظام والشعب، بدعم معنوي من القاعدة الشعبية العريضة الرافضة لممارسات النظام، خاصةً قوّات الجيش والشرطة، التي أبدى بعضها تذمّرًا من تورّطها في إخماد الثورة الشعبية الأخيرة.

وشهدت مدن طهران وكرج وأصفهان وشيراز، الأكبر في إيران من حيث الكثافة السكانية، احتجاجات مؤخرًا، بمناسبة ذكرى «عيد العمال» ودعمًا لإضرابات عمال النفط والصلب المطالبة برفع الأجور.

وفي حين كانت الأوضاع هدأت نسبيًا في البلاد، بعد موجة الاحتجاجات العنيفة التي شهدتها منذ 7 أشهر، يبدو أن فشل الحكومة في حل المشاكل الاقتصادية والمعيشية وانتشار شائعات عن توجه لزيادة أسعار الطاقة من جهة وبدء الشرطة لحملة جديدة من أجل فرض إلزامية الحجاب بالأماكن العامة، بضغط من أجنحة متشددة بالتيار الأصولي، قد أجج مشاعر الغضب من جديد في الشارع الإيراني.

هناك أوَّلًا الأزمة السياسية، التي تعتبر الأزمة الأكثر أهمية، وثانيًا الأزمة الاقتصادية التي تزيد المشكلات الاجتماعية الاقتصادية أكثر. والمهم أنَّ الأزمتين كلتيهما هيكليتان ومرتبطتان ارتباطًا وثيقًا بدستور النظام السياسي والاقتصادي وأدائه الخاطئ.

ولذلك كله، فلا عجب أن يصف "مؤشر برتلسمان للتحوُّل" في عام 2022 إيران بأنَّها دولة "أوتوقراطية متشدّدة" ويضعها في المرتبة رقم 127 من بين 137 دولة ضمن ترتيب الديمقراطية عالميًا.

غير أن هناك بعض الأصوات الرشيدة، فقد هاجم إمام أهل السنة في محافظة سيستان بلوشستان مولوي عبد الحميد، المسؤولين ممن يتصورون أنهم يستطيعون فرض إرادتهم بالعمل البوليسي والأمني، مؤكدًا أنه مستعد أن يسلم نفسه لكي يتم اعتقاله، إذا كان البعض يتصور أن حل مشاكل البلاد سيكون عبر اعتقال الناس، محذرًا في النهاية من أن عدم سماع أصوات الشعب الغاضب، سيؤدي في النهاية إلى "انهيار عام" في البلاد.

 

* رئيس مركز الخليج للدراسات الإيرانية

النشرة الإخبارية

اشترك في النشرة الإخبارية

ابق على اطلاع على النشرة الإلكترونية

معلوماتك فى امان معنا! إلغاء الاشتراك في أي وقت.