الأحواز... سياسيًا واقتصاديًا وفكريًا (منذ ظهور الإسلام إلى نهاية القرن الخامس الهجري)

- 15 يناير 2024 - 273 قراءة

يبين كتاب الأحواز لمؤلفه الإعلامي أحمد المظفر، أن الفرس أطلقوا على إقليم الأحواز، أسماء مختلفة، بقصد محو عروبته، مثل (خوزستان) التي تعني بلاد القلاع والحصون، وفي عهد الشاه إسماعيل، أي في فترة حكم الصفويين، سمي (عربستان)، وهي تعني إقليم العرب، وهذا يدل على اعترافهم، في هذا الموضع، بعروبته.

ويبين المؤلف أن منطقة الأحواز تقع، حسب التقسيمات الجغرافية القديمة، بين نهر كارون ونهر طاب حتى مدينة ميسان. وحدودها تعرضت للتغيير والتبديل، تبعًا للتطورات الإدارية والتنظيمات الجديدة في كل من البصرة وواسط التي نجمت عن توسع الدولة العربية الحديثة، وظهور تنظيمات إدارية لها علاقة بنظام الجباية.

ويشير المؤلف، أن الجغرافيين يؤكدون على أن أرض الأحواز سهلية، تتخللها المياه الجارية، وفيها الكثير من الأنهار، أكبرها نهر دجيل (تصغير دجلة)، وهي تخلو من الجبال إلا في بعض المناطق، وذكر المؤرخون أن جبل الأحواز عرف بعد أن بنيت مدينة البصرة، وسمي باسم قعيقعان، والتاريخ الجيولوجي لأراضي الأحواز والسهل الرسوبي في العراق، تكونا في وقت واحد من ترسبات الأنهار.

ومن ثم فسهل الأحواز هو امتداد للسهل المنخفض الموجود في العراق، ولا يوجد أخصب منه. ومن المدن الهامة في الإقليم مدينة (الأحواز). وقد عرفت فيما بعد باسم فارسي هو (هرموز شهر)، وتقع في مكان متوسط بين البصرة من جهة، وأقاليم الأطراف الجنوبية للهضبة الإيرانية. وهناك مدينة السوس القديمة جدًا، و(تستُر) و(جند يسابور) و(رامهرمز) و(متوث) وغيرها الكثير.

ويبين المؤلف أن المصادر التاريخية تشير إلى أن أحد ملوك الساسانيين (قبل الإسلام)، قام بتهجير بعض القبائل العربية من تغلب وعبد القيس وبكر، وفرقها في أقاليم توج وكرمان والأحواز، بهدف الحد من سلطانها ونشاطها البحري والتجاري في مياه الخليج العربي.

وأما الطريق الثاني لانتشار العرب في الأحواز فقد كان عن طريق الفتوحات الإسلامية، وبدأت عملية استقرار العرب في الإقليم منذ عهد الخليفة عمر بن الخطاب. وعرفت الأحواز قديمًا باسم (عيلام)، وهي تسمية جاءت عن طريق السومريين والأكاديين.

وخضعت للإمبراطورية الأكادية. وخضعت عيلام بعد ذلك إلى حكم الكوتيين، وخضعت للمملكة البابلية في عهد حمورابي، ثم خضعت للمملكة الآشورية، وحينما قضى الكلدانيون والميديون على المملكة الآشورية، انتقلت إلى سيطرتهم، إلى أن أصبحت تحت سيطرة الفرس الأخمينيين، سنة (539 ق. م)، وأصبحت السوس عاصمة الإقليم. وعلى الرغم من تبعية الأحواز للفرس، بقي إقليمها يتمتع باستقلاله الذاتي، وبقي سكانها يستعملون لغتهم السريانية ذات الصلة القوية بالعربية، كما لم يستطع الأخمينيون فرض ديانتهم الزرادشتية على سكانه.

ويعود تاريخ الحروب العربية التي شنت على الساسانيين بهدف استعادة الأحواز، إلى أيام الخليفة أبي بكر الصديق، وارتبط تحريرها بتحرير البصرة، إذ كانت قبيلة بكر بن وائل التي تستوطن في (الأبلة)، تشن غارات على الأطراف الغربية للإمبراطورية الساسانية.

ومن أبرز القادة العرب في تلك المعارك كان قطبة بن قتادة، الذي أرسل إليه عمر بن الخطاب، فور توليه الخلافة، مؤازرة بقيادة شريح بن عامر الذي قُتل في إحدى معاركه بالأحواز، ثم أرسل له قوة أكبر بقيادة عتبة بن غزوان الذي استقر في البصرة، ثم بدأ تدفق هجرات القبائل من تميم وبكر وقبائل الحجاز الذين شكلوا الجيش الذي حرر الأحواز عبر معارك متتالية.

وبشكل نهائي، والواقع أن إقليم الأحواز بقي تابعًا للبصرة من الناحية الإدارية خلال العصر الأموي، وعندما سيطر الخوارج بقيادة نافع بن الأزرق، على الأحواز، شكل خطرًا كبيرًا على أهل البصرة، بدليل ما قاله الأحنف بن قيس: «إن هذا العدو (الأزارقة) قد غلبنا على سوادنا وفيئنا، فلم يبق إلا أن يحصرنا في بلدنا حتى نموت هزلًا». ونصح الأحنف أهل البصرة بالجهاد، ودارت بين الطرفين معارك طاحنة، استمرت زمنًا طويلًا.

ولم تتمكن القوات النظامية من قهر الأزارقة الذين لجؤوا إلى حرق الدور في الأحواز وذبح الرجال والنساء والأطفال، إلى أن تولى المهلب بن أبي صفرة الجيش المكلف بمقارعتهم، وانتصر عليهم في عدة معارك، وأعيدت الأحواز إلى سلطة الدولة الأموية. وظل إقليم الأحواز يشارك في الحياة السياسية الهامة خلال العصر العباسي الأول، ونظرًا لأهميته الاقتصادية والعسكرية فقد فصل عن ولاية البصرة، وارتبط مباشرة بالخلافة العباسية ببغداد، وأصبح الخليفة هو من يعين ولاة الأحواز ويعزلهم.

وكان إقليم الأحواز مسرحًا واسعًا لثورة الزنج التي استمرت خمس عشرة سنة. وفي العهود العباسية المتأخرة أصبحت الأحواز ملجأ للطامعين، ومثالهن البريديون، ومأوى للمتمردين على الخلافة، وبالأخص بعد مقتل المقتدر بالله، وأخيرًا استقر الأمر فيها لأبي عبد الله البريدي الذي عقد صلحًا مع البويهيين.

ولكن أحمد بن بويه سيطر على إقليم الأحواز، ورزح الإقليم تحت سيطرة البويهيين بين عامي 326 و 334 هجرية، وجعلوا منها قاعدة عسكرية للانطلاق نحو احتلال العراق. وفي سنة 446 هجرية دخل إقليم الأحواز- الذي لم يعرف الاستقرار قط- في مرحلة جديدة من حياته السياسية عندما انتقل إلى مرحلة التسلط السلجوقي، حيث استطاع السلاجقة بقيادة سابور خواست، أحد قوادهم، أن يسيطر على الأحواز.

ــــــــــــــــــــــــــــ

الكتاب:

الأحواز سياسيًا- اقتصاديًا- فكريًا (منذ ظهور الإسلام إلى نهاية القرن الخامس الهجري)

تأليف: أحمد المظفر

الناشر: دار الحصاد -دمشق 2010 الصفحات: 174 صفحة

 

 

النشرة الإخبارية

اشترك في النشرة الإخبارية

ابق على اطلاع على النشرة الإلكترونية

معلوماتك فى امان معنا! إلغاء الاشتراك في أي وقت.