يلعب الإعلام دورًا مهمًا في استراتيجية إيران الهادفة إلى بناء النفوذ الجيوشيعي، فهو المعني ببلورة الأنساق المعرفية والمفاهيم الثقافيةً الشيعية لدى المتلقي، وتشكيل صورة ذهنية مثالية عن النظام الحاكم في إيران بوصفه "نظامًا إسلاميًا مقدسًا"!
ويُعد الإعلام الفضائي أحد أهم أدوات المشروع الشيعي التوسعي بشقيه الفارسي والعربي؛ وقد شهد العقد الأخير تزاحمًا مكثفًا للفضائيات الشيعية داخل بيوت أهل السنة والجماعة، سواء على مستوى قنوات الأطفال أو القنوات الاجتماعية أو القنوات الدينية، وكذلك على مستوى القنوات العامة وبرامجها المتنوعة الإخبارية منها والسياسية والوثائقية.
ويبرز دور وخطورة هذه القنوات في نقل المناخ الشيعي بأفكاره وعقائده وطموحاته السياسية داخل المجتمع السني؛ فينكسر الحاجز النفسي بين المجتمعات السنية والأطروحات الشيعية الفاسدة، لتتولد بعد ذلك الألفة السنية مع هذه الأطروحات الباطلة، والتي بدورها قد تنعكس على السلوكيات والمعتقدات، بل والتوجهات التربوية والسياسية للشخصية السنية لا شعوريا.
ويقوم الجهاز الدعائي الإيراني في هذا الإطار، بتوظيف مثالي للإمكانيات المتقدمة في عالم تقنية الاتصالات والبث الفضائي، التي تتجاوز بدورها حدود الجغرافيا وسقف المستوى التعليمي، من أجل تحقيق الأهداف الرامية لغرس قيم المذهب الشيعي وتعاليمه، ومحاجة مخالفيه بالحجج والشواهد التاريخية وإظهار منطق المعتقدات المذهبية، بما يؤدي إلى استثارة المتلقي وخلق اتجاه نفسي موحد وقوي لدى أبناء الطائفة الشيعية.
وتعتمد إيران في هذا الصدد على ثلاث وسائل: القنوات الفضائية المختلفة التي تبثها هيئة الإذاعة والتلفزيون الإيرانية، الإعلام الإليكتروني ومنصات التواصل الاجتماعي التي تُنشئها جميع الهيئات والمؤسسات والمراكز والمرجعيات المعنية عبر شبكة المعلومات الدولية، والمجلات والمطبوعات المُتخصصة التي تُصدرها المؤسسات المعنية بنشر المذهب الشيعي بالخارج.
تلعب القنوات الفضائية التي تبثها هيئة الإذاعة والتلفزيون، دورًا خطيرًا في نشر المذهب الشيعي في كل مكان من العالم، وإلقاء الضوء على دور إيران ومدى تأثيرها الخارجي، ورفع مستوى الوعي المذهبي والإيماني لدى أبناء الطائفة الشيعية من الأطفال وشباب وشيوخ، ومناقشة أوضاعهم في المجتمعات التي يعيشون فيها.
ويتولى "فيلق القدس" التابع لـ "الحرس الثوري" مسؤولية إدارة وحدة الإعلام الخارجي، وقد نجح الفيلق من خلالها في اختراق إعلام الدول الواقعة داخل المجال الحيوي للمصالح والأهداف الإيرانية في كل من: آسيا وأوروبا والأميركيتين، عبر شبكة واسعة من القنوات التلفزيونية والمحطات الإذاعية. كما نجح في اختراق منظومة البث الفضائي العربي من خلال المؤتمر الدولي الأول للاتحاد العالمي للإذاعات والتلفزيونات الإسلامية، الذي دعا إليه علي لاريجاني رئيس مؤسسة الإذاعة والتلفزيون حينئذ، أواخر عام 2004م، بدعوى إيجاد القواسم المشتركة بين وسائل الإعلام الإسلامية المختلفة. خاصة الملتزمة بخط المقاومة والوحدة الإسلامية.
كما نجحت إيران، عبر هذا الاتحاد، في تأسيس مجموعة من المؤسسات الإعلامية، مثل مركز التدريب الإعلامي في بيروت، ومؤسسة الهداية التي تملك مكاتب لها في أكثر من سبع دول عربية وإسلامية، وتتركز أنشطتها في المجالات التقنية والهندسية وتقنيات البثّ الفضائي. إضافة إلى مركز آخر للرصد الإعلامي، وهو عبارة عن موقع على شبكة الانترنت للتبادل الإخباري المصوّر. وأنشأت صندوقا لتمويل ودعم إنتاج المؤسسات الإعلامية الموالية لها، والتي تزيد على خمس عشرة محطة ناطقة بالعربية، وتقع مكاتبها داخل منطقة "الجناح -بئر حسن" بضاحية بيروت الجنوبية الخاضعة لإشراف حزب الله ونفوذه؛ والقريبة من المطار.
وتُعد قناة القدس التابعة لحركة حماس، التي انطلقت من بيروت، التجربة الناجحة الأولى على صعيد عمل هذا الاتحاد وبلورة الأهداف التي يعمل من أجلها. ثم تبعها انطلاق قناة أخرى تابعة لـ "حماس" هي قناة الأقصى، ثم قناة فلسطين اليوم التابعة لحركة الجهاد الإسلامي. ثم توجت إيران هذا النجاح بإطلاق قناة الميادين، ودعم قنوات شيعية، مثل قناة آسيا التابعة لأحمد الجلبي، وقناة بلادي المقربة من إبراهيم الجعفري، وقناة الفرات الناطقة باسم المجلس الشيعي الأعلى العراقي، وغيرها من القنوات التابعة للفصائل المتحالفة مع إيران أو التابعة لها.
وانتهزت إيران أحداث الربيع العربي عام 2011م، وأسست عددًا من القنوات لتأجيج الأوضاع، مثل قناة المسيرة الناطقة باسم جماعة أنصار الله الحوثية، وقناة الساحات التي تُغطي أخبار ساحات الثورة في اليمن. وقناة الاتجاه الخاصة بكتائب حزب الله العراقي، وقناة النبأ التي تهتم بأخبار المنطقة الشرقية السعودية. أما البحرين، فكان نصيبها إطلاق قناة اللؤلؤة.
من ناحية أخرى، تقوم هيئة الإذاعة والتلفزيون الإيرانية، ببث عدد به من القنوات الموجهة للناطقين بالعربية والفارسية والانجليزية والإسبانية والبوسنية والتركية والآذرية والفرنسية، مثل قناة الكوثر الناطقة بالعربية المعنية بنشر الثقافة الشيعية بالمنطقة العربية، وقناة العالم الإخبارية التي تستهدف المشاهد العربي، على غرار قناتي الجزيرة والعربية، وقناة الأفلام IFILM التي تبث بالفارسية والعربية والانجليزية، وقناة Press TV باللغة الإنجليزية. فضلًا عن قنوات جام جم المعنية بمخاطبة الإيرانيين المقيمين بأوروبا وأمريكا، وقناة HispanTV الإخبارية الموجهة إلى الدول الناطقة بالإسبانية مثل: فنزويلا، والأرجنتين، وكوبا، والإكوادور وكولومبيا والمكسيك.
تمتلك هيئة الإذاعة والتلفزيون الإيرانية ثلاثين محطة إذاعية موجهة تبث إرسالها بثلاثين لغة مختلفة منها: الإنجليزية، والفرنسية، والألمانية، والإيطالية، والأسبانية، والبوسنية، والألبانية، والروسية، والجورجية، والطاجيكية، والأرمنية، والأوزبكية، والآذرية، والتركمانية، والطاليشية (لغة قومية دارجة في شمال إيران وآسيا الوسطى) والفارسية والدرية، والبشتو، والاردية والبنغالية، والاندونيسية، والصينية، واليابانية، والهوساوية، والسواحيلية، والعربية، والعبرية، والتركية، والكردية
ويقوم الجهاز الدعائي الإيراني بتوظيف تقنيات الاتصال والتواصل الحديثة توظيفًا أمثل؛ في تبليغ رسالته الدينية والثقافية والسياسية، خاصة بعد أن امتلكت جميع القنوات الفضائية والمحطات الإذاعية الشيعية نوافذ للبث المباشر، ومواقع خاصة بها على محركات البحث بشبكة المعلومات الدولية، فضلًا عن الصفحات الخاصة بمواقع التواصل الاجتماعي. وإضافة إلى هذا، تمتلك جميع المؤسسات المنخرطة في نشر المذهب الشيعي مواقع ثرية على شبكة المعلومات الدولية، فضلًا عن عشرات الآلاف من المواقع المذهبية الفعالة، التي تستهدف تعزيز التواصل مع جموع الشيعة في العالم على اختلاف لغاتهم وتباعد مناطقهم الجغرافية.
وتتيح هذه المواقع نسخًا لآلاف الكتب والدراسات والبحوث الخاصة بالمعتقدات الشيعية، ومعالجة مشاكل الشيعة في العالم، ومناقشة قضاياهم، وتقديم الفتاوى والأحكام الخاصة بهم؛ كي يقلدوها من ناحية. ويتفقهوا في أمور مذهبهم من ناحية أخرى. هذا إلى جانب آلاف المواقع الخاصة بجميع أئمة المذهب، وجميع المراجع والفقهاء في الحوزة العلمية سواء الموجودة في مشهد أو النجف أو قم.
من جهة ثانية، تنشط رابطة الثقافة والاتصال والمؤسسات التابعة لها والمتعاونة معها في إصدار وتوزيع عشرات المجلات والصحف والمطبوعات الدينية والثقافية، التي تتم طباعتها إما في دار الهدى بإيران أو بالتعاون مع عدد من المراكز الموجودة في الدول الواقعة داخل دائرة اهتمامها؛ خاصة بعد نجحت إيران في استكتاب العشرات من الكتّاب والصحفيين والإعلاميين المنتمين لهذه الدول.
وتقوم بتوزيعها المراكز والملحقيات الثقافية الإيرانية بالمجان، مع الأخذ في الاعتبار أن معظم هذه الإصدارات الورقية، لها نسخة رقمية متوفرة على موقع خاص بشبكة المعلومات الدولية. وفي إطار هذه الجهود، يُصدر مركز بحوث أل البيت مجلة فصلية دينية في داغستان بعنوان کوثر، بينما تقوم مؤسسة الفكر الإسلامي بإصدار ثمان عشرة مجلة، موجهة للشيعة الناطقين باللغات السبع، التي توزيعها في الدول الناطقة بها مجانا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ابق على اطلاع على النشرة الإلكترونية