• هاشتاج «أنا والفارسية» يحصد آلاف التغريدات على «تويتر» من المستخدمين العرب والأكراد والبلوش والأذريين
• مواقع التواصل تنشر مئات القصص المؤلمة عن الذل والمهانة والمواقف العنصرية ضد المواطنين غير الفرس
• نظام التعليم الإيراني يعترف فقط بـ «الفارسية» كلغة رسمية.. ويتجاهل لغات الأقليات العرقية تماما
• في «اليوم العالمي للغة الأم».. أبناء القوميات الإيرانية يطالبون باعتماد لغاتهم رسميا في المدارس والجامعات
• الناشطة سويل سليماني: المواطنون الناطقون بغير الفارسية في إيران يتعرضون للاضطهاد بشكل يومي
• أكاديمية إيرانية: أنا حاصلة على الدكتوراه وأستاذة جامعة في أمريكا.. ومازلت أحمل الآثار السلبية للدراسة بالفارسية
في 21 فبراير/شباط من كل عام، يحتفل العالم بـ "اليوم العالمي للغة الأم". وبهذه المناسبة، نشر آلاف الإيرانيين الناطقين باللغات غير الفارسية على شبكات التواصل الاجتماعي، حكايات عن الألم والمعاناة التي يشعرون بها بسبب ارتباطهم قسرًا باللغة الفارسية، والذل والمهانة الناتجة عن كونهم غير فرس، وذلك من خلال هاشتاج منتشر حاليًا على موقع تويتر تحت اسم "منوفارسي"، أي "أنا والفارسية".
ما هو هاشتاج "منوفارسي"؟ لماذا حاز على قبول مستخدمي شبكات التواصل الاجتماعي في داخل إيران وخارجها؟ ما هي مطالب المشاركين في هذه الحملة الإلكترونية؟
في تحقيق نشره موقع "إيران واير" مؤخرًا، يجيب على هذه التساؤلات كلُ من الناشطة الإيرانية المدنية سويل سليماني، وهي من أتراك أذربيجان وباحثة دكتوراه قسم علم الاجتماع في إحدى جامعات ولاية فيرجينيا الأمريكية، ومحسن رسولي الناشط في حق تعلم اللغة الأم، وأحد مؤسسي حملة "نهاية أحادية اللغة".
في الأيام الماضية، نُشرت ما يقرب من 1000 تغريدة على تويتر تحتوي على هاشتاج "منوفارسى"، تحدث خلالها المستخدمون الإيرانيون غير الفرس باللغتيّن الفارسية والإنجليزية، عن صعوبات حياتهم، وعن الدراسة والعمل باللغة الفارسية، التي ليست لغتهم الأم. وكشف البعض الآخر عن الذل والمهانة التي يتعرضون لها، سواء من قبل النظام السياسي والاجتماعي الإيراني، أو من جانب المواطنين الإيرانيين الفرس بشكل أساسي.
تقول "سليماني": انطلقت هذه الحملة بقصد الكشف عن التمييز المنهجي والهيكلي ضد الشعوب غير الفارسية داخل إيران، وبيان معاناة هذه الشعوب في مجتمع يعتمد اللغة الفارسية فقط كلغة رسمية، قابلة للتعلّم، ولا يعترف بأي لغة أخرى على الإطلاق.
وعن بداية هذه الحملة تقول: "ذهبت إلى الصف الأول في المدرسة في مدينة بارس أباد (1) الإيرانية، في صف يتألف من ٣٥ تلميذًا، لا يعرف أي منهم الفارسية. كانت معلمة الصف الأول امرأة تبريزية شابة توجهت إلى بارس أباد بعد إنهاء الكلية مباشرة. كانت قد جاءت لتقوم بتدريس ما تعلمته في الكلية، أي التدريس باللغة الفارسية، وكانت تعتقد أن جميعنا نستطيع التحدث بالفارسية بسلاسة، وهو ما خالف توقعها. في الأيام الأولى كان خطها يتحرك صعودًا وهبوطًا، وعندما قامت بنداء اسمي، بللت نفسي من الخوف؛ لأنني لم أكن أعرف الفارسية على الإطلاق".
أضافت "سليماني": "منذ عدة أعوام كتبت نصا بنفس المحتوى على الفيسبوك، استقبله الكثيرون باهتمام شديد، حيث تم إعادة مشاركة منشوري مرات عديدة بواسطة أفراد مختلفين من جماعات عرقية مختلفة كالأكراد، اللُور، البلوش، والعرب، واستقبلت العديد من الرسائل، حيث أكد الجميع أن تجربتي معروفة بالنسبة لهم إلى حد بعيد، وبسبب أن الفارسية لم تكن لغتهم الأولى، فقد عاشوا تجربة من الذعر شبيهة لتجربتي في أول أيام المدرسة".
واستكملت حديثها مشيرة إلى أن نظام التعليم الإيراني يعترف فقط بالفارسية كلغة رسمية: "لم يُصمَم نظام التعليم الإيراني من أجل تعلم اللغة. يفترض هذا النظام أن كل الأطفال يعرفون الفارسية، وتم تصميمه من أجل التعليم؛ وكذلك ليس لديهم أي تصور عن التلاميذ الذين يعرفون الفارسية بنسبة ٥٠٪ كحد أدنى".
حكايات المواطنين غير الفرس كلها مؤلمة للغاية، بصرف النظر عن كونهم يتحدرون من أي ناحية من نواحي إيران الأربعة. تحدث هؤلاء المواطنون عن تجربتهم مع الذل والسخرية في المجتمع، ونسبة الكليشيهات الجنسية والعرقية إليهم، وحتى التمييز في نظام التعليم من منطلق أن الفارسية لم تكن لغتهم الأولى.
"بهروز بوجاني"، كاتب كردي معروف، يعيش في المنفى في الوقت الحالي، ويقوم بالتدريس في جامعة سيدني، كتب حول هذه الحملة وهاشتاج "منوفارسى" على صفحته في تويتر: "منوفارسى أحد أهم الأحداث في مجال الثقافة العامة. خلال الساعات الأخيرة تم تسجيل مئات القصص والذكريات المؤلمة عن الذل، والمهانة، والمواقف العنصرية ضد الإنسان الجيلاكي (2)، التركي، العربي، وغيرهم بواسطة هذا الهاشتاج. إذا أردتم معرفة أين إيران الحقيقية، تابعوا هذا الهاشتاج".
وكتبت مستخدمة تدعى "تارا" على صفحتها في تويتر: "عندما كنت في المدرسة الابتدائية في تبريز، لم أكن على دراية بالفارسية أبدًا، كنت جيدة في الرياضيات والعلوم، لكن في الإملاء، التعبير، والفارسي لم أكن جيدة! كان لدينا تعبير في الصف الرابع، رفضوني. على الرغم من أنني حاصلة على درجة الدكتوراه وأستاذة جامعة في أمريكا، إلا أنني أحمل معي الآثار السلبية لتلك الفترة من الدراسة".
مستخدم آخر يدعى "باريش" كتب عن تجربته التعيسة مع العنصرية أيضًا خلال فترة أداء الخدمة العسكرية: "عندما دخلت إلى المسكن الخاص بالمجندين في مدينة بانه (3)، سألوني: من أين أنت، قلت: من تبريز، فنهض أحدهم من السرير العلوي قائلًا بصوت عالٍ: اصمتوا يا شباب، أريد أن أغني لكم أغنية تركية! ووضع يديه أمام فمه، وبدأ في الغناء بشكل سيء. ثم قاموا بعد ذلك بمعاقبتي، وبقيت في المنفى العقابي لمدة ثلاثة أشهر إضافية، لمجرد أنني من أصول تركية"!
تقول "سليماني"، إن الوجه المشترك لكل هذه الحكايات هو العنصرية الهيكلية والمنهجية في إيران، حيث يوجد في كل هذا المحتوى آثار من الذل والتمييز ضد الشعوب غير الفارسية. وهذا يكشف إلى أي مدى تعد قضية العنصرية أمرا جادا في إيران. فهم لم يعلّموا الشعب، وهم أيضًا لا يعرفون أنهم عندما يقولون نكتة تمس بأحد العرقيات، فالأمر ليس مجرد نكتة بسيطة، إنما يحمل في طياته تمييزا هيكليا".
وأردفت سليماني قائلة: "الحكايات الموثقة توضح إلى أي مدى النظام السياسي والإداري في إيران غير فعال، لدرجة أنه لا يلبي احتياجات أكثر من ٥٠٪ من أفراد المجتمع، وأن مجموعة خاصة هي من سممت الحياة على البقية"!
"محسن رسولي" الناشط المدني المقيم في ماليزيا، يعتقد أن الجزء الأكبر من حكايات المستخدمين المنضمين إلى حملة "منوفارسى"، متعلقة بالعنصرية.
ويقول: "إن أغلب الحكايات تتعلق بالذل والتمييز بالنسبة للفرد بسبب لهجته التي تتجلى بوضوح أثناء حديثه باللغة الفارسية. أغلب هذه الأمور تقع خلال مشوار الحياة، وخاصة عند البحث عن فرص العمل، وهم يعتقلون الفرد الذي يحاول إيصال قدراته إلى درجة الكمال!".
يضيف الناشط المدني، الذي أعد حملة "نهاية أحادية اللغة" بصحبة سويل سليماني منذ ما يقرب من عام للمطالبة بالاعتراف رسميًا باللغات الأخرى في إيران: "البعد الآخر الذي تغطيه هذه الحكايات يشمل الذل والإهانات العرقية المتعلقة بالجنس".
ويستكمل رسولي حديثه قائلًا: "على سبيل المثال إذا كان لدى فرد لهجة جيلاكية، وكانت امرأة، فستواجه مباشرة القوالب النمطية والكليشيهات الجنسية والعرقية التي تصنفها بوجود مشكلة أخلاقية، وإذا كان رجلًا يعتبرونه عديم شرف. الوضع نفسه فيما يخص سائر العرقيات. ارتبطت هذه العنصرية الهيكلية ونظام القمع أحادي اللغة، بالنسبة لأي من العرقيات بكليشيهات الذل والمهانة المفتعلة على اللغة، اللهجة، وحتى أسماء أولادهم أيضًا".
ويشير الناشط المدني إلى بعض الحكايات التي رواها المستخدمون بشأن مواجهتهم للعنصرية والتمييز، بمجرد الكشف عن جذور أسمائهم. وقال البعض الآخر إنه على الرغم من عدم وجود لهجة مميزة لديهم، إلا أنه بعد أن يتبين أنهم ينحدرون من جماعة عرقية خاصة، يسألونهم بشأن المذهب الخاص بهم، وهل هم شيعة أم لا!
هذا الاتهام المفتعل استخدمته قوات الأمن الإيرانية خلال العقد الثامن من القرن الماضي مع المواطنين الأكراد، بقصد نزع الصفة الإنسانية عنهم، ولارتكاب المزيد من القمع ضدهم. وعندما كانت قوات "الحرس الثوري" تعمل جاهدة على قمع المواطنين الموالين للأحزاب الكردية في كردستان، كانت تنتشر العديد من الشائعات في مدن إيران المركزية، وخاصة طهران، أن الأكراد يتواطؤون مع أعداء النظام!
فيما يتعلق بالهدف من هذه الحملة، تقول سليماني: "نحن نريد نهاية أحادية اللغة، وقبول التنوع وتعدد العرقية، اللغة، المذهب، والجنس. إيران بلد الاختلافات، ولا يجب فقط أن يفرض البعض مذهبه، وجنسه على الجميع".
ويعتبر "رسولي" أن الهدف من هذه الحملة وهاشتاج "منوفارسى" هو التوعية حول التمييز ضد الشعب غير الفارسي، بالإضافة إلى توثيق الحكايات والتجارب المؤلمة ومعاناتهم مع اللغة الفارسية.
يقول "رسولي": "كان هدفنا أن نعمل على تنمية الوعي بوجود معاناة وألم في النظام أحادي اللغة في مجتمع متعدد اللغات. حيث ينكر الكثيرون التمييز ضد الشعوب غير الفارسية. لهذا السبب أردنا أن تكون تجارب هذا التمييز موثقة. الآن لدينا محتوى منشور في تويتر وسائر شبكات التواصل الاجتماعي باستخدام هاشتاج (منوفارسى)، سنعمل على جمعه في رابط موحد؛ لكي يصبح بمثابة البنك الجامع لهذه التجارب، والمواقف. على الرغم من أننا لا زلنا في بداية عملية جمع هذه البيانات، لكننا نأمل في المستقبل أن نستطيع إعدادها من أجل الأبحاث والدراسات، وغيرها".
ويشير "رسولي" إلى ردود أفعال بعض المستخدمين المخالفين للحملة وهاشتاج "منوفارسي" قائلًا: "يتم طرح مسألة الانفصال في العالم الافتراضي، وكذلك في العالم الحقيقي، وأعتقد أن المسألة هي عصا غليظة من أجل القمع. فاللغة الأم وتعلمها حق من حقوق الإنسان، ورد في العديد من المعاهدات الدولية، وتم الاعتراف به رسميًا. وحتى في الدستور الإيراني أيضًا، وفقًا لنص المادة 15 (4)، تعلم آداب اللغات الأم مؤيدة فيه بوضوح، ولكن لم يتم تنفيذها حتى الآن.
وفي النهاية، يقول "رسولي": "نحن نواجه مجموعة شاملة مركزية هم الفرس، أساس دولتهم القومية قائم على لغة واحدة، دين واحد، وعرقية واحدة. وبناءً على ذلك، أي شيء يريد أن يُسقط هيمنة الحاكم، تعتبره تلك المجموعة معارضة للأمة الإيرانية".
ــــــــــــــــــــــــــــــ
https://iranwire.com/fa/features/56821
اللغة والكتابة الرسمية والمشتركة لشعب إيران هي الفارسية. ويجب أن تكون الوثائق والمراسلات والنصوص الرسمية والكتب الدراسية بهذه اللغة والكتابة، ولكن يجوز استعمال اللغات المحلية والقومية الأخرى في مجال الصحافة ووسائل الإعلام العامة، وتدريس آدابها في المدارس إلى جانب اللغة الفارسية/ المترجمة.
ابق على اطلاع على النشرة الإلكترونية