واجه الاقتصاد الإيراني صعوبات كبيرة خلال الفترة الأخيرة، سواء بسبب قطع الإنترنت أو تدمير الممتلكات العامة والخاصة، مع استمرار الاحتجاجات الشعبية والعقوبات الجديدة التي فُرضت على نظام الملالي بسبب لجوء النظام إلى قمع هذه الاحتجاجات، فضلًا عن تعثر مفاوضات البرنامج النووي الإيراني مع القوى الكبرى، وضياع فرصة إلغاء العقوبات الاقتصادية المرتبطة به.
وكان من الطبيعي أن تطال أضرار المظاهرات كافة القطاعات الاقتصادية في البلاد، بدءًا من العملة الوطنية، وانتهاء بقطاع الخدمات، فقد سجلت العملة الإيرانية خلال الأيام الأخيرة انهيارًا غير مسبوق أمام الدولار، الذي حقق ارتفاعا بتسجيله 42 ألف ريال مقابل الدولار الواحد، بعدما كان قبل الاحتجاجات يبلغ 31 ألف ريال.
هذا، بجانب ارتفاع نسبة التضخم إلى مستويات غير مسبوقة، وارتفاع أسعار شراء الذهب، وإقبال المواطنين على البيع لتحسين أوضاعهم المعيشية المتدهورة، وهذا بدوره أدى إلى قيام بعض التجار بإغلاق محالهم جراء استمرار الاحتجاجات، واستمرار التراجع في قيمة العملة المحلية، ما يؤدي إلى تراجع القوة الشرائية للمواطنين.
وطاولت أضرار الاحتجاجات قطاعات أخرى خدمية، حيث قدّر عبد المطهر محمد خاني، رئيس مركز الاتصالات في بلدية طهران، الأضرار التي لحقت بممتلكات البلدية بنحو 200 مليار ريال، بالإضافة إلى الأضرار التي لحقت بإطفائية طهران، والتي تمثلت في إحراق وتدمير 25 مركبة خفيفة وثقيلة وسيارة تويوتا واحدة مع كامل المعدات التابعة لخدمات مكافحة الحرائق، خلال الأيام الأخيرة.
فيما أعلن جعفر ميعادفر، رئيس منظمة الطوارئ الإيرانية، عن تدمير 85 سيارة إسعاف وإصابة 10 من الكوادر الطبية، موضحا أن المنظمة بحاجة إلى تريليون ريال لتعويض واستبدال المركبات المدمرة، لكي تتمكن من مواصلة عملها بشكل طبيعي مجددًا.
خسائر قطع الإنترنت
على خلفية قرار السلطات الإيرانية بقطع شبكة الإنترنت لإخماد فتيل الأزمة، قدّرت إحصائية شركة "نت بلاكس" لخدمات الإنترنت، أن خسائر البلاد جراء سياسة حجب الشبكة العنكبوتية تبلغ 450 مليار ريال في الساعة (أي ما يعادل 1.5 مليون دولار).
في غضون ذلك، كشف سكرتير نقابة المهن الناشطة في الفضاء الافتراضي، رضا ألفت نسب، عن أن معيشة 10 ملايين إيراني مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالشبكة العنكبوتية، وأن حجب الإنترنت يستهدف مباشرة معيشة هؤلاء ومصدر أرزاقهم.
وبحسب المصدر نفسه، فإن نحو مليون ناشط اقتصادي في إيران يتخذون من منصات التواصل الاجتماعي لا سيما "إنستجرام"، فضاء لبيع البضائع والإعلانات وغيرها من النشاطات التجارية، وأن قطع الإنترنت يكبد الاقتصاد الوطني نحو 30 ألف مليار ريال يوميًا.
وإلى ذلك، ذكر تقرير أصدرته الغرفة التجارية الإيرانية، مؤخرًا، نقلًا عن رجال الأعمال والمستثمرين، أن الأنشطة الاقتصادية انخفضت بشدة، خاصة في قطاع الخدمات، وذلك بسبب تعطل الإنترنت، مؤكدًا أن المؤسسات الاقتصادية الخاصة تعاني بسبب انخفاض مستوى الطلب على منتجاتها وخدماتها، حيث انخفض طلب العملاء والمبيعات المحلية في جميع الصناعات، فيما تواجه العديد من الشركات نقصًا في العمالة.
ووفق التقرير، فقد أصبحت أنشطة البنوك "بطيئة للغاية" في مجال تقديم التسهيلات للشركات، وفي كثير من الحالات تفشل في الوفاء بوعودها للشركات التي تقدمت بطلبات للحصول على تسهيلات بنكية.
كما يعترف الإعلام الرسمي الإيراني، بأن الاحتجاجات الأخيرة كبّدت شتى القطاعات الاقتصادية، منها مكاتب الطيران والصرافة والتحويلات المالية والتجارة الرقمية والقطاع الصحي، خسائر كبيرة، فضلًا عن أن سياسة قطع الإنترنت بين الفينة والأخرى ستفقد ثقة الزبائن بالمتاجر الناشطة على مواقع التواصل الاجتماعي.
أسواق بلا زبائن
أثرّت الاحتجاجات العنيفة التي تشهدها إيران حاليًا، على أقدم أسواقها التجارية، وهو سوق "تجريش" في العاصمة طهران، ما أصاب التجار بخسائر كبيرة.
ويقول أحد أصحاب المتاجر في السوق، إنه "حين تبدأ التحركات في فترة المساء عادة، يتوجب عليّ إقفال متجري قبل أربع أو خمس ساعات من الموعد المعتاد، لأسباب تتعلق بالسلامة. عند ذلك، يغلق جميع التجار أبواب محالهم، ويخلو السوق تماما من رواده".
من جهة أخرى، نشر "صندوق النقد الدولي"، مؤخرًا، تقريرًا توقّع فيه أن ينخفض معدل النمو الاقتصادي الإيراني البالغ 3% خلال العام 2022، إلى 2% في عام 2023. ومن المتوقع أن تنخفض نسبة ميزان الحساب الجاري الإيراني إلى الناتج المحلي الإجمالي من 1.6٪ في عام 2022 إلى 1.5٪ في عام 2023.
ووفقًا للبنك الدولي، سيصل النمو الاقتصادي الإيراني إلى 2.9٪ في عام 2023، وهذا التقييم أقل بنسبة 0.8٪ من التوقعات السابقة للبنك الدولي، حيث قدرت المنظمة في تقريرها الصادر في يوليو/تموز معدل نمو الاقتصاد الإيراني بنسبة 3.7٪.
ويبدو تدهور الاقتصاد الإيراني سببا ونتيجة، في الوقت نفسه، للاحتجاجات المستمرة. ففي تقرير لها ذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية أن الاقتصاد الإيراني المتأزم بشكل كبير، يُعد السبب الأبرز في تفاقم الاحتجاجات التي تجتاح البلاد، كما أن هذا الاقتصاد يتدهور أيضًا يومًا بعد يوم جراء تصاعد تلك الاحتجاجات.
وقالت الصحيفة، إنه بعد أن أشعلت شرطة الأخلاق الإيرانية شعلة الاحتجاجات، تتحول المظاهرات الآن إلى حركة أوسع نطاقًا يغذيها غضب الطبقة المتوسطة من الاقتصاد المنهار في البلاد، وسط مخاوف ممن ينتمون إلى هذه الطبقة بالقضاء عليهم.
وأضافت الصحيفة، أن الطبقة المتوسطة في البلاد بدا وأنها تتقلص لأول مرة منذ عقود وسط العقوبات الأمريكية والفساد وسوء الإدارة الاقتصادية، وفي ظل قيادة تلك الطبقة للمظاهرات في عشرات المدن منذ وفاة مهسا أميني في 16 سبتمبر/أيلول، والتي توفيت في أحد سجون شرطة الأخلاق، تم رصد شكاوى أفراد الطبقة المتوسطة وتضخيمها على وسائل التواصل الاجتماعي، وسرعان ما تحولت شكاواهم من حقوق المرأة إلى المطالبة بإنهاء نظام الحكم.
وأوضحت: "حافظت الطبقة المتوسطة على استقرار إيران بعد ثورة 1979، وكانت محركها الاقتصادي وسط العقوبات الأمريكية. واستمرت الطبقة الوسطى في إيران في النمو على مدى العقود الأربعة الماضية لتصل إلى 60٪ من السكان، ولكن الآن، تتعرض هذه الطبقة لضغوط تضخم بنسبة 50٪، مع هبوط العملة الإيرانية إلى أدنى مستوياتها على الإطلاق هذا العام".
ومن جانبه، يؤكد بوريا آستركي، الباحث الإيراني في الاقتصاد السياسي، أن الخسائر تفوق الأرقام المعلنة بكثير، لا سيما بعد سقوط ضحايا جراء الاحتجاجات الأخيرة، موضحًا أنه لا توجد تقديرات دقيقة بشأن الخسائر التي شهدتها الاحتجاجات في المناطق النائية، ومنها أحداث سيستان وبلوشستان.
وأوضح آستركي، أن "بعض الجهات الأجنبية استغلت ما يحدث في إيران لتشديد الضغوط وفرض عقوبات أشد قساوة على الإيرانيين، مؤكدًا أن الخسائر الاجتماعية قد لا تقل عن الخسائر الدولية التي لحقت بالبلاد".
ــــــــــــــــــــــــــ
المصادر:
1- مع استمرار الاحتجاجات.. عام مظلم ينتظر الاقتصاد الإيراني، موقع العربية، 23 أكتوبر/تشرين الأول 2022.
2- خسائر بالمليارات للاقتصاد الإيراني بسبب استمرار الاحتجاجات، موقع الجزيرة نت، 3 ديسمبر/كانون الأول 2022.
3- فناء الطبقة المتوسطة أبرزها.. تداعيات الاقتصاد الإيراني المتأزم واستمرار الاحتجاجات، موقع فيتو، 5 أكتوبر/تشرين الأول 2022.
ابق على اطلاع على النشرة الإلكترونية