أكد النائب البرلماني المصري علاء عابد، النائب الأول لرئيس البرلمان العربي، أن إيران رفضت إشراك الأطراف الإقليمية في "مفاوضات فيينا" بشأن البرنامج النووي الإيراني، لأنها تريد عقد "صفقة منفردة" مع الغرب، معتبرًا أن الاتفاق النووي سيُنهي سياسة فرض العقوبات على إيران، وسيمكنها بالتالي من استعادة قدراتها الاقتصادية والمالية، ومن ثم الإنفاق ببذخ مجددًا على "دورها الإقليمي" المزعوم، ومشروعها السياسي المعادي لمقدرات الأمة العربية.
أضاف "عابد" في حوار شامل مع "شؤون إيرانية"، أن تراجع الدور العربي في حل الأزمات التي تواجه المنطقة منذ عدة عقود، أوجد فراغًا استراتيجيًا كبيرًا استغلته الأطراف الإقليمية والدولية، وعلى رأسها النظام الإيراني، للسيطرة على مقدرات شعوبنا، والزج بها في صراعات طائفية وعرقية، وأن ما يُسمى "الدور الإيراني" يتّخذ من نشر الفوضى والعنف وإثارة الحروب الطائفية ودعم الميليشيات المسلحة ضد الحكومات العربية، أداة لتأكيد النفوذ وتعظيم المصالح الطائفية.
وأكد النائب أن جماعة "الحوثي" اليمنية الإرهابية، ما هي إلا أداة في أيدي إيران التي تسعى جاهدة إلى إحياء وهم "الإمبراطورية الفارسية"، وأنه لابد من تجفيف منابع الدعم الإيراني المستمر لـ "الحوثيين" ووضع قادتهم وعناصرهم على لائحة الإرهاب، وإلزام إيران بتنفيذ قرارات مجلس الأمن الدولي القاضية بحظر تزويد ميليشيا "الحوثي" الإرهابية بالأسلحة..
- لا جدال أن "القومية الفارسية" تبقى عاملًا أساسيًا لا يُستهان به داخل العقل الإيراني، والمشكلة الرئيسية مع القومية الفارسية، هي أنها تعطي للإيرانيين، دولة وشعبًا، افتراض أنهم "يتفوقون" على جيرانهم عرقيًا وفكريًا وأخلاقيًا، وهو ما يعني أن لهم الحق في "الوصاية على الآخرين" والتدخل في شؤونهم، ليس لتحقيق مصالحهم العليا، بل لتحقيق المصالح الإيرانية في المقام الأول.
وتظهر كراهية الإيرانيين وانتقاصهم من مكانة العرب بجلاء من خلال المناهج التعليمية، سواء القديمة منها أو المعاصرة، حيث امتلأت كتب التربية والجغرافية والتاريخ بمئات الأمثلة التي تسئ إلى الأمة العربية، من أجل تنشئة الأجيال الفارسية على كره العرب ومعاداتهم. كما ينضح الأدب الفارسي شعرًا ونثرًا قبل الإسلام وبعده بكراهية العرب، وأكبر ملحمة شعرية في الأدب الفارسي هي ملحمة "الشاهنامة"، كتبها في القرن الرابع الهجري أبو قاسم الفردوسي في ستين ألف بيت، وذم فيها العرب ذمًا شديدًا. وهو ما يعني أن مشاعر كراهية العرب متأصلة في نفوس الإيرانيين، وليست وليدة اليوم.
- أعتقد أن ما يسمى "الدور الإيراني" يتّخذ من نشر الفوضى والعنف وإثارة الحروب الطائفية ودعم الميليشيات المسلَّحة ضد الحكومات العربية، أداة لتأكيد النفوذ وتعظيم المصالح، وبالتالي أصبح هذا الدور ضمن الشواغل التي تهمّ الولايات المتحدة والقُوى الإقليمية، لأن هذا السلوك يُترجم إلى نفوذ واسع لإيران، قد يؤثِّر على التوازنات القائمة، وقد يخرج إيران من قوة إقليمية متوسطة إلى قوة أكثر تأثيرًا في الإقليم.
وهناك حاجة ماسة إلى مواجهة هذا المشروع، ووضع استراتيجية فعالة لاحتواء الخطر الإيراني، تُسخّر فيها الإمكانيات المتاحة كافة لمجابهة نظام الملالي، بما يتطلّبه ذلك من بناء تحالفات وتوظيف أمثل لجميع الموارد، ووضع خطط بديلة لكل الاحتمالات الممكنة، ما من شأنه منع إيران من تحقيق مكاسب سياسية وعسكرية واقتصادية على الأرض.
وبات النظام الإيراني، منذ عقود، أحد أهم التحديات التي تواجه البلدان العربية، لا سيما في منطقة المشرق والخليج العربيين، وصولًا إلى اليمن، مستغلًا، في ذلك إنشاء منظمات طائفية مسلحة، وقضية فلسطين، وادعاء المقاومة ومصارعة (إسرائيل)، عبر وسائط محلية.
- ليس في الإمكان مواجهة مشروع يعادي الأمة العربية وشعوبها وأقطارها إلا بمشروع مضاد، يحمل الأبعاد الاستراتيجية الأكثر عمقًا، وتصنعه عقول المفكرين، وتدعمه الحكومات، وتقويه الشعوب. ودون ذلك ستظل المشاريع المعادية للأمة العربية تتوالى في تحقيق نجاحاتها والوصول إلى ما تصبو إليه.
وهذا المشروع المضاد لمخططات إيران التي تستهدف المنطقة، يجب توفيره عاجلًا وليس آجلًا، خاصة أن كل الظروف صارت مهيأة الآن لذلك، فهناك رفض شعبي للتمدد الإيراني في كل من سوريا والعراق واليمن ولبنان، بعد أن أثبتت تجارب هذه الدول أن ملالي طهران لا يريدون خيرًا بشعوبنا، بل إنهم صبوا الزيت على النار، وأشعلوا حروبًا أهلية، وهدموا دولًا كانت مستقرة وراسخة منذ عشرات السنين.
- الواقع أن تراجع الدور العربي في حل الأزمات التي تواجه المنطقة، أوجد فراغًا كبيرًا استغلته بعض الأطراف الإقليمية والدولية، وعلى رأسها النظام الإيراني، بهدف السيطرة على مقدرات شعوبنا، والزج بها في صراعات طائفية وعرقية.
وتهدف الاستراتيجية العربية الموحدة للتعامل مع إيران، التي أقرها البرلمان العربي، إلى وقف جميع تدخلات النظام الإيراني في الشؤون الداخلية للدول العربية، والتصدي لسياساته العدائية التي تهدد الأمن والاستقرار في المنطقة، ومنع تكوين أي ميليشيات مسلحة أو تنظيمات ترتبط بالنظام الإيراني داخل الدول العربية.
وحددت هذه الاستراتيجية مصادر التهديد التي يقوم بها النظام الإيراني، ومنها مشروع "تصدير الثورة" إلى العالم العربي، والذي يُهدد أمن واستقرار الدول العربية، واحتلال الجزر الإماراتية الثلاث، وإثارة الفتنة والطائفية ورعاية الإرهاب ودعم الجماعات الإرهابية، وتكوين ودعم الميليشيات داخل الدول العربية وتزويدها بالأسلحة الثقيلة والنوعية.
ووفق الاستراتيجية المعلنة، فقد تضمنت مصادر التهديد الإيرانية دعم وتسليح ميليشيا "الحوثي" الانقلابية باليمن، وإمدادها بالأسلحة الذكية والصواريخ الباليستية، والطائرات المُسّيرة للعدوان على دول الجوار الجغرافي، والهجمات الإرهابية التي طالت المنشآت النفطية في السعودية، وانتهاك النظام الإيراني للسلامة الإقليمية وتهديد طرق الملاحة البحرية والتجارة العالمية في المنطقة العربية.
- تضمنت الاستراتيجية عددًا من الإجراءات، أهمها إعداد جامعة الدول العربية مذكرة ورفعها إلى مجلس الأمن الدولي بشأن سياسات النظام الإيراني العدائية، وتدخلاته في الشؤون الداخلية للدول العربية، وتكثيف الجهود الدبلوماسية العربية مع الدول والمنظمات الإقليمية والدولية لإيضاح السياسات العدائية للنظام الإيراني التي تهدد أمن الدول العربية.
كما تضمنت الاستراتيجية، كذلك، مطالبة مجلس الأمن الدولي بإلزام إيران بتنفيذ قرارات المجلس بشأن حظر تزويد ميليشيا "الحوثي" بالأسلحة، خاصة القرار رقم 2216، وإلزامها بقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2231 بشأن برنامجها النووي، ووضع "تدخلات النظام الإيراني في الشؤون الداخلية للدول العربية" كبند دائم، على جدول اجتماعات مجالس جامعة الدول العربية مع الاتحاد الأوروبي والاتحاد الإفريقي، ومجموعة دول أمريكا اللاتينية والكاريبي والمنظمات الدولية والإقليمية الأخرى.
- من المسلّم به أن جماعة "الحوثي" الانقلابية، ما هي إلا أداة في أيدي إيران التي تسعى جاهدة إلى تنفيذ استراتيجيتها التوسعية، عبر إحياء وهم "الإمبراطورية الفارسية"، مستخدمة في ذلك سلاح الطائفية، الذي وظفت به العديد من الميليشيات في المنطقة العربية، بعد تدريبها وتمويلها ماليًا وعسكريًا، كأدوات رئيسية لسياستها ومؤامراتها في الإقليم برمته.
وأطلق المتمردون "الحوثيون" على مدار السنوات الماضية، مئات الصواريخ الباليستية والمقذوفات الشديدة الانفجار على مدن السعودية. ولم تتورع الجماعة الإرهابية عن استهداف أقدس الأماكن على وجه الأرض بصواريخها المصنوعة في إيران، حيث شملت المناطق المستهدفة مناطق مكة المكرمة والعاصمة الرياض ومدينتي نجران وجيزان، ونتجت من ذلك الاستهداف خسائر كبيرة في الأرواح والممتلكات
والهجمات الإرهابية المستمرة على كل من السعودية والإمارات، ما هي إلا حلقة من حلقات الاعتداءات الآثمة على الأبرياء في المنطقة، والتي ما زالت تواجه بالتنديد والشجب والاستنكار، وهو أمر صحي في العلاقات الدبلوماسية، ولكن الوضع يتطلّب ما هو أهم من ذلك الدعم الدبلوماسي، ألا وهو تجفيف منابع الدعم الإيراني الذي يصل إلى "الحوثيين"، ووضع قادتهم وعناصرهم المعروفين للعالم من خلال ظهورهم الإعلامي، على لائحة الإرهاب.
ولا يمكن اعتبار هجمات النظام الإيراني "عبر وكلائه" ضد السعودية والإمارات، مظهرًا من مظاهر القوة، بل يقف خلفها ضعف إيراني غير مسبوق، فهو اليوم يدفع الفاتورة من حسابه الشخصي، فإيران تخسر كثيرًا بسبب الحصار الأمريكي، بعد أعوام من الدمار، الذي تسببت فيه ودفعت الفاتورة شعوب عربية بدمائها.
- التدخل العربي في الأزمة اليمنية المستمرة منذ عام 2014 حتى الآن، أحدث توازنًا عسكريًا، وأوقف المد الشيعي "الحوثي" إلى حد كبير، وأرجع بعض المدن اليمنية إلى أحضان الدولة التي استلبها "الحوثيون" تحقيقًا لاستراتيجية إيران الرامية إلى السيطرة على أكبر عدد من العواصم العربية عن طريق الوكلاء.
وطوال أكثر من 6 أعوام من مواجهة "الحوثيين"، لم يتوقف دور التحالف العربي في اليمن على الإسناد العسكري، لكنه امتد أيضًا للمبادرات السياسية لإنهاء الصراع. وفي مواجهة المبادرات المباشرة والمقترحات وفترات الهدنة، انقلبت ميليشيا "الحوثي" على ستة اتفاقات عُقدت بإشراف الأمم المتحدة، أو استغلتها لكسب الوقت للتمدد العسكري وتغير معادلة القوة على الأرض، ما يعني أن استعادة حيوية مسار السلام تستوجب إضعاف "الحوثيين" عسكريًا، إلى الحد الذي يجبرهم على الانخراط مجددًا في المفاوضات التي يسعى المبعوث الأممي الجديد إلى تنشيطها على الرغم من الصعوبات التي تواجهها حاليًا.
- السبب الأساسي في هذا الرفض الإيراني، هو أن نظام الملالي الحاكم في طهران يريد الانتهاء من الملف النووي، وعقد صفقة منفردة مع الغرب، تتيح لإيران مواصلة تدخلاتها الإقليمية في المنطقة، بما قد تحصل عليه من موارد مالية ونفوذ سياسي، وهذا جزء من عدوانية النظام الإيراني، الذي سيبقى هو العدو الأكثر تشددًا في عدائه للعرب، وسيواصل تدخله في الشؤون العربية، وسيستمر في القيام بمحاولات التمدد داخل العواصم العربية، ولن يتوقف عن خلخلة أمن واستقرار الحكومات العربية، بل والتعرض وبكل وقاحة لقراراتها وسياساتها الداخلية ناهيك عن الخارجية، وذلك من منطلقات طائفية محضة.
ومن المؤكد أنه كان ينبغي إشراك جميع الأطراف الإقليمية في مفاوضات فيينا بشأن البرنامج النووي الإيراني، وأن تكون السعودية طرفًا أصيلًا في هذه المفاوضات، لأن إيران ليست بطبيعة الحال هي القوة الإقليمية الأكثر تأثيرًا في المنطقة، خاصة إذا ما نظرنا إلى دور المملكة في العالم الإسلامي وتأثيرها الإيجابي الكبير.
- بطبيعة الحال، الاتفاق سيُنهى العقوبات على إيران، وسيمكنها من استعادة قدراتها الاقتصادية والمالية، ومن ثم الإنفاق ببذخ على دورها الإقليمى ومشروعها السياسى. كما أنه لن يمس الثوابت الإيرانية الثلاث: لا مساس بالقدرات الصاروخية الباليستية. لا مساس بالسياسة الإقليمية لإيران، ولا دخول لأطراف جديدة فى الاتفاق سواء كانت إسرائيل أم دول خليجية. ناهيك عن أنه سيحفظ لإيران منشآتها النووية سليمة. وهذه بعض المكاسب التي ستحققها طهران من "الصفقة النووية".
- على إدارة الرئيس جو بايدن التروي والحذر في تعاملها مع إيران، ومراجعة الاتفاق النووي بتأنّ قبل التفكير بالعودة إلى نص اتفاق سقطت منه عمدا النقاط الأساسية المتعلقة بأمن المنطقة العربية. أي نص اتفاق جديد عليه معالجة وضع الجماعات الإرهابية المسلحة التابعة لإيران بشكل واضح وعلني، بما يشمل التخلي عن السلاح، وسحب الخبراء العسكريين الإيرانيين والفيالق الأجنبية التابعة لإيران من الدول التي تنتشر فيها.
وعلى الولايات المتحدة أيضًا عدم التسرع برفع العقوبات دفعة واحدة، بل جدولة رفع العقوبات وربطها بالتزام إيران ببنود أي اتفاق جديد دون تأخير أو تقصير. والأهم هنا تدعيم الاتفاق بجدول واضح من العقوبات الصارمة، والمضاعفة في حال قيام الطرف الإيراني بمحاولة التملص من التزاماته أو خرق الاتفاق علنا، أو في الخفاء.
- شن ضربة عسكرية ضد المنشآت النووية الإيرانية مسألة بالغة الخطورة والتعقيد، سيكون لها تداعيات خطيرة على المنطقة برمتها، لكنها مطروحة على الطاولة رغم ذلك، خصوصًا أن إيران لم تبد أي نية في تحقيق تقدم ملموس في المفاوضات.
وهناك أكثر من احتمال في هذا الصدد، الأول هو أن (إسرائيل) لن تبادر أبدًا بشن الحرب ضد إيران دون مساعدة أمريكية، خاصة أن تعرض إيران لضربة إسرائيلية مباشرة بضربات صاروخية أو غارات جوية، سيحول الأمر إلى حرب واسعة النطاق، يُتوقع أن تواجه فيها تل أبيب هجمات صاروخية مكثفة موجهه إلى معظم مدنها من جانب أذرع إيران في المنطقة، وتحديدًا في لبنان والعراق وسوريا واليمن؛ وقد نشرت طهران خريطة بهذه المواقع الإسرائيلية المستهدفة، في نفس الوقت الذي ستغلق فيه "مضيق هرمز" لمنع وصول إمدادات البترول إلى أوروبا، أما "حزب الله" اللبناني فسوف يشارك بصواريخه في هذه الحرب، وربما ستضطر سوريا لمساندة إيران أيضا سواء بشكل مباشر، أو من خلال السماح لميليشيات "فيلق القدس" الإيراني بشن هجمات صاروخية على تل أبيب. وهو سيناريو لا تستطيع إسرائيل مواجهته منفردة.
أما الاحتمال الثاني، فهو أن إسرائيل قد تبدأ الحرب المفترضة في الربيع المقبل بقصف جوى مكثف لإيران بطائرات إف 35 الأحدث والأقوى في العالم، بالإضافة إلى الطائرات المسيرة المخزنة بالمئات في أرمينيا، إضافة إلى عمليات تخريب واسعة تقوم بها عناصر تابعة لـ "الموساد" داخل إيران. غير أن الضربة الإسرائيلية لن تنجح في تحقيق أهدافها دون مشاركة الولايات المتحدة، فأمريكا هي القوة العسكرية الوحيدة فى العالم التى تستطيع أن تدمر البرنامج النووي الإيراني بشكل كامل.
ابق على اطلاع على النشرة الإلكترونية