«الحرس الثوري».. حاكم إيران الخفي

- 14 إبريل 2022 - 256 قراءة

تمر قريبًا ذكرى إنشاء "الحرس الثوري"، الذي دشنه زعيم الثورة الإيرانية موسوي الخميني في الخامس من مايو/أيار عام 1979، وأصبح منذ إنشائه حتى الآن "دولة فوق الدولة". وقال الخميني في أحد خطبه الشهيرة: "لو لم يكن حرس الثورة ما كانت الجمهورية الإسلامية، وإني أوُقر أفراد الحرس وأُحبهم وعيني عليهم، فلقد حافظوا على البلاد عندما لم يستطع أحد ومازالوا، إنهم مرآة تجسد معاناة هذا الشعب وعزيمته في ساحة المعركة".

ومن أبرز الأمور التي دفعت الخميني إلى تأسيس "الحرس" هو حاجة الثورة وقتها إلى الاعتماد على قوة مستقلة عن نفسها، بدلًا من الاعتماد على قوات ووحدات النظام السابق. وباعتباره واحدة من أول المؤسسات الثورية، فقد ساعد "الحرس" وقتها في إضفاء نوعم من الشرعية على الثورة، وأعطى الحكومة الجديدة دافعًا لمواصلة ما كانت تقوم به من "تدابير ثورية"." ضد المعارضين.

وهكذا، تشكّل "الحرس" أو "الباسدران" باللغة الفارسية، في محاولة لتوحيد العديد من القوات "شبه العسكرية" في قوة واحدة موالية للحكومة الجديدة؛ لكي تعمل على مكافحة النفوذ والسلطة ضد الجيش النظامي الذي كان مواليًا للشاه في تلك الفترة. وذلك لحماية الثورة ومساعدة رجال الدين في تثبيت أركان حكمهم من خلال تأسيس حكومة (إسلامية) جديدة.

وساهم "الباسدران" وقتها في تثبيت كل السكان والقوات المسلحة النظامية التي كان يتخوف الخميني من إمكان قيامها بانقلاب جديد ضده. وهكذا حقق "الحرس" شهرة امتدت لدول الخليج فيما بعد، كما ساعد على إعادة الإعمار، وتوطيد دعائم النظام الجديد في إيران.

 

"حراسة" الثورة

 

يتشكل "الحرس" من نحو 125 ألف عسكري، ويتكون من كل أفرع الأسلحة المختلفة في الجيوش العاملة، بما في قوات المشاة البرية، وسلاح المدفعية، والقوات الجوية والبحرية، وسلاح المهندسين العسكريين، وغير ذلك. كما يتحكم أيضًا في قوات "الباسيج" شبه العسكرية، والتي تتألف من عشرات الميليشيات التي تضم حوالي 90 ألف فرد.

وحددت المادة 150 من الدستور الإيراني لعام 1979 دور "الحرس الثوري"، حيث جاء فيها: "تبقى قوات حرس الثورة الإسلامية، التي تأسست في الأيام الأولى لانتصار هذه الثورة، راسخة ثابتة من أجل أداء دورها في حراسة الثورة ومكاسبها، ويحدد القانون وظائف هذه القوات ونطاق مسؤوليتها بالمقارنة مع وظائف ومسؤوليات القوات المسلحة الأخرى، مع التأكيد على التعاون والتنسيق الأخوي فيما بينها".

أما "قانون الحرس الثوري"، فيحدد مهامه على الصعيد الداخلي والخارجي في أربع نقاط أساسية هي: حماية الثورة وأمنها، دعم حركات التحرر في العالم، حراسة الثورة وقادتها وأهدافها من العدو الأمريكي والصهيوني وعملائهم في المنطقة، ومسؤولية الحفاظ على أمن الحدود.

ويومًا بعد يوم، حوّلت الصلاحيات الواسعة التي حصل عليها "الحرس" في الداخل بحجة الدفاع عن مصالح البلاد الاقتصادية والسياسية والعسكرية والدبلوماسية، من مجرد ذراعٍ عسكرية للثورة، إلى "دولة على حدة"، وإلى مركز قوة امتد نفوذها في كل شرايين الحياة داخل البلاد.

في البداية، كان "الحرس" يضم خليطًا غير منظم من مجموعات محلية مستقلة، ومن فدائيي المدن وميليشيات رجال الدين، والمتشددين الآخرين الموالين للخميني. حيث ساعدت كل هذه الجماعات في حشد التأييد للخميني في الشارع عقب انتصار الثورة. فكان "الحرس" بمثابة "سلاح المؤمنين"!

وفي كتابه "الحرس الثوري الإيراني.. نشأته وتكوينه ودوره"، يقول الكاتب الأمريكي كينيث كاتزمان إنه لا يكاد يخلو مكان في إيران من وجود الحرس الثوري. ولقد جرى تجميع عناصر هذا الجهاز في الفترة التي تلت الثورة الإيرانية مباشرة بطريقة عشوائية، على هيئة ميليشيا ضعيفة التدريب والتنظيم، لكي تساعد الخميني وأتباعه في توطيد سلطتهم في طهران.

 

دولة داخل الدولة

 

اختلفت النُخب السياسية الحاكمة داخل نظام الملالي على واجبات ومسؤوليات "الحرس"، بينما عمد القادة باستمرار إلى زيادة نطاق مهام هذه القوات شبه النظامية. ومن ثم، اتسعت اهتمامات "الحرس الثوري" لتشمل المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية، التي حوَّلتها إلى فاعل سياسي ينظر إلى التطورات في إيران من خلال منظور أيديولوجيتها. كما أن النظرة الأيديولوجية السياسية لـ "الحرس" قد جرّته أيضًا إلى المجال السياسي، فأصبح أهم نخبة سياسية - عسكرية في إيران، ودولة داخل الدولة.

وعمل "الحرس" على تحقيق نفوذ سياسي كبير في داخل البرلمان الإيراني، ففي الانتخابات التشريعية الخامسة (1996-2000) أصدر "الحرس" قائمة "أنصار حزب الله"، والتي أصبحت تمثله في العمل السياسي بشكل مباشر، وأما في البرلمان السادس (2000-2004) فقد حصل "الإصلاحيون" على الأغلبية البرلمانية، وطالبوا قوات الحرس بالابتعاد عن السياسة.

وردًا على ذلك، قال يحيى رحيم صفوي القائد السابق للحرس: "إن المشاركة في سياسة البلاد من أجل محاربة المخربين، وأعداء الثورة الإسلامية، وهذه من مهمات قوات الحرس".

وفي البرلمان السابع (2004-2008) تمكن "الحرس" من الحصول على 100 مقعد في مجلس الشورى، ورئاسة 12 لجنة من أصل 23 لجنة، وأهمها لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية.

وبذلك، لعب "الحرس" دورًا في التأثير على القرارات السياسية، وبات حاكم إيران الخفي. ومن الأمثلة على هذا التأثير الكبير ما حدث عام 2004، حين افتتح الرئيس الأسبق محمد خاتمي مطار الإمام الخميني الدولي. وكانت الحكومة الإيرانية قد وقعت اتفاقية مع شركة خدمات تركية لإدارة المطار، ولكن "الحرس" اعترض عليه بدعوى خطر ذلك على الأمن القومي للبلاد، لذلك مارس تأثيره بالضغط على مجلس الشورى، والتي كانت غالبيته من التيار المحافظ الداعم له، ما أدى إلى إبطال تلك الاتفاقية بشكل نهائي.

وبلغت ذروة تدخل "الحرس" في السياسة الإيرانية الداخلية خلال فترة حكم محمود أحمدي نجاد عندما نجح في الانتخابات الرئاسية عام 2005، فقد وصل عدد الوزراء القادمين من "الحرس" في فترة حكمه الأولى إلى تسعة وزراء، هم: «وزير الطاقة، وزير الرعاية الاجتماعية، وزير الصناعات، وزير المناجم، وزير الثقافة والإرشاد الإسلامي، وزير النفط، وزير الدفاع، وزير التجارة ووزير العدل».

ومنذ نجاح الثورة الإيرانية، وحتى الوقت الراهن، لعبت قوات "الحرس" الدور الأهم في الدفاع عنها. وهذا الدور المهم تم تأكيده خلال لقاء المرشد علي خامنئي مع قيادات "حرس الثورة" في سبتمبر/أيلول 2007، عندما قال: «إن حرس الثورة من نعم الله التي أنعم بها على البلاد والشعب الإيراني».

وأضاف خامنئي: «إن هذه النعمة التي كانت لها بركات كثيرة خلال المراحل المختلفة من الأعوام الـ(28) الماضية، لا سيما في فترة الدفاع المقدس، تمكنت من إسداء خدمات كثيرة وجليلة للبلاد من خلال المحافظة على جوهرها المتمثل بالعنصر العسكري في سبيل الله، والجهوزية للتضحية في سبيل الهدف».

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المصادر:

  1. إيران هي «الحرس الثوري»، موقع الشرق الأوسط، 25 يناير/كانون الثاني 2022.
  2. الدور المركزي للحرس الثوري الإيراني- دراسة في مواقف المحافظين والإصلاحيين، موقع المركز العربي للبحوث والدراسات، 19 أغسطس/آب 2019.
  3. الدولة الموازية للحرس الثوري في إيران، موقع مركز المسبار للدراسات والبحوث، 20 مايو/أيار 2019.
  4. دور الحرس الثوري في صنع القرار السياسي في إيران، موقع جامعة الأزهر فرع غزة، بدون تاريخ.

 

 

النشرة الإخبارية

اشترك في النشرة الإخبارية

ابق على اطلاع على النشرة الإلكترونية

معلوماتك فى امان معنا! إلغاء الاشتراك في أي وقت.