الحرية للقائد أوجلان... الحرية للكُرد

- 19 ديسمبر 2023 - 527 قراءة

تأبي الأنظمة التركية المتعاقبة منذ نحو 24 عامًا، إطلاق سراح القائد الكُردي المناضل عبد الله أوجلان، طائر الحرية الأسير، الذي تم اعتقاله في فبراير/شباط عام 1999 بمدينة نيروبي عاصمة كينيا وتهريبه إلى تركيا، وسجنه منذ ذلك التاريخ في سجن "إمرلي".

وترفض الدولة التركية حتى رفع العزلة عن عبد الله أوجلان، لأنها تعرف أكثر من غيرها ماذا تعني حريته للشعوب المضطهدة في المنطقة، خصوصًا أن القائد أوجلان، يعتمد برنامجًا سياسيًا ديمقراطيًا يدعو إلى الإخاء والسلم بين كافة المكونات، كما أن تجربة "الإدارة الذاتية" هي تطبيق حي لمفهوم "الأمة الديمقراطية" الحقيقية، التي يتعايش في ظلها مكونات وأعراق وتيارات وأحزاب سياسية مختلفة.

تفرض السلطات التركية عزلة مشددة بحق القائد عبد الله أوجلان، عبر خلق ذرائع وحجج، وصلت إلى منعه من السير ضمن باحة السجن، ومنع اللقاء بمحاميه وذويه.

وتواصل الدولة التركية اعتقال أوجلان؛ لأنها اليوم في ظل زعامة رجب طيب أردوغان، المُمعن في معاداة قيم العصر والديمقراطية وحقوق الإنسان بشكل غير مسبوق في التاريخ الحديث.

 

الحرية لـ "أوجلان"... الحرية للكُرد

 

لا جدال أن تجربة حزب "العمال الكردستاني" في أجزاء كردستان، تعد نموذجًا سياسيًا وحضاريًا يُحتذى به، من أجل تحقيق الحرية والعدالة على أرض الواقع.

وهنا تكمن حقيقة المؤامرة التي أراد بها الاستعمار الحديث ممثلًا في القوى الدولية الساعية إلى شل إرادات الشعوب عبر تغييب قياداتها وعقولها المستنيرة، إما بالقتل أو بالسجن، وبالتالي تكون إرادة شعوبها منقسمة ومُغيّبة.

"إن الحرية للقائد أوجلان، تعني الحرية للكُرد، وإنهاء عزلته وتحريره جسديًا، وتمكينه من ممارسة دوره السياسي، هو الطريق الوحيد لحل النزاعات بين الكُرد والدولة التركية، وبل دول الشرق الأوسط عمومًا، فالإرادة السياسية للشعب الكُردي، هي القائد أوجلان الذي يمثّل مفتاح الحل للمشكلة الكردية، لأنه قد أثبت بمقاومته التاريخية، في سبيل إرساء السلام والكرامة وأخوة الشعوب في المنطقة، أنه الدرع الصامد ضد أشكال الاضطهاد والظلم والتعذيب".

ويطالب الكثيرون، من الكُرد وغيرهم، بحرية القائد عبد الله أوجلان، فمن حقه أن يعيش حرًا، وأن يمارس حق الأمل ويُفرج عنه، ولكن الدولة التركية حرمته من حق الأمل أيضًا.

وفي ظل هذا الجو المحموم في مجال مصادرة الحريات العامة، يصبح من البديهي أن تنال حرية المفكر القائد والمناضل الأممي أوجلان، حصة الأسد من الانتهاكات والظلم والتوحش، ذلك لأن أفكار القائد وطروحاته تجري على النقيض من السياسات القومية والعقائدية المستبدة، التي يتبناها حكام تركيا بزعامة أردوغان.

لذلك يصبح حريًا بصناع الاستبداد أن يناصبوا العداء لهذا القائد الملهم والفذ، لكي ﻻ تتحول أفكاره إلى قوة مادية، وإلى فعل تاريخي يقوض حكمهم ويذهب بأفكارهم وأوهامهم الماضوية المريضة إلى مزابل التاريخ، فالخوف من أفكاره التنويرية عميق وكبير عند الطغاة.

أما لماذا ترفض تركيا إطلاق سراحه وفك عزلته، فلأنها تعرف أكثر من غيرها ماذا تعني حرية أوجلان، وماذا تعني "الأوجلانية" للشعوب المنضوية تحت سقف الدولة التركية ولشعوب المنطقة، بصفتها فكرًا سياسيًا نهضويًا يحرر هذه الشعوب من مغالطات تاريخية عديدة، ويمثل النقيض والعدو الحيوي لخطاب الدولة التركية القومي المستبد والمزعوم.

 

سر اعتقال القائد

 

تجاوز أوجلان بأفكاره وفلسفته السياسية مفهوم الأمة، وحملت أفكاره الواردة في مؤلفاته وخطبه الكثير من الطروحات التي تجاوزت عصره ومنطقته، إلى رحابة الفكر الإنساني الخالص.

ورغم خضوعه للأسر في سجون تركيا منذ 24 عامًا، أصبح "القائد آبو" يجسد فلسفة الحياة الحرة والتحول الديمقراطي، وكذلك النضال المستمر والناجح وحرية المرأة، وبالتالي بات أوجلان منظومة متكاملة للحرية والديمقراطية لمعظم الشعوب والإنسانية، لأسباب عديدة، من بينها كونه البديل الوحيد والقادر على إعطاء سبل الحلول الديمقراطية للقضايا العالقة في منطقة الشرق الأوسط والعالم، وتقديم طرح بديل للهيمنة العالمية ونهبها وأدواتها من الدول القومية والتبعية.

وهنا ذهب أقطاب النظام العالمي إلى أبعد حد، وهو محاولة القضاء على أوجلان، وهي محض أوهام، لأن الفكر لا يُواجه إلا بالفكر، ولأن محاولة تحجيمه أو "ترويضه" لن تجدي نفعًا.

وبأسلوبه الخاص، استطاع أوجلان الصمود في وجه الأنظمة التركية المتعاقبة وإنقاذ نفسه وشعبه من الموت المحكم، وبل طرح حلولًا ديمقراطية وأخوة الشعوب والتعايش المشترك، هنا أدركت قوى الهيمنة العالمية أهمية وقوة واستقلالية وقدرة القائد على التأثير على الفواعل الديمقراطية الكردية، وفي مجمل المنطقة والعالم وقواها المجتمعية والديمقراطية، وعلى الاستراتيجيات المرسومة من قبلهم، ولذلك مازالوا مصرين على العزلة التي تعني الموت على الشعب الكردي والقوى الديمقراطية والشعوب الساعية إلى الحرية في شخص القائد.

وخلال السنوات العشرة الأخيرة، ومع حالات التحركات الشبابية والجماهيرية، أدركت قوى الهيمنة العالمية وأداتها الوظيفية وهي الدولة التركية، أن للقائد أوجلان فكرًا ورؤية وتأثيرًا كبيرًا، لا يصل إلى الشعب الكردي في الأجزاء الأربعة وخارجها، وإلى شعوب المنطقة المنتفضة والمطالبة بالحرية والديمقراطية فحسب، بل يصل إلى العالم أجمع.

وإن ما تفعله الدولة التركية منذ سنة 2011 بحق القائد من ممارسات غير إنسانية بالمرة، ومنها منع المحامين والعائلة من اللقاء به، وفرض عقوبات وخلق حجج واهية للتضييق عليه في سجنه، كلها أشياء تندرج في إطار التجاوز واغتصاب الحقوق والقوانين، خصوصًا في ظل صمت من المجتمع الدولي، المتواطئ مع تركيا في سياساتها القائمة على الإبادة والعزلة بحق القائد والشعب الكردي والقضية الديمقراطية في المنطقة.

ويتبين من ذلك أن الاتفاقات السرية التي كانت قائمة بين استخبارات نظام الهيمنة العالمية وتركيا، مازالت مستمرة، ولم تتغير على الرغم من تغيير مواقف بعض الدول والسياسيين الذين كانوا ضمن المؤامرة الدولية التي استهدفت الشعب الكردي، واستهدفت الخط الديمقراطي في المنطقة برمتها، في شخص القائد أوجلان وحزب العمال الكردستاني، كقوى تطرح بدائل مجتمعية ديمقراطية متكاملة للهيمنة العالمية ودولها القومية، ونهبها وتحكمها وتقسيمها لدول منطقة الشرق الأوسط.

ومن الصحيح القول إنّ ما تبديه قوى الهيمنة العالمية وأداتها دولة تركيا الفاشية تجاه القائد عبد الله أوجلان من سلوك ومقاربة، هو مؤشر وهو نفس المعاملة ومواقف من قبل قوى النظام العالمي المهيمن تجاه الشعب الكردي، ونضال حريته وحقوقه الطبيعية وتجاه الديمقراطية في المنطقة عمومًا.

ولا شك أن إبقاء أهم قائد لنضال حرية الشعب الكُردي وللقوى الديمقراطية والمجتمعية في المنطقة في السجن لمدة 24 سنة، يعني الاستمرار في إبادة الشعب الكُردي وعدم تقديم أي حلول ديمقراطية لقضية الشعب الكردي وللقضايا الوطنية العالقة، ومنع السبيل أمام مساعي بناء ديمقراطيات حقيقية.

ومهما حدث، ومهما طال الزمن وتعاقبت الأحداث، سيظل أوجلان دومًا "شعلة حرية" لشعوب الشرق الأوسط، أيقونة نضال من أجل استعاده الشعب الكردي بعضًا من حقوقه السليبة، وسيبقى علم القائد وثقافته نبراسًا لشعوب العالم، في سياق تقديم فكر سياسي حقيقي، يرتقي بكرامة الإنسان وحقوقه، في كل زمان ومكان.

النشرة الإخبارية

اشترك في النشرة الإخبارية

ابق على اطلاع على النشرة الإلكترونية

معلوماتك فى امان معنا! إلغاء الاشتراك في أي وقت.