العرب والكُرد... أصدقاء الماضي وشركاء الحاضر

- 19 ديسمبر 2023 - 261 قراءة

القائد عبد الله أوجلان: الكُرد في حاجة إلى تبني «دبلوماسية فعالة» بينهم وبين جيرانهم العرب

 

عشرات المقاتلين الكُرد اليساريين قاتلوا ضد إسرائيل في جنوب لبنان مع فصائل عسكريّة فلسطينيّة

 

العلاقة بين العرب والكُرد ليست صراعًا... بل هي علاقة تاريخية تتخللها محبة ومصاهرة ووئام

 

 

عانت المنطقة العربية منذ تفكك الدولة العثمانية في العقد الثاني من القرن العشرين، نزاعات وصراعات دينية وقومية، وحتى قبلية، تنشب بين الحين والآخر، ما جعلها منطقة سياسية ملتهبة، بمعنى الكلمة.

غير أن العرب والكُرد ظلوا على الدوام وحدة واحدة، في قلب هذه النزاعات، وكانوا بمثابة أصدقاء الماضي وشركاء الحاضر. ولعل التاريخ خير شاهد على ذلك، ففي عام 1923، عندما اجتاحت القوات الغازية الفرنسية منطقة الجزيرة السورية، وارتكب الحاكم (القائم مقام) الذي وظفته فرنسا جاسم أفندي وعساكره تجاوزات غير أخلاقية ومارسوا الظلم بحق شعوب المنطقة.

ردًا على ذلك، وبمساعدة كرد من جنوب كردستان، ثار كُرد وعرب من قبيلة الجوالة ضد الفرنسيين في قرية بياندور لإنهاء القمع الفرنسي. وبالتعاون مع الكُرد والعرب ونتيجة للحرب التي استمرت ثلاثة أيام، انسحبت القوات الفرنسية من القرية، وقتل الحاكم جاسم أفندي.

ويرى بعض المراقبين أن ما يُسمى "الصراع العربي الكُردي" إنما هو محض أكاذيب، وهو إحدى تداعيات هذه النزاعات التي تعاني منها المنطقة منذ زمن بعيد.

ليس بالأمر الجديد، أن يخيب ظن الكُرد من قبل الدول العظمى، فهو شيء مستوحى من التاريخ، بل أن العرب أبرياء من دماء الحرية الكُردية، وعلى الكُرد أن يعوا أنهم والعرب ضحية جريمة واحدة قطعت أوصالهم ونهبت حريتهم تحت مسمى "سايكس بيكو".

وعلى الكُرد أن يعوا كذلك، أن تلك الحدود التي خطت على الرمال، ليست من صنع العرب، وتلك الحكومات والقيادات ليست من صنع العرب، وكما قطع المستعمرون أوصال الأمة الكُردية إلى أربع مناطق قاموا بتقطيع أوصال الوطن العربي إلى واحد وعشرين جزءًا، واقتطعوا من الدولة العثمانية الكثير ما يندى له الجبين، ولذلك لا يمكن أن يُنظر للقضية الكُردية إلا من منظور العدو الواحد والضحايا المتعددون. لأن العرب والأتراك هم ضحية حالهم كحال الكُرد، والجلاد الذي بطش بسوطه عليهم وعلى الكُرد، هو من خط تلك الحدود على الرمال، وأزّم المنطقة بمشاكله اللاإنسانية.

 

الكرد والقضية الفلسطينية

 

على مدار عقود طويلة، اتهُم الكُرد بدعمهم (إسرائيل) ومعارضة القضية الفلسطينية. وإلى جانب النزاع العرقي، فإن القضية الحقيقية بين الكُرد والعرب هي أن أحد الأطراف يريد جر الآخر إلى المشاركة في حروبه.

وفى ذات الوقت، تحاول بعض وسائل الإعلام العربيّة وأحيانًا التُركية والإيرانيّة، تبرير الجرائم الّتي يتعرض لها الكُرد منذ عقود في سوريا والعراق وتركيا وإيران

ويجدر الإشارة هنا إلى أن الكُردي ليس عربيًا وليس مجبرًا ولا مطلوبًا منه إعلان عداوته لأعداء العرب. ثم ثانيًا، لماذا يجب أن يكون الكُردي ضد (إسرائيل) بسبب احتلالها للدولة الفلسطينية أو للجولان، بينما لا يُفرض الأمر ذاته على العرب، باعتبار أن تركيا بالنسبة للكُرد هي دولة تحتل أراضيهم، ورغم ذلك لم يسمع يومًا أن الكُرد طالبوا الشعوب العربية أو الدولة السورية والعراقية بإعلان العداء للأتراك أو بطرد السفراء الأتراك من دمشق أو بغداد.

ويرى العرب بغالبيتهم والسوريين المعارضين لنظام بشار الأسد بشكل خاص، (إسرائيل) وحدها دولة احتلال، في حين أن تركيا تحتل مساحة جغرافية كبيرة من سوريا قديمًا مثل لواء إسكندرون وجرابلس والباب وعفرين حديثًا. هذا ناهيك عن الاحتلال العثماني للبلدان العربيّة لعدة قرون. وربما يكون التبرير الأوضح لذلك هو أن تركيا دولة إسلاميّة.

ومن ثم، فإن من يتضامن مع الفلسطيني ضد (إسرائيل)، عليه أن يتضامن مع الكُردي ضد تركيا ودول أخرى تحتل أراضيه، وإلاّ فإننا سنكون أمام معادلة مليئة بالازدواجية في التعامل مع شرعية حقوق الإنسان والحريات والمعتقدات.

وبالتالي، كيف يمكن لمن يطلب من الآخر أن يكون ضد (إسرائيل) لجرائمها على شعبه وأراضيه، أن يقف مع آخرين مارسوا أبشع الجرائم وأعنفها ضد الكُرد في التاريخ المعاصر؟

ولا بدّ من التذكّير أن (إسرائيل) لم تكن يومًا إلى جانب الكُرد، وأن عشرات المقاتلين الكُرد اليساريين قاتلوا ضد (إسرائيل) في فلسطين وجنوب لبنان مع فصائل عسكريّة فلسطينيّة، وكانوا في غالبيتهم من مقاتلي حزب العُمال الكُردستاني ذو التوجّهات اليساريّة في الثمانينات من القرن الماضي.

 

دبلوماسية القائد أوجلان العربية

 

كان عبد الله أوجلان وحركته من أوائل الحركات الكُردية المجتمعية الديمقراطية، التي عملت على بناء علاقات وتحالفات مع شعوب المنطقة ومنها الشعب العربي، والسعي لتطوير تلك العلاقات إلى شراكات استراتيجية.

ولعل قدوم القائد أوجلان بعد انقلاب 1980 في تركيا إلى الشعوب والبلدان العربية في الشرق الأوسط، رغم توفر إمكانية الذهاب لأوروبا أو غيرها، وكذلك عمله الدائم لمدة 20 سنة لبناء العلاقات مع الشخصيات والتيارات والعشائر والقوى المجتمعية والسياسية العربية وعلاقته مع الحركات الفلسطينية في الثمانينات ومعركة قلعة الشقيف، وكذلك انضمام العديد من العرب إلى حزب العمال الكردستاني ومقاتلي الكريلا ومنهم الشهيد عزيز عرب وغيرها.. كلها شواهد للممارسة الفعلية والرغبة الحقيقية والرؤية الاستراتيجية للعلاقات بين الشعوب ومنها العلاقة العربية- الكُردية.

ويؤكد القائد أوجلان أن الكُرد بحاجة إلى دبلوماسية فعالة بينهم وبين جيرانهم العرب، حيث لهذه الفعاليات الدبلوماسية دور إيجابي وهام في الحفاظ على وجود الكُرد ونيل حريتهم. وأن الشعب الكُردي كان من أكثر من تعرض للألاعيب الدبلوماسية عالميًا خلال القرون الماضية.

ويقول الكاتب والباحث أحمد شيخو، إنه في ظل الأزمة السورية ودخولها في العقد الثاني، لو نظرنا للوضع في سوريا وللمشاريع التي ظهرت، في المراحل المختلفة من الأزمة السورية، نجد أن مشروع الإدارة الذاتية الديمقراطية لشمال وشرق سوريا هو الذي جسّد ثقافة المنطقة وقيمها وإرادتها وتنوعها الغني.

ويضيف شيخو: ولو دققنا في مشروع الإدارة الذاتية نجد أنها مشروع قائم على تعزيز وتمتين العلاقة بين شعوب المنطقة وعلى رأسهم الشعبان العربي والكُردي وغيرهم. وما حققته الإدارة الذاتية الديمقراطية وقوات سوريا الديمقراطية للشعبين من تحرير ملايين العرب والكُرد من "داعش" والتنظيمات الإرهابية، وكذلك من تحقيق الاستقرار وتوفير سبل الحياة والعيش الكريم رغم كل الظروف القاسية وحالة الحصار والهجمات المستمرة. كل ذلك، يؤكد أن العلاقة العربية- الكُردية القائمة هي علاقة على أسس ديمقراطية وصحيحة، وتخدم قضايا ومصالح شعوب شمال وشرق سوريا، وقد حافظت هذه العلاقة ودافعت عن وحدة سوريا وسيادتها في وجه الاحتلال التركي، كما مقاومة قوات سوريا الديمقراطية في منطقة عفرين وكما حصل في مواجهة الاحتلال التركي في "رأس العين وتل أبيض".

أخيرًا، فإن العلاقة بين العرب والكُرد ليست مطلقًا علاقة صراع، بل هي علاقة تاريخية تتخللها محبة ومصاهرة ووئام، ولا بد للعقلاء والمثقفين العرب والكُرد من اتخاذ خطوات وطنية ودعم مبادرة حقيقية لإعادة الثقة والألفة بين أبناء الوطن الواحد.

ــــــــــــــــــــــــ

المصادر:

1- الصراع العربي الكُردي.. قضية منطقة وأزمة تاريخ، موقع الجزيرة نت، 16 مايو/آيار 2015.

2- المعايير الثلاثية: الأكراد والإسرائيليين مقابل العرب والإيرانيين والأتراك، موقع فكرة، 2 مايو/آيار 2018.

3- لماذا لا يثق أغلب الأكراد السوريين بالخطاب العربي والإسلامي؟ موقع الجزيرة نت، 4 نوفمبر/تشرين الثاني 2019.

4- لن يبكي أحد على الأكراد، موقع العرب، 2 سبتمبر/أيلول 2023.

النشرة الإخبارية

اشترك في النشرة الإخبارية

ابق على اطلاع على النشرة الإلكترونية

معلوماتك فى امان معنا! إلغاء الاشتراك في أي وقت.