«العنف المقدس».. كيف استباحت الميليشيات 4 عواصم عربية؟

- 18 مايو 2022 - 875 قراءة

الميليشيات استثمرت في الطائفية.. وجمعت التبرعات تحت شعارات مذهبية.. وأطلقت الفتاوى الدينية لاستحلال النهب والسرقة

 

برلمانى إيرانى: صنعاء رابع عاصمة عربية "تسقط" بعد بغداد وبيروت ودمشق!

 

إيران تشن "حروبا بالوكالة" على دول عربية من خلال استعمال ميليشياتها بدلًا من المواجهة المباشرة

 

"بشير": ما تشهده المنطقة من صراعات إقليمية وحروب أهلية ناتج عن الدعم الإيراني للميليشيات الشيعية

 

 

 

عمدت "جيوش الظل" الإيرانية إلى نهب ثروات الدول التي نشطت فيها، من لبنان إلى العراق، ومن سوريا إلى اليمن، بهدف التحكم في مقدراتها، ولتعزيز نفوذها العسكري والسياسي والاقتصادي. وبذلك تصبح الدولة ومواردها غنيمة لهذه الميليشيات، حيث تم التنافس على ثرواتها، واستقطاع أكبر قدر ممكن من أراضيها، فضلا عن الاستثمار في الطائفية، وجمع التبرعات تحت شعارات مذهبية، أو إطلاق الفتاوى الدينية لاستحلال النهب والسرقة.

ويتساءل الكثير من المراقبين والمتابعين للشأن الإيراني، إلى أي مدى تعزز السيطرة الاقتصادية للميليشيات الشيعية من نفوذها السياسي على الساحتيّن الداخلية والإقليمية؟ وما هو تأثير نفوذها الاقتصادي على الأمن القومي العربي؟ وما هو الدور الإيراني في تمويل الميليشيات الشيعية، وتعزيز سيطرتها الاقتصادية في كل من لبنان واليمن والعراق؟

كتاب "العنف المقدس: النفوذ الاقتصادي للميليشيات والأمن الإقليمي"، للدكتور حمدي بشير، يجيب عن هذه التساؤلات المصيرية، عبر تركيزه على النفوذ الاقتصادي للميليشيات الشيعية وحدود سيطرتها الاقتصادية، ودورها وحضورها السياسي في المنطقة العربية، حيث أصبح بعضها فى مواجهة عسكرية مع دول إقليمية، موضحا كيف ازدهر «ربيع الميليشيات» مع ثورات الربيع العربي، حيث صعدت تلك الميليشيات وعززت شرعيتها مستغلة الصراعات، لتتمكن من الموارد الاقتصادية وتعظم نفوذها بقوة. وكان غياب الدولة وهشاشة مؤسساتها الأمنية والسياسية من أهم العوامل التى أوجدت فراغا سعت هذه الميليشيات لملئه، ووجدت إيران فيه فرصة لخلق كيانات شيعية موالية لسياساتها وأجندتها الخاصة.

 

سياسة "اختطاف الدول"

 

وفق المؤلف، فإن النموذج الأول لذلك هو "حزب الله" اللبنانى الذي برز كفاعل مهيمن وقادر على الممارسة السياسية والعسكرية والاقتصادية في لبنان. ورغم إنكار الحزب مرارا دعمه من إيران واعترافه بالولاء لها، فإن زعيمه حسن نصر الله اعترف صراحة فى 2015 قائلا: "نعم، تلقينا الدعم السياسي والمادي بكل الأشكال الممكنة من إيران منذ عام 1982".

كما احتضنت إيران حركة "الحوثيين" في اليمن عبر الحرس الثورى الإيرانى وساندتها معتمدة على حزب الله الذى تولى التخطيط وإدارة شئون الحوثيين باليمن مستفيدا من خبرته العسكرية والاجتماعية بلبنان، لتتحول مع الربيع العربى لميليشيا مسلحة تمكنت من الاستيلاء على صنعاء، ونقلت لها إيران تجربتها بالتجنيد والدعاية الفكرية والسياسية، كما دربتهم على أساليب جمع الموارد المالية بالإضافة للتدريب العسكري، فى نفس الوقت الذى كان يفخر فيه بعض السياسيين بإيران بسيطرة "الحوثيين" على صنعاء ويصفونه بكونه "انتصارا كبيرا لإيران"، حيث صرح على زاكاني، البرلمانى الإيرانى السابق بأن صنعاء أصبحت رابع عاصمة عربية تسقط بعد بغداد وبيروت ودمشق، وأن السعودية هي هدفهم القادم!

وفى العراق، كان سقوط صدام حسين والاحتلال الأمريكي للبلاد عام 2003 سببا فى انتاج نظام طائفي "غنائمي"، سيطر بموجبه الشيعة على مقاليد الأمور، فأدخل البلاد فى أزمات سياسية واقتصادية لم تستفق منها حتى اليوم.

ووفق المؤلف، تسيطر الميليشيات الموالية لإيران على الحركة التجارية داخل المدن العراقية، كما تقوم بفرض الإتاوات وابتزاز التجار ورجال الأعمال، بالإضافة إلى السيطرة على المشاريع الاستثمارية في المدن المُحررة، واشتراط الحصول على "حصة" من التجار والمقاولين في مقابل السماح لهم بأي عمل أو مشروع في مناطق النفوذ الخاصة بها.

وتبدو الميليشيات الأصغر أكثر تطرفا ودعما لسياسات إيران، مثل "عصائب أهل الحق وكتائب حزب الله العراقي". وتعمل إيران أيضا على تعزيز نفوذها وتأثيرها السياسي، فسعت لتوحيدها بتشكيل الائتلاف العراقى الموحد الذى كان الخطوة الأولى للهيمنة الإيرانية السياسية بالعراق بعد فوز تلك الكتلة بانتخابات 2005.

 

يوضح الكتاب أن الدعم المالى للميليشيات الشيعية يقدر ببلايين الدولارات سنويا، حيث قدمت إيران لـ "حزب الله" اللبنانى منذ نشأته ما لا يقل عن 100 مليون دولار سنويا، ثم تضاعف الرقم مع انخراطه فى الحرب السورية ليصل لـ 800 مليون دولار ليعود لينخفض فى عامى 2014 و2015 بسبب تأثير العقوبات الدولية على إيران.

بينما حصلت ميليشيا "الحوثى" الانقلابية في اليمن على 25 مليون دولار سنويا منذ عام 2010، وتشير التقديرات إلى أن الميليشيات الشيعية بالعراق حصلت على دعم إيرانى يصل إلى 35 مليون دولار سنويا ليرتفع إلى 200 مليون دولار سنويا مع بداية الألفية الثالثة، بالإضافة إلى برامج التدريبات العسكرية التى تبلغ نحو 50 مليون دولار وفقا لتقارير صادرة عن أجهزة مخابرات غربية، كما تقدم إيران الدعم العسكرى عبر تزويد الميليشيات بإمدادات ثابتة من أحدث الأسلحة.

ومنذ قررت إيران الدخول فى مفاوضات سرية مع الولايات المتحدة الأمريكية عام 2013 ازداد التدخل الإيراني بشئون دول المنطقة، حيث كانت إيران تثق بأن المفاوضات وسياسة الرئيس الأمريكى الأسبق باراك أوباما لن تؤدى لأى ردة فعل تجاهها، لذا اتجه "الحرس الثوري" لإشعال الحرب باليمن، أملا فى حصول إيران على تنازلات أكثر خلال تلك المفاوضات.

ويشير الكاتب إلى أن الوطن العربى لم يعرف فى تاريخه هذا القدر من الانتشار للميليشيات الشيعية، التى تعمل عبر الحدود الوطنية وتترك تأثيرات غائرة فى الدول وأنظمتها، لتصبح دويلة داخل الدولة إلا مع ممارسات التعبئة التى بدأتها إيران عقب الثورة الإيرانية، ولم تختلف فى ممارساتها عن قوى الاستعمار التى غرست بذرة المشروع الطائفى بالمنطقة لخدمة مصالحها الخاصة.

ويرى "بشير" أن ما تشهده المنطقة من صراعات إقليمية وحروب أهلية ناتج عن الدعم الإيرانى للميليشيات الشيعية، وليس نتيجة لتهديدات الميليشيات السنية مثل "القاعدة وداعش والنصرة" لأن الميليشيات السنية ظهرت بسبب السياسة الطائفية التى تزايدت فى العراق بعد سقوط نظام صدام حسين، وهذه السياسات الطائفية التى تدفع بها إيران للمنطقة أدت لظهور تلك الميليشيات، محذرا من خطورة توسع نفوذ تلك الميليشيات على تهديد الأمن الإقليمى العربى، خاصة أن مفهوم الأمن الإقليمى عند إيران يعنى التوسع والسيطرة على المنطقة بإثارة الصراعات الطائفية والقبلية والحروب الأهلية مما يهدد المنطقة العربية بكاملها، وهو مفهوم يختلف عن المنظور العربى للأمن الإقليمى. فإيران تشن "حروبا بالوكالة" من خلال استعمال ميليشياتها بدلا من المواجهة المباشرة مع دول الخليج وتتمثل خطورة ذلك باستنزاف الموارد الاقتصادية لتلك الدول وإنهاك جيوشها والتهديد المستمر لمصالحها ورعاياها، كما تعد الميليشيات أداة هدم للدول من الداخل، وتلعب قوات القدس التى كان يديرها سليمانى الدور الرئيسى فى إدارة تلك الحرب باستهداف الديموجرافيا العربية لتحويل الأغلبية السنية لأقلية بخلق كيانات تمارس الحرب على الكيان الوطنى لمصلحة إيران، مما ينذر بمواجهة إقليمية شاملة. وبالتأكيد يظل مستقبل المنطقة وأمنها الإقليمى مرهونا بمستقبل هذه الميليشيات، ويبقى مستقبل هذه الميليشيات مرهونا بقدرة المجتمع الدولى والعربى على التعاون وتنسيق الجهود من أجل تسوية الأزمات السياسية بالمنطقة والقضاء على مبررات وجودها وتجفيف مصادر تمويلها.

ويؤكد "بشير" أن استمرار وجود هذه الميليشيات يشكل تهديدًا خطيرًا للمنطقة برمتها، يفوق تهديد إيران لامتلاك السلاح النووي، فهذه الميليشيات تقود المنطقة، فى حال عجز المجتمع الدولي عن السيطرة عليها، إلى حروب إقليمية على جبهات متعددة، فهناك تهديد متزايد على الحدود السعودية – اليمنية، وتهديد متزايد على الحدود العراقية – السعودية، وتهديد متزايد على الحدود العراقية – الكويتية، وبذلك تحاول هذه الميليشيات استدراج الجيوش العربية على أكثر من جبهة، وهو ما يمثل تهديدا خطيرا للأمن القومي العربي.

 

 

النشرة الإخبارية

اشترك في النشرة الإخبارية

ابق على اطلاع على النشرة الإلكترونية

معلوماتك فى امان معنا! إلغاء الاشتراك في أي وقت.