الغزو الروسي لأوكرانيا.. كيف يؤثر على إيران والعرب؟

- 27 فبراير 2022 - 442 قراءة

• "بوتين" يعتقد أن الغرب يعيش الآن حالة انقسام شديد بشأن دور الولايات المتحدة على المستوى الدولي

• المراقبون: الولايات المتحدة تركز الآن على روسيا وأوكرانيا بشكل كبير على حساب ملف إيران النووي

• الحرب على أوكرانيا تعزّز آراء الملالي من "المتشددين" الرافضين لمبدأ التفاوض الحالي مع القوى الكبرى

• صُناع القرار الإيراني يقرأون الحرب ضد كييف باعتبارها مؤشرا على "تراجع" قدرات الردع الأمريكية عالميا

• الهجوم الروسي قد يدفع القيادة الإيرانية لإعادة التفكير بحجم التنازلات للوصول إلى اتفاق نووي في "فيينا"

 

 

أخيرًا، استيقظ العالم على نيران الغزو الروسي المتوقع لأرضي أوكرانيا، عبر شن موسكو هجمات صاروخية على منشآت عسكرية في جميع أنحاء أوكرانيا، فيما بدأت القوات الروسية عمليات إنزال في مدينتي "أوديسا وماريوبول" الساحليتين في الجنوب. وذلك بعد ساعات من إعلان الرئيس الروسي عن إطلاق عملية عسكرية خاصة في إقليم "دونباس" الإنفصالي، محذرا من أي تدخل أجنبي، وأن روسيا سترد على الفور، ووصف التحركات الروسية بـ "الدفاع عن النفس من التهديدات".

جاءت هذه الخطوة الروسية بعد أشهر من التكهنات حول نوايا موسكو بشأن القوات التي حشدتها على الحدود الأوكرانية، حيث حاصر أكثر من 150 ألف جندي روسي أوكرانيا من 3 جهات، وبدأت بعض هذه القوات بالتدفق عبر الحدود، وعبرت إلى أوكرانيا شمالا من بيلاروسيا وجنوبا من شبه جزيرة القرم.

والسؤال الذي يطرح نفسه هو: ما تداعيات الغزو الروسي لأوكرانيا، وما موقع الدول العربية، ودول الشرق الأوسط عامة، بما فيها إيران من هذه العملية العسكرية، التي يرى الكثيرون أنها وضعت العالم كله تحت تهديد محتمل باندلاع "حرب عالمية ثالثة"؟

 

مؤشرات "الضعف الأمريكي"

بدايةً، يرى المراقبون أن نظرة بوتين إلى الولايات المتحدة تغيرت كثيرا، وخاصة بعد الانسحاب العسكري الفوضوي الأمريكي من أفغانستان، والاضطرابات التي تعانيها أمريكا على الصعيد الداخلي، في أعقاب الاستقطاب الذي شهدته بعد الانتخابات الرئاسية الأخيرة، وهو ما تراه موسكو باعتباره مؤشرا على "ضعف أمريكي".

وإلى ذلك، يعتقد "بوتين" أن الغرب في حالة انقسام شديد بشأن دور الولايات المتحدة في العالم، ولا يزال الرئيس الأمريكي جو بايدن يحاول إعادة توحيد التحالف عبر الأطلسي، بعد حالة انعدام الثقة التي تراكمت خلال إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب، وأدت بعض أخطاء بايدن الدبلوماسية إلى نفور الشركاء الأوروبيين.

السبب الأساسي للأزمة الحالية، هو الرفض الروسي القاطع لانضمام أوكرانيا ضمن حلف الشمال الأطلسي "الناتو"، حيث بدأ الرئيس فلاديمير بوتين منذ شهر ديسمبر عام 2021، بتوجيه رسائل للولايات المتحدة الأمريكية بشكل علني، ألا تسمح بانضمام أوكرانيا إلى "الناتو"، أو تتلقى مساعدات عسكرية، لكن الحلف لم يرضخ لهذه المطالب، وسعى حثيثًا نحو ضم أوكرانيا.

وتعتبر روسيا أن انضمام أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي يمثل خطورة على أمنها وحدودها واقتصادها، بسبب تشاركية الحدود بين البلدين. ولعل أبرز أسباب القلق الروسي هو الفصل الخامس من اتفاقية "الناتو"، والذي ينص على أن أي هجوم يتعرض له عضو في الحلف يعتبر هجوما على الحلف بأكمله، بمعنى أن أي هجوم عسكري روسي على أوكرانيا بعد ذلك سيضع روسيا في مواجهة مباشرة مع 27 دولة على رأسها الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا.

من جانبها، تصر الحكومة الأوكرانية على أن موسكو لا تستطيع منع كييف من بناء علاقات أوثق مع "الناتو"، أو التدخل بطريقة أخرى في سياساتها الداخلية أو الخارجية. وقالت وزارة الخارجية الأوكرانية: "لا يمكن لروسيا أن تمنعنا من التقارب مع الناتو، وليس لها الحق في أن يكون لها رأي في المناقشات ذات الصلة".

 

الغزو.. منافع قوم

يرى البعض تداعيات الغزو الروسي، ومنها ارتفاع أسعار النفط، التي تجاوزت حاجز المئة دولار لأول مرة منذ 7 سنوات، بوصفها أمرا يعود بالفائدة على الدول العربية، التي قد تلعب دورا في سد جزء من النقص، والحفاظ على استقرار أسعار النفط عالميا، ما قد يمنحها مساحة لتقوية أو ترميم علاقاتها مع الدول الأوروبية والولايات المتحدة، وممارسة درجة من النفوذ الجيوسياسي.

وينظر الأوروبيون وحليفهم الأمريكي للدول العربية المنتجة للغاز والنفط، مثل قطر والسعودية والجزائر وغيرها، بوصفها مصدرا يمكن أن يعوض النقص في إمدادات الغاز والنفط إلى أوروبا، كما يلعب دورا في استيعاب الاضطرابات التي قد تصيب السوق العالمي للنفط نتيجة للتوترات.

غير أن هذه البلدان العربية ستكون مضطرة إلى السير بحذر شديد، لضمان الاستفادة من الفرص التي قد تخلقها الأزمة، دون أن تخلق مزيدا من الضغوط على نفسها، أو تضر بعلاقتها مع روسيا إذا ما بدا أنها تنحاز إلى أحد طرفي الأزمة.

في المقابل، سيكون للتصعيد في أوكرانيا عواقب وخيمة على الأمن الغذائي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، والتي استحوذت وحدها على 40% من صادرات أوكرانيا من الذرة والقمح عام 2021. وإلى جانب الاضطرابات التي قد يحدثها أي نزاع مسلح في سلاسل التوريد، تشير الأحداث التي عرفتها أوكرانيا في عام 2014 إلى الأثر الذي يتركه الاضطراب في تلك المنطقة من العالم على أسعار المواد الغذائية.

وما يفاقم الوضع هو أن الارتفاع المتوقع في الأسعار نتيجة للأزمة، يأتي في وقت وصلت فيه أسعار المواد الغذائية إلى مستويات تاريخية مرتفعة بالفعل، خاصة في منطقة الشرق الأوسط التي ارتفعت فيها الأسعار خلال العامين الماضيين.

 

وضاعت "صافرات الإنذار"

أمّا عن إيران، فبينما يشن الجيش الروسي هجومه الكاسح على أوكرانيا، يعود علي باقري كني رئيس الوفد الإيراني المفاوض في "محادثات فيينا"، إلى طهران للحصول على تفويض سياسي بإقرار النسخة النهائية للاتفاق بين إيران والقوى الكبرى.

ومثلما يعتقد "بوتين"، يقرأ صناع القرار الإيراني الحرب في أوكرانيا على أنها "تراجع" في قدرات الردع الأمريكية، وأن واشنطن تعمد إلى التهديد فقط، ولا يمكن الإدارة جو بايدن "الضعيفة" القيام بأي عمل عسكري ضد أي دولة، خصوصا أن الهجوم الروسي جاء في مرحلة حساسة للغاية، قد تدفع القيادة الإيرانية إلى إعادة التفكير بحجم التنازلات التي ستقدمها طهران للوصول إلى اتفاق.

ويقول المراقبون إنه بعد الانسحاب الأمريكي أحادي الجانب من الاتفاق النووي، توجهت طهران نحو تركيز مفاصل السلطة بأيدي المتشددين من الملالي، لإظهار "صلابة" الموقف الإيراني من العلاقة مع الغرب عموما، ومع الولايات المتحدة بشكل خاص.

ولكن خلافات ظهرت بين التيار المتشدد بجميع أطيافه، ليس حول التفاوض المباشر وغير المباشر مع الولايات المتحدة، وإنما الخلاف يتمحور حول فاعلية التفاوض في هذا الوقت بالذات. حيث يعتقد جانب من التيار الأصولي، أن الوقت الحالي غير مناسب للانخراط في مفاوضات مع الولايات المتحدة، خاصة أن إيران استطاعت خلال السنوات الثلاث الماضية أن تبتكر طرقا للالتفاف على العقوبات الأمريكية. فإيران خضعت للعقوبات منذ أربعين عاماً، وهي قادرة على التأقلم مع أي عقوبات أحادية أو متعددة الأطراف.

ومن ثم، جاءت الحرب الروسية على أوكرانيا لتعزز رأي رافضي التفاوض الحالي، فهم يعتقدون أن إيران يجب أن تتجه نحو العتبة النووية في الحد الأدنى والسلاح النووي في الحد الأعلى، قبل الانخراط في مفاوضات مع الولايات المتحدة. ويعزز هؤلاء من نظريتهم هذه بالقول إن السلاح النووي يخلق قدرة ردع تمنع من تعرض البلاد للغزو الخارجي، ويدللون على ذلك بتخلي أوكرانيا عن سلاحها النووي بعد انهيار الاتحاد السوفييتي بضغط روسي- غربي.

ويؤكد ديفيد أندلمان، المراسل السابق والكاتب في شبكة CNN الأمريكية، أن الظروف الدولية الآن ربما تكون مواتية بشكل كبير بالنسبة لبرنامج إيران النووي، قائلا إن "الولايات المتحدة تركز الآن على روسيا وأوكرانيا بشكل كبير، على حساب ملف إيران".

وأضاف "أندلمان"، وهو كاتب متخصص في التاريخ والقضايا الاستراتيجية أيضا، أن "ما ضاع وسط ضجيج قرع طبول الحرب الروسية، هو صوت صفارة الإنذار المُلحة، التي تحذر من التقدم في برنامج إيران النووي".

ــــــــــــــــــــــــــــــــ

المصادر:

1- من البداية إلى النهاية.. الأسباب الحقيقة التي أدت إلى غزو روسيا جارتها أوكرانيا وبدء الحرب العالمية الثالثة، موقع المشهد اليمني، 24 فبراير 2022.

2- روسيا وأوكرانيا: ما المخاطر التي تحملها الأزمة بين البلدين للدول العربية، وهل من فرص يمكن استثمارها؟ موقع بي بي سي، 23 فبراير 2022.

3- هل استفادت إيران من "ضجيج طبول الحرب" في أوكرانيا؟ موقع الحرة، 19 يناير 2022.

4- طهران لن تكرر خطأ كييف.. كيف ستتأثر إيران بالهجوم الروسي على أوكرانيا؟ موقع عربي بوست، 24 فبراير 2022.

5- أسباب الصراع بين روسيا وأوكرانيا .. الأزمة بدأت ببناء سد مائي (الأسباب الكاملة للحرب) موقع المصري اليوم، 24 فبراير 2022.

النشرة الإخبارية

اشترك في النشرة الإخبارية

ابق على اطلاع على النشرة الإلكترونية

معلوماتك فى امان معنا! إلغاء الاشتراك في أي وقت.