المغرب «حائط صد» في وجه المؤامرات الإيرانية

- 24 أغسطس 2023 - 571 قراءة

ستظل المملكة المغربية على الدوام بمثابة "حائط صد" ضد التغلغل الإيراني والمؤامرات الفارسية، حفاظًا على هوية المنطقة، وصونًا لمقدرات الأمة العربية، على الرغم من مؤامرات إيران وجماعة "حزب الله" اللبنانية لدعم ميليشيات البوليساريو الانفصالية.

ولا شك أن الأطماع الإيرانية، وحلم إحياء الإمبراطورية الفارسية وتصدير المذهب الشيعي لكي ينتشر من الخليج إلى المحيط، اصطدمت بحائط صد مغربي صلب، حيث أدركت القيادة المغربية الحكيمة أبعاد المؤامرة الإيرانية لتهديد استقرار بلدان المغرب العربي بشكل عام، عبر اللعب على ورقة قضية الصحراء، واستعمال ورقة "حزب الله" في تعكير صفو العلاقات التاريخية مع الجزائر، وتسليح جبهة البوليساريو التي تهدد وحدة التراب الوطني المغربي.

وهذا ليس غريبًا على المغرب، التي حافظت طيلة 12 قرنًا من الزمان على استقلالها السياسي، وصانت وحدة مذهبها الديني، كما استطاعت الوقوف في وجه القوى الاستعمارية والحركات التنصيرية، وحققت الاستثناء في المنطقة العربية باستقلاليتها المطلقة عن دولة الخلافة العثمانية، وها هي اليوم تقف بالمرصاد لإيران وعملائها في منطقة الساحل والصحراء الإفريقية، التي باتت محط أنظار نظام الملالي بحثًا عن موطئ قدم في القارة السمراء.

وتدرك القيادة المغربية أن الوسائل التي تستعملها إيران في زعزعة استقرار شمال وغرب إفريقيا والساحل، لا تقتصر فقط على دعم الحركات الانفصالية بالسلاح والعتاد اللوجيستي والتدريب؛ بل إن طهران تستخدم أيضًا سلاحًا لا يقل فتكًا. ويتمثل في دعم المنظمات الإرهابية مثل "بوكو حرام" التي تنشط في شمال دولة نيجيريا، مع استهداف المناطق المسلمة السنية بنشر العقيدة الشيعية، لا سيما أن عدد المسلمين في غرب إفريقيا يبلغ 280 مليون نسمة.

ولم يتوان ناصر بوريطة، وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، عن وصف إيران بـ "الراعي الرسمي للانفصال والإرهاب في المنطقة العربية".

لذلك، قطعت المغرب العلاقات مع النظام الإيراني مرتين، المرة الأولى في عام 2009، بسبب تصريح مسؤول ديني إيراني بأن البحرين تنتمي إلى إيران. أما المرة الثانية فهي في عام 2018، حين كشف وزير الخارجية المغربي عن أن إيران ترسل عناصر بارزة من "حزب الله" وتزود جبهة البوليساريو الانفصالية بالسلاح، من أجل المساس بأمن واستقرار البلاد.

 

أحلام الشيعة القديمة

 

إذا كان الشيعة العلويون قد اتجهوا في القرون الوسطى إلى بلاد المغرب الأقصى، لتحقيق طموحاتهم السياسية بعد المحن والمصاعب التي لاقوها في المشرق، ليتمكنوا فعلًا من تحقيق بعض الإنجازات على الأرض، فإن الشيعة من الملالي ما لبثوا في زماننا أن ساروا على نفس المنوال، لتحقيق طموحاتهم التوسعية في خلق دولة شيعية، تابعة عقائديًا للمذهب الإمامي الإثني عشري، وسياسيًا لمنظومة "الولي الفقيه" التي يحكمها المرشد الأعلى في إيران.

غير أن الرباط كانت واعية منذ البداية بحقيقة هذه الأطماع الإيرانية، ولهذا حسمت موقفها مبكرًا من محاولات التمدد الشيعي، واعتبرت أن استراتيجية "الأمن الروحي" للمغاربة هي جزء لا يتجزأ أبدًا من أمن الأفارقة عمومًا، وجعلت من أولويات علاقتها بالقارة السمراء التصدي لتلك الأطماع الإيرانية، ما ظهر منها وما بطن.

هذا الموقف المغربي، ينسجم مع توجهات المنظومة العربية والإسلامية، ويكشف عن حجم التآمر الإيراني تجاه قضايا المنطقة، في ضوء المشروع الإيراني الذي تتبناه طهران من أجل نشر الفوضى وعدم الاستقرار، كما فعلت في سوريا واليمن والعراق ولبنان.

ويؤكد المراقبون المغاربة، أن ما تقوم به إيران من محاولات ومساعٍ للعبث بأمن المنطقة برمتها، يستوجب تحركًا دوليًا على مستوى واسع، وليس من جانب الدول التي تتضرر بصورة مباشرة من تلك السياسات والتحركات الإيرانية فقط، بحيث يتضمن ذلك التحرك فرض عقوبات على طهران، سواء كانت عقوبات سياسية أو اقتصادية أو غيرها ضد رؤوس وقادة النظام و"الحرس الثوري" و"حزب الله"، ذلك أن النظام الإيراني يعمل على دعم الإرهاب حول العالم ونشره في ضوء تلك السياسات التي يتبعها، بما يتطلب موقفًا جماعيًا ضده من قبل المجتمع الدولي، وليس الدول المتضررة فحسب.

والراصد للموقف الإيراني من المملكة المغربية، خلال الفترة الأخيرة، ومحاولة طهران لفتح صفحة جديدة تُنهي القطيعة مع الرباط، يجد أنه من غير المستبعد أن يكون نجاح الوساطة الصينية في التقريب بين الإيرانيين والسعوديين، قد فتح شهية الإيرانيين، ومنحهم أجنحة إضافية لينطلقوا بعيدًا، مصوبين أنظارهم نحو جناحه الغربي، بعد أن اطمأنوا نسبيًا على الأقل بتطبيعهم مع السعودية، وربما حتى في القريب مع مصر، على أنهم قد وضعوا حدًا ولو مؤقتًا للتوترات والخلافات الحادة التي طبعت في الفترات السابقة علاقاتهم مع جناحه الشرقي.

 

سياسة "محاصرة المغرب"

 

غير أن الانطباع السائد حاليًا داخل معظم الأوساط الإعلامية والدبلوماسية المغربية، هو أن إيران بصدد التحضير إلى مرحلة جديدة، وأنها بدأت، وبعيدًا عن الأضواء، في ترتيب أوراقها في المنطقة المغاربية، خصوصًا في ظل تقاربها الأخير مع موريتانيا والجزائر، لمحاصرة المغرب من كل اتجاه.

ورغم ذلك، وفي ثاني أيام عيد الأضحى الماضي، جمع وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان سفراء الدول الإسلامية المعتمدين لدى بلاده في طهران، وألقى أمامهم كلمة كان أبرز ما نقلته منها وكالات الأنباء العالمية هو قوله "إن إيران ترحب بتطبيع وتطوير العلاقات مع دول المنطقة والعالم بما فيها المغرب".

هذا التصريح أبعد ما يكون عن التعبير عن أمنية من أمنيات العيد، فمن المؤكد أن عبد اللهيان لم يتحدث من فراغ، ولم يتكلم في ذلك اللقاء على نحو عفوي أو من وحي الخاطر، بل أعد جيدًا ورتب مسبقًا لكل حرف قاله.

والسؤال هنا هو: ما الذي جعل إيران وفي هذا الوقت بالذات ترمي شباكها في مياه عاصمة عربية خارج محيطها التقليدي، أو ما يمكن أن يعرف بمجالها الحيوي، التي لطالما كانت علاقاتها معها، وعلى امتداد السنوات الأخيرة معقدة ومذبذبة وغير ثابتة، أو مستقرة بالمرة؟!

ربما سيقول البعض إن ذلك كان أمرًا حتميًا ومنتظرًا، بل لعله كان من تحصيل الحاصل بعد التطبيع الأخير بين طهران والرياض، وظهور عدة قرائن وعلامات عن قرب حدوث تطبيع آخر بين طهران والقاهرة، لكن حتى إن صح ذلك وإلى حد ما، فهل تصريح الوزير الإيراني كان يسير فعلًا في ذلك الاتجاه، ويعكس وبشكل تام تلك الاندفاعة الدبلوماسية الإيرانية الجديدة نحو العواصم العربية، ويحمل بالتالي مؤشرات على أن الطريق باتت معبدة أمام إعادة العلاقات المقطوعة منذ خمس سنوات بين بلاده والمغرب؟ أم أنه كان يدل ولو ضمنيًا على أنه حتى إن وجدت هناك بعض المحاولات، أو الاتصالات غير المعلنة بين الجانبين لإزالة العقبات، وتصفية الأجواء قبل الإعلان عن التطبيع بينهما؟

وبصرف النظر عن التصريحات الإيرانية بشأن العلاقات مع المغرب، فلا جدال أن عدول إيران عن مشروع الهيمنة الإقليمية، بعناوينها السياسية والمذهبية، والانخراط في مشروع إقليمي بديل يقوم على احترام المصالح الوطنية المشروعة، والتحالفات السيادية لدول الإقليم، وعلى التقيد بمبادئ القانون الدولي في احترام سيادة الدول، وعدم التدخل في شؤون الغير، يشكل في المسلك الضروري الكفيل بطي صفحة المشاحنات والصراعات الجارية، وخلق مناخ سياسي إقليمي جديد يمكّن عبر آلية الحوار والتفاهم من إرساء شروط تعايش وتعاون إقليميين، يخدمان المصالح المشروعة لكافة دول الإقليم، وقواه الفاعلة، بدلًا من الصراع على مقدرات الشرق الأوسط.

النشرة الإخبارية

اشترك في النشرة الإخبارية

ابق على اطلاع على النشرة الإلكترونية

معلوماتك فى امان معنا! إلغاء الاشتراك في أي وقت.