اليمن السعيد.. يتحوّل إلى «بلد تعيس»

- 28 سبتمبر 2022 - 321 قراءة

• «الحوثيون» استنزفوا الاحتياطي النقدي للبلاد فانخفض من 5.1 مليارات دولار إلى أقل من مليار

 

• الأمم المتحدة: 22 مليون يمني بحاجة لمساعدات إنسانية.. منهم 9 ملايين واجهوا «خطر المجاعة»

 

• اليمن مرّ خلال الثماني سنوات الماضية بأزمات حقيقية أدت إلى نتائج كارثية على الاقتصاد

 

• «الجباية» الحوثية أجبرت التجار والشركات على دفع مبالغ مالية باهظة على شكل إتاوات

 

 

عاش اليمن أوضاعًا اقتصادية وإنسانية مأساوية، منذ استيلاء ميليشيا «الحوثي» الإرهابية على العاصمة صنعاء في 21 سبتمبر/أيلول 2014، الأمر الذي أدى إلى تحوّل اليمن السعيد سابقًا إلى «بلد تعيس»، يعيش أهله تحت براثن الفقر والعوز، ولا يجد أغلبهم قوت يومه إلاّ بشق الأنفس.

بدأت بوادر الانهيار الاقتصادي في اليمن بعد عدة أشهر من الاستيلاء على صنعاء، حيث ظهر التراجع الحاد في العائدات الحكومية، خصوصًا إنتاج النفط والغاز الذي انخفض بشدة، وساهم ذلك في انهيار شبكة الأمان الاجتماعي الرسمية، وعدم انتظام دفع رواتب موظفي القطاع العام، فضلًا عن تدهور الأوضاع المعيشية للمواطنين الذين يعيشون في مناطق سيطرة «الحوثيين»، وتضرر سكان المناطق الأخرى جراء تداعيات الحرب التي استمرت نحو 7 سنوات، حتى التوصل إلى الهدنة الأخيرة.

وعانى المواطنون جراء الحرب الأهلية وضعًا معيشيًا مأساويًا، ودفعوا ثمن المغامرة الحوثية من قوت يومهم، حيث بات 22 مليون يمني يحتاجون إلى مساعدات إنسانية، منهم 9 ملايين يواجهون «خطر المجاعة»، وهم في حاجة ملحة إلى مساعدات للحفاظ على حياتهم.

 

دولة على حافة الكارثة

 

أفرز الانقلاب الحوثي، وما تبعه من مواجهات عسكرية لاستعادة زمام السلطة في البلاد، ضغوطًا اقتصادية واجتماعية ساهمت في تدهور حاد للنشاط الاقتصادي وتدمير الممتلكات العامة والخاصة، الأمر الذي انعكس على تدني مستويات الدخل وتزايد معدلات البطالة والفقر. فضلًا عن تزايد حالات النزوح واللجوء وحالات سوء التغذية وتفشي الأمراض الوبائية.

كما تسببت الحرب أيضًا في تضرر أو تدمير البنى التحتية، خاصة في قطاعات الكهرباء والمياه والصرف الصحي والنقل، وتعرضت المنازل والمباني الحكومية والطرق والجسور لدمار جزئي أو كلي، وتدهورت البنية التحتية للقطاعات الاقتصادية أو المرتبطة بها مثل النفط والصناعة والزراعة، ما أدى إلى توقف الإيرادات والرسوم الجمركية والضريبية، وبات وضع المالية العامة والقطاع الحكومي على حافة الانهيار.

وأدى ذلك إلى تضاؤل نشاط الشركات التي قلصت ساعات التشغيل بنسبة 50% في المتوسط، تأثر نشاط الزراعة وصيد الأسماك اللذيّن يعمل بهما أكثر من 54% من القوى العاملة الريفية، بينما كان النشاطان مصدرًا رئيسيًا للدخل لنحو 73% من السكان قبل تصاعد النزاع مع الحوثيين.

ويؤكد خبراء الاقتصاد، أن في اليمن مرّ خلال الثماني سنوات الماضية بأزمات حقيقية، سواء في مالية الدولة من حيث تحصيل الإيرادات، أو من حيث الاستثمارات الخارجية أو الاستثمارات التجارية، مشيرين إلى أن ذلك أدى إلى نتائج كارثية على الاقتصاد، خصوصًا في ظل تراجع الإيرادات وارتفاع معدلات التهرب الضريبي نتيجة الفوضى.

وقال الدكتور علي مهيوب العسلي، أستاذ الاقتصاد في جامعة صنعاء، إن بعض المحافظات اليمنية أحجمت عن توريد الضرائب والعوائد المالية إلى العاصمة صنعاء، بسبب سيطرة الحوثيين على مراكز الدولة كافة، وإحكام قبضتهم على الوزارات، لأن الأموال الموردة سوف توظف لمصلحة الحوثيين، وهذا جانب سياسي وأمني ترتب عليه انحدار الوضع الاقتصادي في البلاد، مما أدى إلى فشل الدولة، لكونها لا تستطيع القيام بأداء وظيفتها الأساسية، وأبسطها سداد رواتب الموظفين العموميين في مواعيدها.

ومن أبرز التحديات التي أعاقت نمو الاقتصاد اليمني، في ظل سيطرة الحوثيين على عدة محافظات في البلاد، أزمة السيولة الخانقة، وهي أحد أهم التحديات الاقتصادية التي ضاعفت من الصعوبات التي واجهها القطاع المصرفي، حيث عجزت البنوك اليمنية عن الوفاء بالتزاماتها لعملائها، ولجأ التجار إلى شركات الصرافة والسوق السوداء لشراء ما يحتاجونه من العملات الأجنبية.

من جهة ثانية، واجهت البنوك اليمنية تواجه صعوبات كبيرة في التحويلات والتعامل مع البنوك الخارجية بسبب تصنيف اليمن بأنها «منطقة ذات مخاطر عالية»، كما أن عدم فاعلية البنك المركزي وقيامه بمهامه الأساسية من رسم السياسات النقدية والرقابة على البنوك والمصارف وإدارة حسابات الحكومة في الداخل والخارج، كان من أبرز المعوقات الاقتصادية في اليمن.

وأدت أزمة السيولة المالية والتضخم، وانهيار السياسات الموحدة التي فرضها البنك المركزي، كل ذلك، أدى إلى اللجوء للسوق السوداء لتوفير السيولة المالية، والاعتماد على وسطاء غير شرعيين وتعاظم دورهم الذي يمتد إلى أنشطة التهريب وتجارة المواد الغذائية والوقود في السوق السوداء، حتى أن هؤلاء باتوا بديلًا عمليًا للمؤسسات المالية اليمنية. وكثيرًا ما يعتمد على هذه الشبكات غير الشرعية في إجراء التحويلات بالداخل والخارج.

 

انهيار الاقتصاد اليمني

 

كان احتياطي النقد الأجنبي للبلاد قبل اجتياح الحوثيين صنعاء، يقُّدر بنحو 5.1 مليارات دولار. ومع بداية الحرب الأهلية عقدت القوى الانقلابية مع الحكومة الشرعية في المنفى ما اصطلح على تسميته بـ «الهدنة الاقتصادية»، حيث استمرت هذه الهدنة حتى نهاية عام 2016، لتوجه الحكومة الشرعية فيما بعد اتهاماتها لسلطة الحوثيين باستنزاف الاحتياطي النقدي من العملة الصعبة. وحسب البيانات المتوفرة، فقد انخفض الاحتياطي النقدي إلى أقل من مليار دولار.

وفي 18 سبتمبر/أيلول عام 2016، أصدرت الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا قرارًا قضى بنقل «البنك المركزي» من العاصمة صنعاء، التي يسيطر عليها الإنقلابيون الحوثيون، إلى عدن العاصمة المؤقتة للحكومة الشرعية.

وتعثر البنك المركزي بعد نقله في دفع رواتب موظفي الدولة أكثر من مرة، وتوفير خطوط ائتمان لمستوردي الأغذية والوقود من القطاع الخاص، مما أدى إلى تعطل شبه تام للقطاع التجاري.

وساهم نقل «البنك المركزي» إلى عدن بصورة عشوائية دون مراعاة للفرضيات الاقتصادية، وما لحقه من تعويم للعملة المحلية أمام الدولار، ساهم بشكل كبير في زيادة المعروض النقدي للعملة المحلية أمام الدولار، وغياب مصدر إيرادي مستقر كالنفط والغاز أو مساعدات ومنح مالية كبيرة تورد إلى حساب الحكومة العام، مما أدى بالضرورة لفقدان القيمة السوقية لوحدة النقد المحلي.

وعلى مدار الأعوام الماضية، أينما وليت وجهك ستجد فساد الحوثيين ماثلًا أمامك، بداية من الجهات الحكومية التي سيطروا عليها، مرورًا بالقطاع الخاص، وانتهاء بالمساعدات الإغاثية التي تقدمها منظمات الأمم المتحدة العاملة في اليمن. وساد قانون الجباية فأُجبر التجار والشركات والمصانع على دفع مبالغ مالية باهظة على شكل إتاوات، وهذا ما انعكس بدوره على المواطن في شكل غلاء في الأسعار.

ولذلك، أشرف الوضع الاقتصادي في البلاد على الانهيار، وهو ما زاد من تردي الظروف المعيشية الصعبة التي مر بها المواطن اليمني، خصوصًا مع عدم سداد رواتب حوالي مليون موظف حكومي يعيلون في المتوسط أسرة من 7 أشخاص، بالإضافة إلى مشاكل تضخم الأسعار وندرة السلع الأساسية، في بلد يعتمد على استيراد 90% من غذائه، وكل هذه العوامل ساهمت في انهيار عمل النظام المصرفي اليمني.

وانعكس التدهور في الظروف المعيشية للمواطنين، في صورة تفاقم كبير في معدلات انتشار الفقر. وارتفعت نسبة السكان الذين يعيشون على أقل من 3 دولارات في اليوم ارتفاعًا كبيرًا منذ تفجر الصراع، وعاش أكثر من ثلاثة أرباع السكان تحت خط الفقر.

ـــــــــــــــــــــــــــ

المصادر:

1- اقتصاد الحرب في اليمن: التدابير الاقتصادية لجماعة أنصار الله «الحوثيين» بعد سبتمبر/أيلول 2014، موقع المركز الديمقراطي العربي، 23 يناير/كانون الثاني 2018.

2- اقتصاد الحرب.. وسيلة انتهازية أتقنها الحوثيون بجدارة، موقع الجزيرة نت، 28 يوليو/تموز 2019.

3- الأثرياء الجدد في اليمن.. ميليشيا الحوثي توظف الحرب، موقع العربية، 12 يونيو/حزيران 2022.

 

النشرة الإخبارية

اشترك في النشرة الإخبارية

ابق على اطلاع على النشرة الإلكترونية

معلوماتك فى امان معنا! إلغاء الاشتراك في أي وقت.