في ليلة 14 يوليو/تموز 2021، نزل المواطنون العرب في إقليم الأحواز المحتل إلى الشوارع، في مظاهرات ليلية غاضبة لم تشهد لها إيران مثيلًا من قبل. وذلك احتجاجًا على نقص المياه في الإقليم، بعد أن أقدمت سلطات نظام الملالي على جريمة كبرى، وهي تحويل مجرى نهر "كارون" الذي يمر بالإقليم، إلى الأقاليم الفارسية المجاور، بهدف تعطيش سكان الأحواز وإرغامهم على الهجرة إلى مناطق أخرى، في إطار سياسية التغيير الديموغرافي الهادفة لتغيير الصبغة العربية للإقليم.
وشارك الآلاف من عرب الأحواز في هذه المظاهرات، لمطالبة النظام بحل مشاكلهم المتمثلة في انعدام مياه الشرب في مناطق محافظة الأحواز خصوصًا مدينة المحمّرة، حيث علت هتافات ضد النظام الإيراني الحاكم على غرار «باسم الدين سرقنا اللصوص»، بينما رفع متظاهرون آخرون أوعية مياه فارغة.
وسرعان ما تمددت الحركة الاحتجاجية التي أطلق المراقبون "انتفاضة العطش"، إلى عمق الأراضي الإيرانية، بعد أن دعا ناشطون من مختلف التيارات السياسية المعارضة لنظام الملالي، إلى تنظيم تجمعات وسط المدن في عموم البلاد، للتضامن مع المحتجين في المدن العربية المحتلة.
وردد المتظاهرون هتافات معادية للنظام، من بينها «الموت لولاية الفقيه» و«الموت للجمهورية الإسلامية»، أثناء مظاهرة تضامنية مع عرب الأحواز في محطة «صادقية» لمترو الأنفاق، ثاني أكبر محطة غرب العاصمة الإيرانية طهران، وتفاعلت شبكات التواصل الاجتماعي مع هذا الحدث الذي أنذر بتوسع رقعة الغضب في البلاد، وانتشر "هاشتاغ" يدعو لتنظيم تجمعات احتجاجية تأييدًا لاحتجاجات المياه في الأحواز.
وعلى إثر ذلك، شنت سلطات النظام الإيراني حملة اعتقالات واسعة النطاق، في صفوف ناشطي المجتمع المدني في طهران، على خلفية الدعوات لتجمعات تضامنية مع الأحوازيين، وكان من بين المعتقلين الناشطة نرجس محمدي، والناشط أرش صادقي، والصحفي الإصلاحي المعروف رسول باقي.
في المقابل، أنكرت سلطات النظام أن هناك أغراضا سياسية وراء قرارات تحويل مجاري الأنهار في الأحواز، إلى درجة أن الرئيس المنتهية ولايته حسن روحاني اتهم السكان العرب بالمسؤولية عما يجري من أزمة مياه في المنطقة، لاستمرارهم في زراعة الأرز المحلي!
توسّع الحراك الاحتجاجي على سياسة تجفيف الأنهار في الأحواز، يومًا بعد يوم، وامتدت المظاهرات إلى بلدات ومدن على سفوح جبال "زاغروس"، لتشمل بعد ذلك مناطق أخرى منها تبريز وأذربيجان ومعشور، وغيرها من المدن الإيرانية التي تعاني من مشكلة شح المياه، بسبب سياسة تحويل مجاري الأنهار إلى المناطق ذات الأغلبية الفارسية.
وكان من الملفت أن تشهد ساحة آزادي وسط العاصمة طهران، التي تُعد مكانًا رمزيًا لتجمهر مناصري النظام الإيراني أثناء الاحتفالات الرسمية، تظاهرة عارمة، لأبناء منطقة الأحواز العربية، من طلبة ومُهجرين إلى العاصمة طهران. رددوا خلالها باللغتين الفارسية والعربية، لأول مرة، شعارات ودعوات لإسقاط النظام الإيراني، ومنح منطقة الأحواز حُكمًا ذاتيًا، وشاركهم الكثير من الإيرانيين من غير الأحوازيين، مرددين شعار "مركَ خامنئي"، أي "الموت لخامنئي" مرشد النظام، الذي خرج على الملأ ليعلن أنه يعذر مواطني الأحواز في غضبهم، لكنه لم يمنع إطلاق النار عليهم بواسطة أجهزة الأمن و"الحرس الثوري".
وفي محافظة أذربيجان الغربية، شمال غرب إيران، ذات الأغلبية الأذرية، انتشرت مُلصقات وكتابات جدارية باللغة التركية، دعت لإسقاط النظام الإيراني ومساندة المنتفضين في منطقة الأحواز.
ولأول مرة في تاريخ إيران المعاصر، تعاطف شعب يبعد مئات الكيلومترات عن شعب آخر لا تربطهما معًا، لا اللغة ولا الثقافة ولا الجغرافية، بل المعاناة المشتركة والإحساس المشترك بالعنصرية المعادية للعرب والأذريين في إيران.
وكان استخدام اللغة التركي في الملصقات أمرًا مقصودًا من سكان الأقاليم الأذرية، وذلك كتعبير عن رفضهم لسياسة التفرقة القومية، التي يمارسها النظام السياسي في البلاد بين مختلف القوميات الأخرى، وتفضيله الفرس على بقية المكونات العرقية في البلاد.
كما شهدت مُدن مريوان وسنه وأورمية ذات الأغلبية الكُردية غرب إيران، ثلاثة احتجاجات على الأقل، إذ خرجت تجمعات احتجاجية كبيرة، أكد المتحدثون خلالها أن "سياسة التعطيش" التي انتهجتها سُلطات النظام تجاه الأحواز ستستخدمها عما قريب تجاه إقليم كردستان الغربي، بعد صدور أنباء عن اعتزام السلطات الإيران تحويل مجرى نهر في المنطقة نحو ضواحي العاصمة طهران.
اندلعت "انتفاضة العطش" في وقت بالغ الأهمية بالنسبة للنظام الإيراني، حيث جاءت قبل أسبوعين تقريبًا من تولي الرئيس الجديد إبراهيم رئيسي منصبه، وفي وقت كانت تسعى فيه حكومة الرئيس السابق المنتهية ولايته، حسن روحاني، إلى إنهاء مهماتها، وإغلاق ملفاتها في العديد من القضايا، لتأتي الاحتجاجات الممتدة في الأحواز فتلقي بظلالها على المشهد السياسي المضطرب.
وعلى الرغم من التعامل الأمني مع المتظاهرين، وسقوط قتلى وعشرات المصابين واعتقال مئات المحتجين، فقد استمرت التظاهرات في أنحاء الإقليم، وامتدت إلى خارجه، ما أكد أن الأحوازيين هم طليعة الثورة في البلاد.
ولم تهدأ التظاهرات حينما أقدمت القوات الأمنية المتمركزة في محافظات الإقليم بالقرب من ميادين التظاهر على التراجع بعض الشيء، وكذلك إرسال الجيش الإيراني صهاريج مياه إلى مدن الإقليم في محاولة لاحتواء هذه الاحتجاجات، التي اتخذت بدورها بعداً دولياً، وذلك بإعلان الولايات المتحدة عن متابعتها لتطورات التظاهرات، وانتقادها العنف الموجه ضد المتظاهرين.
وهكذا، تحولت احتجاجات الأحواز على نقص المياه وتغيير مسار ونقل مياه نهر "كارون" إلى محافظات أصفهان ويزد وقم والتي تخللتها مصادمات أسفرت عن سقوط قتلى ومصابين في صفوف المحتجين، إلى استفتاء شعبي برفض التهميش والتمييز، وسوء الإدارة وتغييب الهوية التي يعاني منها العرب على يد النظام الإيراني.
وقالت منظمات حقوقية دولية، في حينه، إن إيران تستخدم بشكل غير قانوني القوة المفرطة في تصديها للاحتجاجات، على خلفية شح المياه في المحافظة الغنية بالنفط، التي تعاني موجة جفاف، جنوب غربي البلاد. وأعلنت "منظمة العفو الدولية" أنها تأكدت من مقتل ثمانية أشخاص في الأقل من المتظاهرين والمارة، بينهم مراهق، في وقت لجأت السلطات إلى استخدام الذخيرة الحية لفض التظاهرات.
واعتبرت "منظمة العفو" أن "قوات الأمن الإيرانية نشرت بشكل غير قانوني القوة، بما يشمل إطلاق الذخيرة الحية وخرطوش الصيد، لسحق تظاهرات سلمية في غالبيتها".
وأكدت منظمات حقوقية دولية أن إيران بدأت تستخدم المياه خلال السنوات الأخيرة للحرب على سكان الأحواز العرب، بهدف تهجريهم من أراضيهم، مشيرة إلى أن تجفيف المياه في الأحواز أدى إلى قطع أرزاق عشرات القرى في الإقليم العربي المحتل، الأمر الذي أدى إلى هجرة إجبارية، كما أن سياسات النظام الإيراني العنصرية ضد العرب الأحوازيين أدت إلى تدمير البيئة وانتشار الأمراض المزمنة والأوبئة الخطيرة مما أدى إلى معاناة كبيرة يعيشها الشعب الأحوازي على مرأى ومسمع من العالم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر:
1- حراك الأحواز ينذر باحتجاجات تعم إيران، موقع الشرق الأوسط، 21 يوليو/تموز 2021.
2- مُحفِّزات قائمة: لماذا تجددت احتجاجات الأحواز في إيران؟ موقع مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، 25 يوليو/تموز 2021.
3- تشديد الأجواء الأمنية في الأحواز مع تمدد «احتجاجات المياه» إلى طهران، موقع الشرق الأوسط، 28 يوليو/تموز 2021.
4- إيران: هل نشهد انبثاق مرحلة تاريخية جديدة بعد انتفاضة عربستان؟ موقع إندبندنت عربية، 28 يوليو/تموز 2021.
ابق على اطلاع على النشرة الإلكترونية