بروفايل| الشهيد عبد الرحمن قاسملو... أيقونة النضال الكُردي

- 23 ديسمبر 2023 - 1366 قراءة

قاسملو أحد أبرز زعماء الكرد في إيران خلال النصف الثاني من القرن العشرين وكان سياسيًا معتدلًا

 

الرئيس الإيراني الأسبق أحمدي نجاد كان المشرف على عملية قاسملو في فيينا عاصمة النمسا

 

دُفن قاسملو في "مقبرة العظماء" بمدينة باريس بعد حياة حافلة بالنضال من أجل الحرية

 

ذكرى نضالاته مازالت تضئ الطريق للأجيال الجديدة من المناضلين الكرد حتى هذه اللحظة

 

 

المناضل الشهيد، الدكتور عبد الرحمن قاسملو (1930-1989)، زعيم الحزب الديمقراطي الكـردستاني الإيراني، هو أحد أبرز زعماء الكرد في إيران خلال النصف الثاني من القرن العشرين، وكان سياسيًا معتدلًا يطالب بإدارة للحكم الذاتي للكرد ضمن إيران، ومثقفًا واسع الثقافة، يتكلم عدة لغات شرقية وأوروبية، اغتالته أيدي نظام الملالي الغادرة في فيينا عاصمة النمسا، في 13 يوليو/تموز 1989.

وُلد الدكتور قاسملو في عام 1930 في مدينة أورمية، بكُـردستان إيران، ودرس المرحلة الابتدائية والإعدادية والثانوية فيها وفي طهران، ومن ثم انتقل إلى مدينة اسطنبول التركية في عام 1948 من أجل إتمام دراسته الجامعية.

يقول الدكتور محمد علي الصويركي في كتابه "تراجم أعلام الكورد" إن قاسملو بدأ أول نشاطه السياسي عام 1945، ولعب دورًا مهمًا وقتها في تشكيل "اتحاد الشباب الديمقراطيين" في كردستان، الذي كان أحد مؤسسات الحزب الديمقراطي الكردستاني.

وبعد فترة قصيرة أصبح عضوًا رسميًا في هذا الحزب، وعمل في جميع مناصب الحزب، فانتخب سكرتيرًا عامًا للحزب، وترقى فيه حتى وصل إلى منصب الأمين العام للحزب الديمقراطي الكردستاني، الذي ينادي بالاستقلال الذاتي لمنطقة كردستان الشرقية.

واقتنع قاسملو فيما بعد بأنه سيتلقى تعليمًا أفضل في أوروبا، حين تعرف خلال وجوده في اسطنبول على الكاتب والصحافي موسى عنتر وبعض الطلاب الكُـرد الوطنيين. وانتقل قاسملو فيما بعد إلى أوروبا بمساعدة موسى عنتر لاستكمال دراسته.

درس في فرنسا، ومن ثمّ في تشيكوسلوفاكيا (سابقًا) العلوم السياسية والاجتماعية لكنه لم يبتعد أبدًا عن هموم ومشاكل وطنه وعن مسؤوليته تجاه هذا الوطن.

قام بتدريس مادة رأس المال والاقتصاد الاشتراكي في جامعة براغ، ودرّس اللغة والثقافة الكُـردية في جامعة السوربون في باريس حتى عام 1961. انتقال قاسملو بين باريس وبراغ كأستاذ محاضر في اللغة والتاريخ الكردي، لفت إليه الأنظار بشدة، فأصبح من أهم الشخصيات الكردية في أوروبا.

 

النضال ضدّ الإمبريالية

 

وقرّر الشاب النابه كمثقفٍ كُـردي الانضمام إلى حركة النضال الديمقراطي ضدّ الإمبريالية، التي تكوّنت في مرحلة حكومة الدكتور محمد مصدق في إيران، فرجع قاسملو إلى البلاد عام 1952.

عمل في المجال السياسي العلني والسرّي لمدة خمس سنوات، وبدأ يظهر كشخصيةٍ سياسية مؤثرة ليس ضمن الشعب الكُـردي فحسب بل ضمن اليسار الإيراني أيضًا.

أُنتخب قاسملو رئيسًا للجنة المركزية في الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني عام 1950، في الوقت الذي شدد الجيش الإيراني من قبضته على الأقاليم الكردية في إيران وبات يديرها ويحكمها الجيش الإيراني، وعمل على تسليح بعض العناصر الكردية الموالية لحكومة طهران، وإبعاد القادة الكرد الوطنيين عن البلاد.

ويقول الشهيد في كتابه "شعب بلا وطن"، "أضحت كردستان منطقة عسكرية مقارنة بسائر المدن في إيران، إنها تحكم من قبل الجيش والشرطة، لاسيما جهاز السافاك، وكانت الحركات الشعبية تعاني الأمرّين، كانت العناصر الأمنية على علم حتى بتحركات بعض الأفراد من القومية الكردية ومطاردتهم من قرية إلى أخرى".

وبعد إطلاق سراح قاسملو بقليل، عقد الحزب الديمقراطي مؤتمره الرابع برئاسة قاسملو في يونيو/حزيران عام 1971، وبدعم وإسناد حزب "توده" الذي ما برح بتقديم المساعدات المادية والعسكرية للحزب. واتفقت آراء الحزبين على إسقاط الشاه، والتوجهات السياسية تجاه الطبقة العاملة الإيرانية.

عاد إلى كردستان في أواخر سنة 1978 وقام برفقة عشرين ألف مقاتل من قوات "البيشمركة" بحملة ضد جيش الشاه في عام 1978، واستولى أتباعه على السلاح من الجيش والشرطة في إيران خلال الاضطرابات التي عمت البلاد، وسيطرت "البيشمركة" على ثماني مدن وعشرين بلدة في كردستان الشرقية، وبذلك وضع الشعب الكردي حجر الأساس لشبه دولة فيدرالية، وأسس فروعًا لحزبه في أنحاء البلاد.

وقال مهدي زانا رئيس بلدية آمد آنذاك "إن قاسملو إنسان ديمقراطي وإداري نشيط، لأنه استطاع أن يبدع في حلّ مشاكل شعبه رغم الظروف الصعبة والإمكانيات المادية الضئيلة".

وعندما سقط حكم الشاه، وقبض موسوي الخميني على مقاليد الحكم 1979، قام الجيش و"الحرس الثوري" بإخماد الحركة الكردية وقصم ظهرها.

وعندما أراد قاسملو الحصول على بعض الحقوق والامتيازات لشعبه عن طريق الحوار السياسي، توجّس الإيرانيين خوفًا منه، لما كان يتمتع به قاسملو من حنكة سياسية وثقافة عالية وشعبية واسعة في مناطق كردستان وأوروبا.

 

الاغتيال الغادر

 

اغتيل الدكتور قاسملو في عملية غادرة بمدينة فيينا عاصمة النمسا، في 13 يوليو/تموز 1989 مع اثنين من رفاقه على أيدي عناصر من المخابرات الإيرانية. صدرت الأوامر مباشرة من هاشمي رفسنجاني، وكان أحد المتورطين في العمل الإجرامي هو الرئيس الإيراني الأسبق محمود أحمدي نجاد، والذي تمتلك حكومة النمسا كلّ الأدلة الجنائية والثبوتية التي تؤكد تورّطه في الجريمة، دون أن تتم محاسبته حتى الآن.

وقتها، تمّ استدراج قاسملو بزعم إجراء مفاوضات مع الجانب الإيراني، ولكن يد الغدر الآثمة والاغتيال السياسي هي اللغة الوحيدة التي يفهمها من يتستّر خلف رداء الدين، فكان أن تمّ اغتيال الدكتور قاسملو مع اثنين من رفاقه المناضلين.

واستطاع عناصر المخابرات الإيرانية الهروب والاختفاء، دون أن يتعرضوا للملاحقة من قبل الأجهزة المختصة في النمسا، فلم يتمّ اتخاذ أي إجراءات ذات مغزى باستثناء الصخب الإعلامي والتنديد الخجول ضد عناصر الجريمة، وتمّ إقفال الملف الجنائي بعد ذلك من دون معرفة الجناة أو ملاحقتهم بشكلٍ جاد ومؤثر وفعال.

ونشرت مجلة "دراسات كُـردية" في عددها المرقم 8 الصادر في باريس سنة 1993 وفي صفحة 49 تصريحًا لابنة الزعيم الكردي هيلين قاسملو قالت فيه "لا زالت الحكومة النمساوية تماطل في إحقاق العدالة فيما يخصّ هذه القضية. وهل معنى ذلك أن الشعب الكُـردي حتى في بلد ديمقراطي وفي قلب أوروبا لا يمكن أن يطمح في إحقاق حقوقه؟".

ورغم أن السلطات النمساوية لم تشر صراحة إلى تورط الاستخبارات الإيرانية في عملية الاغتيال الغادرة، إلا أنها بعد ذلك أشارت إلى مسؤولية السلطات الإيرانية عن ذلك، لكنها لم تتخذ أي إجراء ضد سلطات نظام الملالي، رغم المطالبات الكردية المستمرة بالتحقيق في هذه الجريمة النكراء.

وبعد حياة حافلة بالنضال، دُفن د. عبد الرحمن قاسملو في "مقبرة العظماء" بمدينة باريس، في 20 يوليو/تموز عام 1989، ومازالت ذكرى نضالاته تضئ الطريق للأجيال الجديدة من المناضلين الأكراد حتى هذه اللحظة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المصادر:

1- المناضل عبدالرحمن قاسملو… 31 سنة على الاغتيال، موقع يكيتي ميديا، 12 يوليو، 2020.

2- نبذة عن عبد الرحمن قاسملو في ذكرى اغتياله، موقع حزب الاتحاد الديمقراطي، 18 يوليو، 2017.

3- الشهيد الدكتور عبد الرحمن قاسملو …مثال الشخصية الوطنية المناضلة، موقع روناهي، 11 يوليو، 2019.

4- مقتطفات من حياة ونضال الدكتور عبد الرحمن قاسملو، موقع آرك نيوز، 42 يوليو، 2022.

 

 

 

 

النشرة الإخبارية

اشترك في النشرة الإخبارية

ابق على اطلاع على النشرة الإلكترونية

معلوماتك فى امان معنا! إلغاء الاشتراك في أي وقت.