العرقيات في إيران ليست مجرد جماعات هاجرت من موطنها الأصلي في آسيا وآسيا الصغرى، بل هي قبائل رحل استقرت في مناطق متباعدة من إيران، وبلغ عدد العرقيات أكثر من 72 عرقية، بنسبة مئوية: الفرس 50% الآذير 25% الجيلاكى ومازندرانى 8% الكُرد 7% العرب 3% اللور 2% البلوش 2% التركمن 2% الآخر1%. حيث يعيش في المدن 61% وفي الريف 39% وهو ما يعني أن العرقيات تحتفظ بنظامها وتراثها ومعتقداتها وعاداتها وتقاليدها والتماسك القومي، ومن المعروف أن اللغة هى أساس الثقافة وعمودها، وينتقل التراث الثقافى لكل قوم إلى الأجيال اللاحقة عن طريق اللغة، مما يساعد على إستمرار الهوية القومية. ويعتبر سكان المجتمعات القبلية الإيرانية أكثر تمسكًا بالقوميات واللغات، خاصة: الكُرد واللور والبلوش والفرس والعرب والأتراك والتركمان، حفاظًا على الخصائص الرئيسية لثقافة القوم ولغتهم. ومن أكثر هذه العرقيات تأثيرًا في اللغة الفارسية هي العربية والتركية والتركمانية، فضلًا عن الكردية والبلوشية. ويظهر هذا واضحًا في مراكز التلاقي، سواء السوق الكبرى في طهران أو الوزارات والمصالح الحكومية، أو في الممارسة السياسية، أو في إرتداء الزي القبلي، ومن هنا ينبغي أن نتوقع كيفية التعامل وتأثيرها في اللغة التي يتعاملون بها.
عندما ندرس تأثير العرقيات في اللغة الفارسية لابد أن نضع في اعتبارنا ما أكدناه من أن الحكام هم سدنة اللغة الفارسية، ومن ثم علينا أن ندرس التأثير من خلال العهود التي تغيرت السلطات خلالها، فإذا كانت عهود حكم الفرس قد فرضت اللغة الفارسية إلا أن الفترة التي يسقط فيها كل عهد تضعف اللغة الفارسية لأن المحتل يفرض لغته، وهو ما يعطي فرصة للعرقيات لكي تضيف للغة الأم كثيرًا من الألفاظ الخاصة بها، فضلًا عن أن الديانة الزردشتية قد أوجدت لغة دينية هي لغة الأوستا التي احتفظت بوجودها لأصحاب الديانة لكن دون تأثير على اللغة الفارسية.
بعد دخول الإسلام إيران استفادت العرقية العربية من أمر الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان بتعريب الدواوين، ولما كان للديوان الإيراني تأثير في دواوين الدولة الإسلامية فقد سمح لنوع من الاختلاط بين الفارسية والعربية في المصطلحات، وأدخلت العرقية العربية كثيرًا من الكلمات العربية في اللغة الفارسية. بل إن علماء إيران عندما أرادوا أن يدعموا اللغة الفارسية بقواعد لغوية وضع سيبويه الفارسي كتاب النحو، ليس لتعليم العرب قواعد لغتهم، بل لوضع نظام لغوي يمكن صب اللغة الفارسية فيه، وعندما عاد الإيرانيون إلى لغتهم الفارسية أخذوا العناصر الأربعة التي أشرنا إليها من اللغة العربية بمساعدة العرقية العربية.
في عصر الدويلات في إيران بدأت اللغة الفارسية تعود وتنتعش، ومن ثم تسرب مزج اللغة الفارسية واللغة العربية في عهد الدولة الطاهرية، بينما أكدت الدولة الصفارية بأمر من يعقوب بن الليث الصفار على تثبيت اللغة الفارسية، لكن ذلك لم يمنع تأثير العرقيات فيها، وقد أضافت إلى اللغة الفارسية كلمات ومصطلحات جديدة بدعم الحاكم.
في عصر الدولة الغزنوية جمع الشاعر الفردوسي كل ما استطاع من عناصر وكلمات ومصطلحات الفارسية الأم في منظومته الشاهنامة، لكن الحاكم محمود الغزنوي الذي ينتمي لأصل تركماني لم يقبل بذلك لأنه تجاهل عرقيته، وهو ما جعله يعاقب الفردوسي ويحل دمه! من ثم أضاف الشعراء الآخرين في هذا العصر كثيرًا من المفردات التركية والعربية.
ظهر واضحًا في عصر الدولة السلجوقية تقسيم التطورات التي دخلت في اللغة الفارسية بتأثير العرقيات من خلال تقسيم الأسلوب والسبك الفارسي بالنسبة التي تأثرت فيها اللغة بلغة العرقيات بين السبك الخراساني والسبك العراقي والسبك الصفوي من خلال عرقية الحكام في عهد الدويلات.
أحدث حكام الدولة الصفوية الذين ينتمون للعرقية التركمانية تحولًا كبيرًا في اللغة الفارسية أنعكس على الأدب الفارسي، لدرجة أن المستشرقين لم يستطيعوا دراسة هذا الأدب فوصفوه بأنه يمر بمرحلة انحطاط، وهو وصف خاطئ، وقد فندته في كتابي عن الأدب الفارسي في العصر الصفوي، وتبين أن هذا الأدب وصل إلى درجة عالية من التفنن لم يدركها المستشرقون كانت بتأثير من اللغة التركية واللغة العربية من خلال دعم الحكام الذين كانوا يراسلون الحكام العثمانيين باللغة التركية!
يمكن القول بأن علماء دين الحوزات العلمية الدينية قد أتاحوا فرصة أكبر لتأثير العربية تأكيدًا للتدين والتركية لانتماء الكثير منهم للعرقية التركمانية.
ابق على اطلاع على النشرة الإلكترونية