صدر مؤخرًا عن "الدار العربية للموسوعات والكتب" في لندن، كتاب بعنوان "الخليج العربي- عربستان الأحواز في الوثائق البريطانية والفارسية"، للكاتب والباحث الأحوازي حامد الكناني.
يتطرق الكتاب، إلى أهمية الموقع الجغرافي لمنطقة الخليج العربي الإستراتيجية، كما يتطرق للحقائق والوقائع التاريخية، وتاريخ الوجود العربي على الساحل الشرقي والجزر التابعة لهذا الساحل وشمال الخليج، ثم يتحدّث عن الوضع السياسي للأحواز والساحل الشرقي منذ العهد الإسلامي حتى ظهور الدولة المشعشعية، ومن ثم الدولة الكعبية في القبان، وإمارة آل مرداو في المحمرة، حتى أحداث الحرب العالمية الأولى.
ويتكوّن الكتاب من سبعة فصول، وهو مدعوم بأبرز المصادر العربية والأجنبية، خاصة بعض وثائق الأرشيف الوطني البريطاني التي رُفعت عنها السرية في العقد الأخير وأصبحت متوفرة للجميع في المكتبة الوطنية البريطانية، وعلى موقع مكتبة قطر الرقمية، وعلى موقع الأرشيف الرقمي للخليج العربي على شبكة الإنترنت.
كما يتضمن الكتاب أيضًا، وثائق رسمية فارسية تعود لوزارة الخارجية الإيرانية لم يطلّع عليها معظم الكتاب والباحثين العرب والأجانب الذين كتبوا عن تاريخ الأحواز.
يسرد الكاتب حامد الكناني، بإيجاز، أهمية الموقع الجغرافي لمنطقة الخليج الاستراتيجية، التي كانت ولا تزال تشكل مطمعًا لقوى أجنبية استعمارية عملت وتنافست وأحيانًا تعاونت فيما بينها، بغية فرض سيطرتها على مياه وسواحل الخليج العربي. كما يتطرق البحث للحقائق والوقائع التاريخية، وتاريخ الوجود العربي على الساحل الشرقي والجزر التابعة لهذا الساحل وشمال الخليج.
ويتحدث الكناني، بعد ذلك، عن الوضع السياسي للأحواز والساحل الشرقي منذ العهد الإسلامي حتى ظهور الدولة المشعشعية، ومن ثم الدولة الكعبية في القبان وإمارة آل مرداو في المحمرة حتى اندلاع الحرب العالمية الأولى، حيث الأوضاع والظروف السياسية التي مرَّت بها الأحواز في ظل حكم الشيخ خزعل بن جابر آل مرداو (1897 - 1925م). ومن أجل فهم الظروف التي مرت ببلاد فارس، ودفعتها إلى التوسع جنوبًا واحتلال الأحواز وفرض سيطرتها على إمارات الساحل الشرقي والجزر التابعة وغرب بلوشستان.
ويتناول المؤلف، الظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية، التي مرت بها بلاد فارس منذ عقد اتفاقيتي السلام (تركمانشاي) الأولى (۱۸۱۳ -١٨٢٦م) والثانية، اللتين فقدت بلاد فارس بموجبهما سيادتها الوطنية وأجزاء واسعة من أراضيها وأملاكها في القوقاز.
وتزامنت هذه الفترة مع انفراد الاستعمار البريطاني، وصعود مصالح الإنجليز في الهند وفي المنطقة العربية، حيث اقتضت الحاجة الاستعمارية توسيع بلاد فارس جنوبًا، وذلك لحرمان الدولة العثمانية التي كانت تعد من أبرز القوى المنافسة للاستعمار البريطاني، وتعويضًا لبلاد فارس عن الأراضي التي فقدتها في الشمال خلال معاهدة تركمانشاي.
على الرغم من عدم وجود أدلة تاريخية تدعم المزاعم الفارسية، وعدم وجود ديموغرافية فارسية قاطنة في ضفاف الخليج العربي، فإن الدول الاستعمارية عملت على تكريس تسمية "خليج فارس" وتعميمها بشكل واسع، وذلك نكاية بالدولة العثمانية. كما عملت بريطانيا على منع روسيا وفرنسا ولاحقًا ألمانيا من الوصول لمنطقة الخليج العربي ومنافستها؛ اعتقادًا منها بأن الخليج العربي وهضبة بلاد فارس يشكلان البوابة الطبيعية للوصول إلى الهند.
استفحل دور الدول الاستعمارية في دعم بلاد فارس المتخندقة خلف جبال زاغروس، الممتدة بموازاة الساحل الشرقي وشمال الخليج العربي، خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر الميلاديين، ولعبت المصالح الاستعمارية في المنطقة دورًا خطيرًا في تمكين الفرس من القضاء على الإمارات العربية، الواقعة بين مياه الخليج العربي والهضبة الإيرانية.
ومن أجل معرفة الأسباب الأخرى التي أدت إلى ظهور الدولة الفارسية الشمولية التي أُطلق عليها اسم "إيران" عام ١٩٣٥م، لا بد من الإشارة إلى التدهور الاقتصادي في بلاد فارس وسنوات القحط والموت التي امتدت من سنة ۱۸۷۱م حتى سنة ١٨٧٥م، ثم المجاعة التي تزامنت مع فترة الحرب العالمية الأولى، وامتدت حتى نهاية سنة ۱۹۱۸م، تلك الظروف التي لعبت دورًا مهمًا في جعل بلاد فارس كرة تتقاذفها القوتان اللتان كانتا آنذاك تتصارعان على النفوذ في آسيا، وفي منطقة الخليج العربي على وجه التحديد، وهما روسيا وبريطانيا.
وفي مطلع القرن العشرين أي في عهد الملك القاجاري مظفر الدين شاه، بين عامي (1905 و1907م) دفعت الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية المتدهورة الطبقة المثقفة في بلاد فارس للقيام بالثورة الدستورية التي أدت إلى إقامة البرلمان في بلاد فارس، وكتابة دستور للبلاد.
لكن قيام الثورة البلشفية في روسيا الجار الشمالي لإيران سنة 1917م، وسقوط بعض المحافظات الشمالية من بلاد فارس تحت نفوذ البلشفيين الروس، أثار حفيظة الإنجليز وخوفهم من تصدير الثورة الشيوعية شرقًا حيث الهند، وجنوبًا حيث الخليج العربي، الأمر الذي دفعهم لمحاصرة المد الشيوعي الذي بدأ التحرك باتجاه إيران، وذلك من خلال تغيير النظام السياسي في بلاد فارس، وهو نظام ولايات شبه مستقلة، كان يعرف باسم "مماليك محروسة فارس" إلى نظام مركزي شمولي يقوده العسكر عرف باسم دولة إيران الحديثة التي توسعت من الجهات الأربع على حساب الشعوب غير الفارسية في مواطنها التاريخية، وفرضت القومية الفارسية ولغتها وثقافتها على أقاليم غير متجانسة من حيث اللغة والتاريخ والجغرافيا، وحتى المذهب الديني.
جرى ذلك، من أجل مشروع كارثي أثبت فشله حتى الآن، وهو صناعة "الشعب الإيراني" الواحد في الوطن الواحد، أي صناعة الدولة - الأمة. اعتبر الفرس أن النظام الإيراني الحديث هدية مباركة من الدول الغربية لهم وعلى رأسها بريطانيا، وجاء تعويضًا عن إمبراطوريتهم التي أزالها المسلمون العرب سنة 16 هجرية، حيث استغل القوميون الفرس مقدرات الدولة الإيرانية الحديثة شر استغلال، وفرضوا الهيمنة السياسية والثقافية والاقتصادية وحتى المذهبية على الشعوب غير الفارسية.
ومنذ ظهور الدولة الإيرانية الحديثة نهاية الربع الأول من القرن العشرين حتى اليوم، باشرت الحكومات الإيرانية المتتالية عمليات التنكيل والتجويع والتجهيل والتهميش والتهجير الجائرة ضد الشعوب غير الفارسية، بغية تسهيل عملية صهرها في البوتقة الفارسية.
ابق على اطلاع على النشرة الإلكترونية