حتى يعود الشعب الأحوازي «سيد نفسه»

- 21 يناير 2024 - 221 قراءة

خزعل الكعبي: نحن شعب عربي مضت عليه القرون وهو «سيد نفسه» وليس للشاه عليه إلا السيطرة الرسمية فقط

 

«الكعبي» في رسالة إلى ملكة بريطانيا: الدولة الإيرانية تريد أن تغصب أموالنا وأراضينا وأملاكنا

 

الثورة الأحوازية الباسلة كانت ومازالت عنوانًا تاريخيًا لشعب سُرقت هويته الحضارية على أيدي حكام إيران

 

 

في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، بدأ الأحوازيون يشعرون بهويتهم العربية، وبات لديهم منذ ذلك الحين قضيتان سياسيتان أساسيتان، القضية القومية، والقضية الوطنية.

برزت القضية الأولى، القومية، في أوائل القرن العشرين، حينما كان العرب يحكمون إمارة "عربستان" بأنفسهم، ولم تكن هناك حاجة بعد إلى مقولة "القضية الوطنية"، فقد كان العرب يحكمون أنفسهم بأنفسهم، ويتمتعون بعلاقات ندية مع جيرانهم العرب والفرس، ولم يكن لشاه إيران من سيطرة عليهم.

في تلك الأيام المجيدة من عمر دولة الأحواز العربية المحتلة، وصف الأمير الشهيد خزعل الكعبي حاكم عربستان (1897-1925)، نفسه بـ "العربي الأصيل".

وأكد الكعبي، في رسالة إلى ملكة بريطانيا: "إني مستعد لبذل آخر نفس في سبيل هذا الوطن"، ويعني بها "عربستان" التي كانت تشهد وقتها ثورة ضد الشاه رضا بهلوي، و"الدولة الإيرانية التي تريد أن تغصب أموالنا وأراضينا وأملاكنا" كما جاء في رسالته إلى الممثلين السياسيين البريطانيين.

ومن الجدير بالملاحظة هنا، أن الشهيد "الكعبي" الذي مات في سجنه استخدم، في الرسالة نفسها مصطلح "الشعب العربي الأصيل الذي مضت عليه القرون وهو "سيد نفسه"، وليس للشاه عليه إلا السيطرة الرسمية فقط".

وفي مراحل شتى من التاريخ النضالي المعاصر للنخبة الأحوازية، وبالتحديد في حقب الخمسينيات والستينيات والسبعينيات من القرن العشرين، شاهدنا الترابط بين القضيتيّن القومية والوطنية عند مؤسسي وأعضاء "اللجنة القومية العليا - جبهة تحرير عربستان"، و"الجبهة الشعبية لتحرير الأحواز"، وعلاقاتهم الوطيدة مع الأحزاب والحكام في العراق ومصر وسوريا والدول العربية الأخرى.

وشاهدنا، كذلك، التعاطف الشعبي القومي الأحوازي مع نضال الشعب الفلسطيني، ومع الدول العربية منذ عام 1948، الذي قلما نشهد له نظيرًا بين الشعوب الأخرى في إيران، لا في الحجم ولا النوعية، وكان موقف نظام الشاه الموالي لـ (إسرائيل) يزيد من حدته.

 

إعادة إنشاء "الإمبراطورية"

 

لا جدال أن مفهوم "الأمن القومي" تطور خلال العقود المنصرمة وخرج عن إطار معناه التقليدي، فلم يعد يقتصر على الأمن العسكري والاستخباراتي وتأمين الحدود والأجواء فحسب، بل امتد ليشمل نواح حياتية أخرى، مثل الأمن الثقافي والاجتماعي والمائي واللغوي.

لذلك، فإن النظر في مفهوم الأمن القومي العربي، وخاصة فيما يتصل بالأحواز، يتطلب النظر في العقلية الفارسية الحاكمة، والتي لطالما كانت محصورة بين أقوام قوية، ومن ضمنها العرب والترك. وقد عاش الفرس دائمًا في حالة من الخوف من القوميتين القويتين المجاورتين، لذلك سعوا إلى التمدد خارج حدودهم لحماية أنفسهم، فكانت دولة الأحواز العربية هي الضحية الأولى.

 

ثورة "تقرير مصير"

 

ظهرت القضية الوطنية، إذًا، بعد أن فقد الشعب الأحوازي سيادته على أرضه وحكمه في مملكته التي أصبحت مستعمرة، وملحقة قسرًا بالكيان الفارسي الإيراني، الأمر الذي دفع الأحوازيين إلى الثورة ضد الاحتلال الإيراني، وبذل عشرات الآلاف من الشهداء الأبرار منذ احتلال الإقليم عام 1925، حتى هذه اللحظة.

ولكن الثورة الوطنية الأحوازية رغم مرارة التعتيم الإقليمي والدولي على نشاطاتها، وتنكر بعض الأنظمة العربية لها، وصعوبة المواجهة الميدانية مع قوات الإرهاب الإيرانية، ظلت من الشواخص الشامخة في ملفات النضال الوطنية للشعوب الحرة الأبيّة، التي تأبى الضيم والظلم والاحتلال.

واستمرت ثورات الأحوازيين وانتفاضاتهم في وجه المحتل الفارسي بوسائل وصيغ شتى، وهي ثورة تقرير مصير حاسم لشعب عربي أصيل يئن تحت طائلة أبشع احتلال تجهيلي ولصوصي في تاريخ الشرق بأسره.

كانت الثورة الأحوازية، ومازالت، عنوانًا تاريخيًا لشعب سُرقت هويته الحضارية على أيدي حكام إيران وبمختلف توجهاتهم من قومية "شاهنشاهية" متطرفة، إلى نظام ديني عنصري يغطي عنصريته بالشعارات الدينية والطائفية، ويحاول القفز على الحقائق التاريخية والميدانية، ومحاولة إجهاض النزعة الوطنية والتحررية الكامنة في أعماق الأجيال الأحوازية العربية، التي لم تعرف أبدًا مرارة النكوص والانسحاب من ساحة المواجهة والنضال.

ورغم العديد من عوامل الإحباط والتردي والجهل السائدة في الساحة الأحوازية، بفعل واقع عقود الاحتلال والهيمنة، إلا أن اليأس لم يعرف أبدًا طريقه للأجيال الأحوازية الشابة التي تخوض حاليًا إدارة الصراع برؤى متجددة، وبأدوات ووسائل متناسبة وروح العصر الحديث، ووفق ثوابت وطنية وقومية تحررية لا تعرف المهادنة ولا التراجع عن الحقوق التاريخية وعن مبدأ حق تقرير المصير.

 

الحرية والكرامة والاستقلال

 

خلال الأعوام الأخيرة، وبالتحديد منذ اندلاع ما يُسمى "ثورات الربيع العربي" في المنطقة عام 2010، هناك ثمة متغيرات وتفاعلات ميدانية ساخنة، جرت على الساحة الداخلية الأحوازية، وأنتجت قوى قادت حركة الحرية والكرامة والاستقلال، وهي قوى أفرزتها حالة المواجهة التاريخية المتغيرة وعززت بالتالي كفاح الجماعات والأحزاب القومية الأحوازية والتي لها تاريخ حافل في مقاومة المحتل الفارسي العنصري الذي لا يتردد أو يحجم أبدًا عن ضرب وتصفية وإنهاء أي صوت تحرري مهما كانت قاعدته الفكرية والأيديولوجية. وأمام مستحقات وواجبات المرحلة القادمة والتي ستشهد تصعيدًا وطنيًا شاملًا للنضال من أجل الاستقلال، ونزع زمام المبادرة من النظام الطائفي المتغطرس بحمولته العنصرية الوقحة.

وبالتالي، يكون لزامًا على جميع القوى الوطنية الأحوازية، من مختلف التوجهات، السعي إلى توحيد الخطاب التحرري، والعمل على تشكيل جبهة وطنية وقومية، هدفها الأساس ومحورها الرئيس هو صياغة خارطة طريق شاملة لوحدة وطنية ونضالية وكفاحية أحوازية، تُظهر للعالم أجمع وحدة الكفاح الوطني الأحوازي، والإصرار على فرض أجندة الاستقلال والتحرر ومخاطبة العالم بأسره.

وتحفيز الداخل الوطني الأحوازي على تفعيل الصراع الوطني ومواجهة المحتل المتغطرس بكل الوسائل والأدوات التي تكفل إزاحة ظله الثقيل وتصحيح التاريخ وإبراز الهوية الوطنية والقومية الأحوازية التي ستوجه الضربة القاضية والنهائية لكل خطط الشر والتخلف التي يباشرها نظام العدوان والغطرسة والعنصرية الطائفية المقيتة في طهران، لابديل اليوم للتحالف القومي في الساحة الأحوازية، للولوج إلى مرحلة حاسمة من مراحل إدارة الصراع الوطني الشامل، من أجل "الأحواز الحرة العربية المستقلة"، التي ستعزز من عروبة الخليج العربي وستطفئ نيران الفرس الحاقدين، وتسهم في تعزيز الوحدة الوطنية الأحوازية على طريق الخلاص الحاسم والسريع، لمواجهة الخطر الإيراني وتفعيل دور المقاومة في إطار منظومة الأمن القومي العربي.

ومن الأهمية بمكان، تقديم الدعم الإعلامي العربي للأحوازيين، وبصفة خاصة السعي لتوضيح الصورة الحقيقية بأن الأحوازيين، وفيهم نسبة كبيرة من الشيعة، يتعرضون للاضطهاد على أساس قومي، وبذلك يتم فضح الزيف والادعاءات الفارسية بحماية الشيعة في كل مكان.

كما أن من المهم أيضًا، رصد مساعي الدولة الفارسية لتغيير التركيبة السكانية في الأحواز، وتوثيق عمليات التهجير والتوطين وإعادة صياغة الخريطة الديموغرافية، بما يمثل انتهاكًا صارخًا لمواثيق الأمم المتحدة، بما يوجب تحويل القضية الأحوازية إلى قضية دائمة البحث والعرض على صعيد الأمم المتحدة ومؤسساتها، بطرق التوثيق والنشر والتعريف والحشد والضغط.

وعلينا كذلك، معالجة أسباب فشل التواصل السياسي الأحوازي مع الحكومات العربية، والتركيز على الضرورة القصوى لوحدة الصف الوطني الأحوازي. حتى يعود الشعب الأحوازي العربي، من جديد، "سيد نفسه".

 

 

النشرة الإخبارية

اشترك في النشرة الإخبارية

ابق على اطلاع على النشرة الإلكترونية

معلوماتك فى امان معنا! إلغاء الاشتراك في أي وقت.