حديث الوثائق| هل اقترح البريطانيون فعلًا إنشاء دولة عربية مستقلة في جنوب بلاد فارس عام 1943؟

- 1 نوفمبر 2024 - 64 قراءة

أشرت في الجزء الثاني من مقال "ثورة الشيخ يونس بن عاصي والإعلان عن إقامة «مملکة عرب الشرق» في غرب الأحواز عام 1944″ إلى انتشار شائعة مفادها أن البريطانيين ينوون إنشاء دولة عربية مستقلة في الأحواز وذلك وفقاً لما ذكره القنصل البريطاني العام في الأحواز في برقيته المرسلة بتاريخ 25 يونيو (حزيران) 1943 إلى السفارة البريطانية في طهران. جاء في البرقية ما نصه:

"لقد سمعت بالتأكيد من مصدر مستقل تمامًا أن بعض العرب في هذه المنطقة ينشرون شائعة مفادها أن البريطانيين يقترحون إنشاء دولة عربية مستقلة في جنوب بلاد فارس. لكن ليس لدي أي تحقق مستقل من صحة التفاصيل المذكورة أعلاه".

عند مراجعة الأحداث والحراك السياسي الواسع الذي حصل في جميع انحاء الأحواز بعد سقوط رضاخان بهلوي وخلعه بعد هزيمة الجيش الفارسي امام قوات الدول المتحالفة في الحرب العالمية الثانية نجد ان هذه الشائعة انتشرت بعد تحرك سياسي سلمي لشيوخ وزعماء القبائل العربية وعدد من الشخصيات المجتمعية بمخاطبة الحكومة البريطانية من خلال ارسال رسالة تاريخية مهمة يطالبون فيها مساندة الشعب الأحوازي في كسر طوق العبودية وطرد المستعمر الفارسي ومنح حق تقرير المصير لهذا الشعب الذي تعرض لأبشع أنواع الاحتلالات واقذرها في عهد رضاخان الذي وصف في الكثير من المصادر الفارسية بالعهد الدموي.

 

اليكم نص هذه الرسالة التاريخية التي وجهت لوزير الدولة في الحكومة البريطانية من قبل زعماء ومشايخ وشخصيات عربية احوازية وتحمل اسمائهم وتوايقعهم واختامهم. الرسالة يبدو قدمت للسفارة البريطانية في القاهرة وتحمل تاريخ 25 مايو (آيار) 1943 أي قبل عام تقريبا من انتشار الشائعة التي تقول ” أن البريطانيين يقترحون إنشاء دولة عربية مستقلة في جنوب بلاد فارس”.:

 

عربستان 25 مايو(أيار) سنة 1943.

 

إلى حضرة صاحب الفخامة المستر آر. جي. كي، وزير الدولة البريطانية العظمى، الأفخم.

 

القاهرة.

 

سيدنا النبيل.

 

نحن العرب، سكان الإمارة العربية المعروفة بإمارة عربستان الكائنة على خليج فارس. نتشرف بتقديم احترامنا الجزيل إلى شخصكم الكريم ونستأذن مقامكم الرفيع في أن نعرض على أنظاركم كلمتنا التاريخية هذه، ولنا الأمل الوطيد بأنها ستنال على يدكم عناية حكومة حضرة صاحب الجلالة البريطانية المعظمة وعطفها وعناية حكومة الولايات المتحدة الأمريكية الديمقراطية الكبرى، وعطفها اللتان يهمهما حرية الشعوب العربية في شتى أنحاء العالم.

 

 تعلمون يا صاحب الفخامة، بأن العرب قوم قد تعشق الحرية منذ خلقوا، وقد كانوا في جميع مراحل التاريخ يناصرون قوى الحرية والخير، ويبذلون في سبيل انتصار الحق النفس والنفيس. وإن ما قام العرب به في الحرب العالمية التي انتهت بعام 1918، من مناصرتهم الحلفاء، دليل على ما عرضناه هنا. واليوم، وبعد مرور ربع قرن على نهاية الحرب، الماضية، فقد شاء التاريخ أن يرفع الحلفاء مرة ثانيه لواء الحرية العالمية ضد الطغيان فانضوت تحته جميع الشعوب الديمقراطية التي تقدس الحرية والحق وها أنتم ترون قومنا العرب كذلك يجددون العهد لمناصرتهم العدل، فيهبون لشد ازر الحلفاء باذلين كل ما في وسعهم من عون وتأييد في القول والفعل. وهذا ما حدث بالأمم الديمقراطية الكبرى أن تعلن اليوم على ألسن قادتها، وزعماءها ما يجدد العزم في العرب، وما يقربهم من أمانيهم التي طالما نادوا بها وينتظرون تحقيقها بفروق الصبر، ونحن عرب إمارة عربستان بما فيها الدورق و الحويزة، و الاحواز، و عبادان والمحمرة، واخيره التي تبلغ نفوسنا حوالي ال1,000,000 عربي. نعتقد بأن يوم وخلاصنا من استعباد الإيراني الأجنبي قدمنا. وها نحن صرنا نشاهد نور العمل يشع قويا أمام أعيننا. في يملئ صدورنا همة وقلوبنا نشاطا وعزما، وهذا ما دفعنا إلى أن نرفع كلمتنا هذه الى الامم الديموقراطية العظيمة على يدكم الكريمة للنظر في خلاصنا مما نحن فيه من هضم لحقوقنا.

 

 كانت لنا يا صاحب الفخامة في هذا الجزء من الوطن العربي امارة عربية هي منا والينا وكنا نعيش في ظلها متمتعين بحريتنا وكنا نمارس عاداتنا القومية وطقوسنا الدينية ونتكلم لغتنا المحبوبة في حرية تامة واطمئنان كبير. وقد تمتعنا بهذه النعمة عدة قرون كنا نتهيأ من خلالها لاستعادة مجد هذه البقعة العربية وأحياء ماضيها المجيد بالتعاون مع الشعوب التي تحترم حقوق الانسان وحريته. وان المامة بسيطة بتاريخ عربستان تبين الدور المهم الذي قام به السكان العرب في هذا الجزء من البلاد العربية في سبيل الثقافة البشرية فكم أخرجت هذه البقعة من قادة وزعماء وكم أنجبت من علماء وادباء وحكماء وفقهاء وكتابا ومؤرخين قاموا جميعاً بما ترتب عليهم من خدمة المعرفة الإنسانية خير مقام.

 

كانت هذه الامارة العربية جادة في هذه الطريقة المشرفة من الحياة وكان آخر من حكمها من الأمراء العرب في أوائل القرن العشرين المرحوم الشيخ خزعل فلم يرق هذا الاتجاه القومي لاعين الطغاة الايرانيين فدبروا لها الدسائس واحكموا ضدها المؤامرات وما زالوا بها كذلك حتى قضوا عليها. ومنذ ذلك الحين ونحن نقاسي اشد انواع الاضطهاد ونعاني الحرمان من حريتنا على يد أولئك الطغاة المستهترين من حكام ايران . ولم يكتف هؤلاء المستهترون بما سلبوا منا من حرية وما اهتضموا من حق وانما وضعوا الخطط للقضاء على قوميتنا واستئصال لغتنا العربية وقد تعرضوا لأمور ديننا باسوا ما استطاعوا وتدخلوا في عاداتنا العربية ونظامنا العائلي تدخلا كاد يأتي على البقية الباقية منها لنا.

 

 دام هذا الكابوس مخيما علينا جاثما على صدورنا حتى قيض الله لنا قبل عامين جيوش الامم الديموقراطية الكبرى فأنقذت الموقف واوقعت الطغيان عند حده. وعندئذ فقط بان لنا بأرق الأمل فأحيا فينا الاماني.

 

أيها النبيل المحترم.

 

انه لمن اعز أمانينا القومية وأنتم تنظرون الان في تحقيق أماني الشعب العربي أن تعاد الينا حريتنا وتعود الينا امارتنا العربية في ضمن حدودها الجغرافية المعروفة منذ القديم وأن تمنح هذه الإمارة استقلالها مثل الامارات العربية الأخرى على أن تكون عضوا في الاتحاد العربي الذى نوه به مرارا زعماء الامم الديموقراطية ورجالها السياسيين المسؤولين وذلك لأجل ان تتمكن من التهيؤ للمساهمة بما يترتب علينا من الواجهات القومية من سياسية وعسكرية في مثل هذه الظروف التاريخية ذات الاهمية العظمى التي يجتازها شعبنا العربي مع شعوب العالم.

 

 وعلى هذا فنحن شيوخ ورؤساء جميع القبائل العربية وسكان مدن أمارة عربستان قد وقعنا بتواقيعنا واختامنا على هذا الطلب التاريخي ونحن نمثل جميع طبقات السكان العرب في المدن والأرياف والمزارع المنتشرين في جميع نواحي الامارة بلا استثناء.

 

فعليه نرفع قضيتنا الى مقام فخامتكم راجين التفضل بأن تشملوها بعطفكم السامي وتستصوبوا عرضها على المؤتمرات التي تعقد لتقرير مصير الشعب العربي وذلك الاخذ بيدنا وانقاذنا من وضعنا السيء الذي لا يطاق والذي يؤثر حتما على الامن والطمأنينة في الشرق الأوسط في بقعة من الوطن العربي هي اليوم تؤلف العصب الحساس لمجهود الحلفاء الحربي بالنظر لما فيها من مواد خام ولما لها من أهمية جغرافية واقتصادية وسوقية. وعند اجتماع المؤتمر العربي سوف توفد من يمثلنا فيه ممن تعتمد عليه ونثق به من امرائنا من بيت المرحوم الشيخ خزعل ونزوده بكتاب الاعتماد موقعا بتواقيعنا واختامنا.

 

وفي الختام نرجو الله أن يأخذ بيدكم ويوفقكم الى نصرة الحق والحرية ونشرهما في البقاع العربية خاصة والشعوب العالمية عامة.”

 

انتهى النص.    

النشرة الإخبارية

اشترك في النشرة الإخبارية

ابق على اطلاع على النشرة الإلكترونية

معلوماتك فى امان معنا! إلغاء الاشتراك في أي وقت.