خطأ باتجاهين

- 5 إبريل 2022 - 502 قراءة

التهافت الغربي عمومًا والأمريکي خصوصًا من أجل التوصل الى اتفاق نووي مع نظام الملالي في إيران والذي يذکرنا بذات التهافت "البائس" في الفترة التي سبقت الاتفاق النووي للعام 2015، لايوجد هناك من حصيف يثق به ويبني عليه الآمال، ذلك إن الموضوع ليس بعبارة عن "کبسة زر" أو أي شئ من هذا القبيل بل إنه ليس أصعب وإنما أعقد من ذلك بکثير، ولاسيما وإن الموضوع لم يعد فقط موضوع حل مشکلة البرنامج النووي الإيراني بل إن المشکلة في النظام ذاته وإن البرنامج النووي مجرد مشکلة جانبية متفرعة عنه.

من کل النواحي فإن إيران 2022، ليست إيران 2015، وهذه حقيقة مهمة يجب أخذها بنظر الاعتبار والأهمية، خصوصًا وإن نظام الملالي يصر على التفاوض والحوار مع الغرب على أساس منطق وروحية عام 2015، وبصورة وکأنه يرى إن الولايات المتحدة الأمريکية لازالت على ذمة أوباما وإن بايدن ليس إلا مجرد نائب له، والذي يثير السخرية والامتعاض إن بايدن ومع تهافته "الأوبامي" على نظام الملالي من أجل التوصل الى اتفاق نووي، يوحي بأنه يساير الملالي على ذلك المنطق.

المصيبة إن نظام الملالي يصر على إن المشکلة تبدأ من حيث جرى الانقطاع فيه بين واشنطن وطهران، في الوقت الذي إن إيران اليوم کما أسلفنا ليست إيران الأمس حتى يتم الحوار والتفاوض على أساس منه، إذ هناك أمران مهمان هما؛ إن البرنامج النووي للنظام في الوقت الحالي ليس کما کان عليه في عام 2015، بل إنه تطور کثيرًا وصار بصورة أو أخرى قريبًا مما يتخوف منه الغرب، والأمر الثاني هو إن العامل الاجتماعي الإيراني قد دخل على الخط بقوة حيث شهدت إيران منذ عام 2018، ثمان إنتفاضات کبرى، ثلاثة منها على مستوى إيران کلها، والسمة المميزة في هذه الانتفاضات هي إنها مناهضة للنظام وتستهدفه وبالأخص وإن شعار "الموت لخامنئي" قد أصبح شعارًا مرکزيًا وحتى دائميًا، ومن هنا فإن المشکلة لم تعد بين  الغرب والنظام  بل بين الشعب الإيراني والنظام وهذا مايسعى النظام للتغطية عليه والترکيز على إن المشکلة بينه وبين الغرب والمثير للسخرية إن الأخير ليس يسايره فقط وإنما يتفق معه على ذلك!

بقدر مانجد أوباما وحلفائه الأوربيين ينتظرون بشوق من أجل إبرام الاتفاق النووي مع نظام الملالي، فإن الأخير أکثر شوقًا وحتى تحرقًا منهم ذلك إنه الجانب الأضعف ليس أمامهم فقط وإنما حتى أمام الشعب الإيراني نفسه، وهو کعادته بحاجة لاتفاق دولي جديد يستخدمه مرة أخرى ضد شعبه والمعارضة الإيرانية کشهادة ليس فقط  من حيث حسن سلوکه وإنما حتى الاعتراف به کما هو.

لو أعدنا الذاکرة الى إنتفاضة 15 نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، عندما قامت مايقرب من 200 مدينة بالانتفاض بوجه النظام وقد وصل الأمر إلى حافة الثورة ولذلك فإن قيام الحرس الثوري بإطلاق النار على المنتفضين وقتل ما لا يقل عن 1500 متظاهر أعزل وذلك من أجل ردع وإرعاب الشعب الإيراني، غير إن الذي جرى هو إنه وبعد شهرين من ذلك فقد نزل الشعب ذاته للشارع مرة أخرى ليٶکد ويثبت بأن الشعب لم يعد يشعر بالرهبة والخوف من النظام. وحتى إن إسراع خامنئي من أجل الإعداد والتهيؤ لمجئ إبراهيم رئيسي المعروف في إيران بسفاح مجزرة 1988، کرئيس للبلاد من أجل تکثيف الممارسات القمعية وتقوية التدخلات في المنطقة وکذلك الاستمرار في المساعي من أجل الحصول على السلاح الذري.

خامنئي قام ومن أجل التصدي للشعب الرافض للنظام وإنجاح مهمة إبراهيم رئيسي، بإقصاء جناح کان النظام قد اعتمد عليه لـ 16 عمامة، وتحديدًا خلال دورتين رئاسيتين لمحمد خاتمي ونفس الشئ لحسن روحاني، لکن رئيسي لم يتمکن من تحقيق ما کان مطلوب منه بدليل إن الاحتجاجات الشعبية وحتى إندلاع إنتفاضة لأهالي إصفهان قد قامت بوجه النظام ولم يتمکن رئيسي حتى على تلبية الحد الأدنى لمطالب الشعب الإيراني الذي بات وفقًا للإحصاءات الحکومية يعيش 80% منه تحت خط الفقر.

إلى جانب ذلك فإن الذي عقّد مهمة رئيسي وأحرج النظام هو النشاط المتزايد لمجاهدي خلق وعلى سبيل المثال فإنه وفي 5 يناير/ كانون الثاني 2022، أضرمت الشبکات الداخلية لمجاهدي خلق بإضرام النار في نصب کبير لقاسم سليماني في مدينة "شهر کرد" في وسط إيران وذلك بعد يوم واحد فقط من إزاحة الستار عنه، وفي 27 يناير/كانون الثاني 2022، تم إختراق شبکة الإذاعة والتلفزيون الحکومية في أنحاء إيران لمدة 10 ثوان وتم بث صورًا لقادة المعارضة الإيرانية وهتافات "الموت لخامنئي ، تحية لرجوي"، ونشاطات أخرى متعددة بما يثبت إن طريق النظام ليس مفروشًا بالورود وإنه ليس کما يتصوره الغرب ممسکًا بزمام الأمور کما کان الحال في عام 2015، والأهم من ذلك کله إن الشعب الإيراني لم يعد يثق بالنظام ويعول على الاتفاق النووي کما کان الحال في اتفاق عام 2015، عندما قام النظام بصرف المليارات المجمدة التي تم إطلاقها على توسيع وترسيخ تدخلاته في المنطقة.

النقطة المهمة الأخرى هي إن الاقتصاد الإيراني المشلول والمعاني من أزمة مزمنة مترسخة على طول 4 عقود، ليس بإمکان الاتفاق النووي وماسينجم عنه من فوائد للنظام وخصوصًا مع إطلاق المزيد من المليارات المجمدة، أن يخرج الاقتصاد الإيراني من أزمته الخانقة بل إن الأزمة وباعتراف مسٶولين إيرانيين ستبقى، وإن الذي سيجري هو مجرد منح النظام فسحة أخرى من الأمل لإشعار آخر کي يقف بوجه الشعب ومن ثم تعود الأمور کلها إلى ما کانت عليه، إذ أن النظام لن يتخلى عن طموحه النووي کما يأمل الغرب مثلما إن الاتفاق النووي لن يحل معضلة النظام الداخلية وستستمر المواجهة بين النظام والشعب، وباختصار فإن الاتفاق النووي لن يکون إلا بمثابة خطأ باتجاهين.

 

النشرة الإخبارية

اشترك في النشرة الإخبارية

ابق على اطلاع على النشرة الإلكترونية

معلوماتك فى امان معنا! إلغاء الاشتراك في أي وقت.