بعد أعوام من الصراع بين المملكة العربية السعودية وإيران، قررت السلطات في البلدين استئناف المحادثات في محاولة لطي صفحة العداء، وبالفعل استضافت العاصمة العراقية بغداد عدة جولات، وسط تفاؤل بنجاح جهود التفاوض، ولكن هناك بعض الأصوات التي تؤكد استحالة نجاح الحوار في ظل تمادي إيران في تصرفاتها.

واعتبر رئيس مركز الخليج للدراسات الإيرانية، شريف عبد الحميد، في حوار مع "العاصمة NCN" أن المحادثات بين الرياض وطهران تتقدم إلى الأمام، مؤكدا أن أي مصالحة بين البلدين ستشمل ضمانات لعدم التوسع الإيراني في المنطقة. وإلى نص الحوار:

 

• ما هي قراءتك لآخر التطورات في المحادثات السعودية – الإيرانية؟

 

- في تقديري، المحادثات السعودية الإيرانية تسير حاليًا في طريق التقدم، ويحاول الطرفان منذ بدء المحادثات بالعاصمة العراقية بغداد في أبريل 2021، المُضي قُدمًا في سبيل إعادة العلاقات الدبلوماسية بينهما إلى ما كانت عليه قبل عام 2016.

وقد شملت آخر تطورات الجهود السعودية الإيرانية من أجل المصالحة، إعادة بناء بعض الروابط الدبلوماسية الرسمية بين البلدين، كمبادرة طيبة من الرياض، وذلك من خلال منح تأشيرات لثلاثة دبلوماسيين إيرانيين، ليمارسوا مهام العمل في “منظمة التعاون الإسلامي”، وهي خطوة إيجابية ومهمة، لإعادة العلاقات بين الجانبين إلى سابق عهدها.

وأرى أن ما قاله ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، في حواره الأخير مع مجلة “أتلانتيك” الأمريكية مؤخرًا، بأن السعودية وإيران “جارتان” لا يمكن لأحدهما التخلص من الأخرى، وأن الحل يكمن في التعايش المشترك بينهما، أرى هذا التصريح الواضح مؤشرا على قرب التصالح بين البلدين، وأن ثمة فرصة مواتية لإعادة المياه إلى مجاريها.

غير أن ذلك لن يكون في القريب العاجل، فقد تتمهل السعودية لفترة ما حتى تتخذ القرار السياسي المتعلق بإتمام الأمر على أحسن وجه ممكن، ومن ثم إيصال العلاقات إلى مستويات أعلى، خاصة أن الجانب الإيراني أبدى موقفًا متشددًا إلى حدٍ ما من بعض القضايا المطروحة للنقاش، في معظم جولات التفاوض السابقة، كون الأوضاع المتعلقة بهذه القضايا شائكة، وليس من السهل البت فيها بين عشية وضحاها.

كما أن الخطاب الإعلامي الإيراني لا يزال يهاجم المملكة، ومازالت ميليشيات “الحوثي” اليمنية المدعومة من إيران تشن هجماتها على المنشآت المدنية في كل من السعودية والإمارات، بلا توقف، ما يعني أن الأمور لم تصل بعد إلى اتفاق شامل، يتضمن إيجاد حل جذري للأزمة اليمنية القائمة منذ احتلال الحوثيين لصنعاء عام 2014، حتى الآن.

 

• ما دلالة غياب الشروط المسبقة في المفاوضات بين السعودية وإيران؟

 

- أعتقد أن عدم وجود شروط مسبقة لدى الطرفين، يؤكد سعيهما المشترك إلى المصالحة وفق منظور واقعي، من أجل تحقيق مصلحة الإقليم برمته، وليس مصلحة الرياض وطهران فقط. ولقد قدمت السعودية الكثير من المؤشرات التي أفصحت عن حسن نوايا المملكة، وعلى إيران في المقابل أن تقدم – بدورها – ما يؤكد أنها جادة في التصالح، ليس مع السعودية فحسب، بل مع جميع دول الخليج بما في ذلك مملكة البحرين، التي عانت كثيرًا من التدخلات الإيرانية في شؤونها الداخلية.

ولدينا معلومات مفادها أن الرياض تدرس السماح لإيران بإعادة فتح قنصليتها، ومكتبها التمثيلي الخاص بـ”منظمة التعاون الإسلامي”، والاثنان موجودان في مدينة جدة، وليس في العاصمة السعودية. وفي المقابل، فإن الرياض ليست مستعدة بعد لإعادة فتح قنصليتها في مدينة مشهد الإيرانية، حتى تتضح الرؤية على الأقل، خلال الفترة المقبلة.

 

• حال نجاح المفاوضات.. هل من الممكن أن تتراجع إيران عن ممارساتها التوسعية في المنطقة؟

 

- من البديهي أن تضمن المصالحة الإيرانية السعودية، تراجع إيران عن ممارساتها التوسعية في المنطقة، وإلا فما هي المكاسب التي تحققها دول المنطقة من هذا التصالح؟ والأمر يتوقف على مدى قدرة نظام الملالي، في النهاية، على تفهم الأوضاع الجديدة في المنطقة والعالم، وأن من الأفضل للجميع على حد سواء التعايش معًا، بدلًا من المواجهة المستمرة التي لم يربح منها أحد شيئًا.

وسبق أن أجرت كل من الرياض وطهران محادثات مباشرة في عهود سابقة، وتحديدًا خلال عهدي محمد خاتمي وأحمدي نجاد، بشأن بعض الملفات الإقليمية. لكن هذه المحادثات ارتبطت بـ”خيبات متتالية” وفق تعبير بعض المسؤولين السعوديين أنفسهم، وذلك بسبب عدم جدية الطرف الإيراني في التوصل إلى حلول ناجعة للقضايا الإقليمية.

وهذه الجولات الجديدة من المحادثات تختلف عن سابقاتها في كونها لا تتم على مستوى سياسي رفيع، مع ما يستتبع ذلك عادة من مواقف حادة، بل تجري على مستويات سياسية أقل شأنًا، وهي الطريقة الأنسب لإنجاح المفاوضات في تقديري، لأنها بذلك تتم على مستوى عملي، ومن ثم تنتقل إلى مستوى أعلى حال إحرازها تقدمًا ملموسًا، وهكذا، حتى التوصل إلى حلول للمشاكل العالقة بين الجانبين على مدار العقود الماضية.

والحقيقة أن السعودية استجابت منذ البداية لمساعي العراق من أجل إجراء هذه المحادثات مع الجانب الإيراني، لكي تؤكد الموقف السعودي الذي لا يعارض مبدأ التفاوض، بل يسعى جديًا إلى الحلول السلمية على أساس حسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للآخرين، وهو الأمر الذي يوجب على الجانب الإيراني ضرورة التمسك بنفس المبادئ، وأن توجّه “وكلاءها الإقليميين” إلى ضرورة الالتزام بذلك، مع وقف تسليح جماعة “الحوثي” الإرهابية في اليمن، ووقف التدخل في الشؤون الداخلية لدول عربية مثل سوريا والعراق ولبنان، والتعاون مع الآخرين لفرض الأمن والسلم في منطقة الخليج، والحد من طموحاتها النووية التي أدت إلى عزلتها عن المجتمع الدولي.

 

• ما السيناريو المتوقع في الدول العربية المتضررة من إيران ووكلائها حال نجاح المفاوضات؟

 

- من السابق لأوانه الحديث عن سيناريوهات محددة لمستقبل الأوضاع في الدول العربية المتضررة من النفوذ الإيراني، مثل سوريا والعراق واليمن ولبنان، حال نجاح المحادثات السعودية الإيرانية، لأن أحدًا من المراقبين لا يعلم بعد المدى الذي يمكن أن تصل إليه التفاهمات بين الجانبين.

 

• هل ستكون الملفات المعقدة في هذه الدول ضمن رؤية لحل شامل لأزمات المنطقة برعاية دولية؟

 

- ربما. ونتمنى ذلك. ونحن لا نتوقع أن تؤدي جولات المحادثات بين السعودية وإيران إلى حصول تفاهمات سريعة، بشأن الأوضاع في الدول العربية المتضررة من النفوذ الإيراني، ولكن المحادثات سيكون من شأنها بطبيعة الحال تخفيف الحملات الإعلامية المتبادلة، وخفض مستوى العنف في اليمن، واحتمالات تقديم تنازلات متبادلة من الطرفين، هنا أو هناك. وهو الأمر الذي سيكون بمثابة “حلول مرحلية” للمشكلات المزمنة في تلك البلدان العربية.

 

• هل تعنت إيران في الملف النووي يؤثر بالسلب علي نجاح المفاوضات؟

 

- لا جدال أن تعنت إيران في الملف النووي، سوف يلقي بظلال سلبية على المحادثات مع السعودية، فهذا الملف هو “مربط الفرس” في أي مفاوضات مع إيران في الوقت الراهن، ومن الممكن ترحيل بقية الملفات بما في ذلك سلوك إيران العدواني، والميلشيات التابعة لها في المنطقة، إلى وقت لاحق بعد تطور العلاقات بين الجانبين.

إذا لم يتم حل معضلة الملف النووي الإيراني في مفاوضات فيينا بشكل نهائي، وبطريقة تُرضي جميع الأطراف الإقليمية، وليس القوى الغربية والدولية فقط، فلن تكون هناك فرصة لتطور المصالحة المرتقبة بين الطرفين السعودي والإيراني، إلى آفاق أبعد من التعاون المشترك، وهو ما عبّر عنه ولي العهد السعودي عندما قال في الحوار المشار إليه: “أعتقد أن أي بلد في العالم لديه قنابل نووية يُعد خطيرًا، سوءًا إيران أو أي دولة أخرى، لذا نحن لا نود أن نرى ذلك، وأيضًا نحن لا نرغب في رؤية اتفاق نووي ضعيف؛ لأنه سيؤدي في النهاية إلى نفس النتيجة”.

ويجب أن يشجع التقدم المُحرز في مفاوضات فيينا بين إيران ومجموعة 5+1، النظام الإيراني على تقديم بعض التنازلات، خصوصًا أن تمسك طهران بموقفها القديم من فرض نفوذها وسياساتها على المنطقة، لا يتماشى مع بنود الاتفاق الجديد، بسبب استمرار الدور المزعزع للاستقرار الذي تلعبه إيران حاليًا في المنطقة العربية.

رابط مختصر: https://alkhalej.net/p/8594834
النشرة الإخبارية

اشترك في النشرة الإخبارية

ابق على اطلاع على النشرة الإلكترونية

معلوماتك فى امان معنا! إلغاء الاشتراك في أي وقت.