هذه رسالة مفتوحة إلى الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي، أحد ألمع القادة العرب المعاصرين، وأكثرهم طموحًا وشبابًا، فهو السياسي الذي يمتلك رؤية مستقبلية حقيقية للتعاطي مع التحديات التي تواجه عالمنا العربي الآن.
والهدف من هذه الرسالة المفتوحة، هو تدارس كيفية مواجهة المشروع الإيراني العدواني، والذي يبدو أنه سوف يستمر بعد إحياء "الاتفاق النووي" مع نظام الملالي في مفاوضات فيينا، خصوصًا أن الاتفاق الجديد لا يشمل نشاطات إيران الإقليمية التوسعية، ما يعني - ببساطة- أنه سيتم منح "قبلة الحياة" لهذا النظام، بعد أن كادت العقوبات الأمريكية والدولية أن تودي به إلى مزبلة التاريخ.
ولقد باتت مسألة مواجهة "المشروع الإيراني" تحتل حيزًا أساسيًا في حوارات ومناقشات قادة الرأي والإعلاميين والسياسيين والباحثين العرب. فلا يكاد يجتمع اثنان إلا ويكون المشروع الإيراني ثالثهما، الكل يتساءل عن سبل مواجهة هذا المشروع، وكيفية تقليم أظافره التي تنهش في أكثر من بقعة من عالمنا العربي.
والسؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: ما هي خيارات الدول التي تقع على خط التماس مع إيران، مثل المملكة العربية السعودية ودول الخليج، التي عاشت عقودًا متوترة، والكثير من "الحروب بالوكالة" في لبنان والبحرين واليمن والعراق؟
وفي هذا الصدد، ثمة احتمالان لا ثالث لهما: إما المصالحة مع إيران، أو المواجهة، حيث لن يبقى الوضع القائم، كما عرفناه. وكلنا ندرك أن دول الخليج دائمًا كانت مستعدة للمصالحة مع إيران، بحكم طبيعة أنظمتها المسالمة، وأن إيران كانت غالبًا الدولة في حالة الهجوم، والراغبة في تغيير المنطقة وفق منظورها الفكري والسياسي.
بالنسبة للمصالحة، فقد علم القاصي والداني أن المفاوضات بين الرياض وطهران متأرجحة وقد تصل إلى طريق مسدود، بسبب تعنت إيران وعدم رغبتها في التراجع عن مخططاتها الإقليمية، وتمسكها بحلم "إيران الكبرى" الممتدة من الخليج العربي إلى البحر المتوسط، ومن سوريا إلى جنوب الجزيرة العربية. وهو الحلم الذي يعد بكل المقاييس "كابوسًا" بالنسبة لوطننا العربي.
أما الاحتمال الآخر، فهو أن إيران سوف تسعى بعد "ترسيم حدود" مشروعها النووي حال نجاح محادثات فيينا، إلى التوسع وزيادة مكاسبها على الأرض. وقد شاهدنا كيف تجرأت إيران في السابق، رغم مفاوضاتها السلمية مع الغرب عام 2015، على إرسال مقاتلين وأسلحة للانخراط مباشرة لأول مرة في حروب "عربية – عربية"، فقد قاتلت إلى جانب نظام بشار الأسد الطائفي في سوريا، وقاتلت الميليشيات التابعة لها في العراق، وهي تقاتل بيد حلفائها "الحوثيين" في اليمن حتى الآن، ناهيك عن الصراع في لبنان. وكلها أمور ذات تداعيات خطيرة، توحي بأن إيران ازدادت شراسة، وليس العكس.
من جهة ثانية، فإن الحل لإنهاء الحرب في اليمن يكمن في دعم القوى الإعلامية الرافضة للوجود الإيراني في المنطقة العربية، ودعم مشروع إعلامي كبير من شأنه أن يضع النقاط فوق الحروف، ويكشف الوجه القبيح لنظام الملالي أمام الرأي العام العربي والدولي، ويعري ممارسات هذا النظام البربرية للعيان، حتى يدرك العالم أجمع حقيقة ما يحدث، خصوصًا أن إيران تمتلك جيشًا من وسائل الإعلام الموالية لها في كل أنحاء الشرق الأوسط، وهي تُجيد استعمال هذا الجيش في تزييف الحقائق وقلب الموازين، بحيث يصبح الجاني مجنيًّا عليه!
وفي تقديرنا أنه ينبغي فتح مجال القنوات الفضائية المتخصصة وغير المتخصصة للعقول المناهضة لمشروع ملالي إيران، والتركيز على مخاطر المد الإيراني في البرامج ذات الانتشار الواسع، وتخصيص فضائيات ومواقع إلكترونية لمواجهة طوفان الفضائيات الإيرانية التي تهدد العقل العربي والإسلامي بسمومها الفكرية والسياسية، فضلًا عن الاعتماد على شخصيات إعلامية مشهورة، وفضح خفايا العلاقات الإيرانية السرية مع الصهيونية وكل القوى المعادية لتخريب أوطان العرب، والتحرك بلغات مختلفة وعلى رأسها اللغة الفارسية لفضح الملالي أمام في الداخل.
وعلى الإعلاميين العرب، بدعم سعودي مأمول، كشف أدوات إيران ووسائل اختراقها للمنطقة، وينبغي العمل على ذلك من الناحية البشرية والمادية والمذهبية والاجتماعية، وتحديد حلفاء إيران في البلدان العربية، وتحديد طرق وأساليب التعامل معهم من خلال إثارة نقاشات فكرية علمية، لنقل الصورة الحقيقية عن إيران، وعن سلبية التبعية لها.
ومربط الفرس هنا، هو استخدام الوسائل والأساليب والأدوات المناسبة في مخاطبة الجمهور من العامة والخاصة، فيما يتعلق بالخطر الإيراني، فلكل فئة مستهدفة طريقة خاصة بالتفكير أو الاستجابة للخطاب الموجه إليهم؛ فمنهم من يستجيب للمحاجات العقلية والمنطقية، ومنهم من يتأثر بالمحاجات الشرعية الدينية، ومنهم يصغي للمحاجَّات التاريخية، ومنهم من تقنعه الوقائع والأحداث والصور البصرية، وبناء عليه فلا يجوز استخدام أسلوب واحد في مخاطبة كل هذه الفئات.
إن للتركيز الإعلامي على التناقضات الإيرانية في المواقف، ونفاقها في مختلف الملفات الإقليمية وعرضها في إطار مشروعها التوسعي، أهمية كبرى في مواجهة الخداع الإيراني لشعوب المنطقة، فإيران كما هو معلوم ذات وجهين، وجه ظاهر يزعم مناصرة "المستضعفين في الأرض"، ووجه خفي يقمع هؤلاء المستضعفين بكل الطرق، ويناصر الظالمين ضد المظلومين.
وإلى ذلك، فإن الوقوف على المستويّين الرسمي والشعبي العربي مع قضية الأحواز العربية المحتلة، ودعمها بكل السبل في المحافل الدولية والإقليمية، من شأنه أن يشكّل ضربة قاصمة لظهر ملالي طهران الذين يتمتعون بثروات هائلة في هذا الإقليم المغتصب، فأكثر من 80% من النفط الإيراني هو أحوازي، بالإضافة إلى الثورات الطبيعية الأخرى التي يضمها الإقليم، والتي تذهب كلها إلى المحتل الإيراني، بينما يعيش الأحوازيون في فقر مدقع.
ولا جدال أن مساندة حركات تحرير الأحواز، هذا البلد العربي المحتل منذ تسعة عقود، سوف يُبعد الفرس عن الخليج العربي، وهو تحجيم استراتيجي كبير للعنصرية الإيرانية، ما يعني أيضًا إعطاء الضوء الأخضر للقوميات الأخرى غير الفارسية المضطهدة في البلاد، مثل الأكراد والأذريين والبلوش، لتقرير مصيرهم بأنفسهم، بحيث تحرر كل هذه الشعوب في النهاية من الاحتلال الإيراني.
ولا شك أن المهمة شاقة، لأن العطار يحاول إصلاح ما أفسده الدهر، والتحدي كبير، لأن القوى العظمى ضالعة في الفوضى التي يعيشها العالم العربي بسبب المشروع الإيراني الغاشم. والأمر يحتاج إلى صياغة استراتيجية برؤية سياسية خليجية عربية موحدة تجاه إيران، فالتعامل معها يحتاج إلى جلد ونفس سياسي طويل، وضربات استباقية، سواء على الصعيد الاقتصادي أو الدبلوماسي أو الإعلامي- الثقافي.
ابق على اطلاع على النشرة الإلكترونية