إذا أردت أن تعرف أين تتمركز إيران عسكريا في سوريا فولي وجهك إلى شرقي البلاد حيث محافظة دير الزور ومدينة البوكمال الواقعة على الحدود مع العراق؟ ويصف الخبراء والمراقبون هذه المنطقة باسم "عاصمة ميليشيات الحرس الثوري".
وتحظى محافظة دير الزور بمكانة حيوية لدى إيران، وخسارتها يمثل فشل كبير لاستراتيجيتها. وتعني الخسارة أيضًا قطع شريان الحرس الثوري الإيراني.
وتنظر إيران للدير والبوكمال بمثابة مكافأة على جهودها العسكرية والسياسية والمادية التي قدمتها في سوريا، وتنظر للمنطقة على أنها ذات نفوذ حصري لأن هذه المنطقة تشكّل نطاقًا حيويًا للتحرك والنشاط الإيراني في سوريا.
تنتشر في سوريا، عشرات الميليشيات التابعة لإيران، حيث تسعى لدعم سيطرة قوات بشار الأسد، ضد القوات الموالية للمعارضة، على اختلافها.
ورغم أن هذا الدعم اتضح جليًا بين عامي 2013 و2018، أخذ مسارًا آخرًا بعد ذلك، حسب ما تشير إليه تقارير غربية، متحدثة في وقت سابق عن تحوّل طرأ على الانتشار لصالح "التموضع" من أجل تحقيق أهداف إيرانية تتجاوز سوريا.
وكثيرًا ما استهدفت (إسرائيل) مواقع لميليشيات تابعة لطهران -ولو أنها لم تعترف بذلك رسميًا- كما تستهدف القوات الأمريكية من فترة لأخرى مواقع لتنظيمات مسلحة تابعة لـ"الحرس الثوري"، إثر هجمات تتعرض لها قواتها على الأرض.
وحتى نعرف ما يدور في سوريا، فإن "الحرس الثوري" الإيراني، سواء "فيلق القدس" أو المجاميع الأخرى التي تتبع له منتشرة في معظم الجغرافيا السورية.
ولكل تجمع للميليشيات مركز قيادة "أشبه بغرفة عمليات تدير العمليات العسكرية من جانب، والميليشيات من حيث نقاطها العسكرية، ونقاط الإمداد من جانب آخر".
ويتركز "الحرس الثوري" والميليشيات التابعة له في المنطقة الشرقية والضفة الغربية لنهر الفرات، وذلك لأهمية المنطقة المتمثلة بمحافظة دير الزور، من عاملين الأول، أنها نقطة الربط الجغرافي الوحيدة للميليشيات الإيرانية بين سوريا والعراق، وفي حال ضعفت أو فقد الإيرانيون هذه النقطة سيكون من المستحيل العثور على تواصل جغرافي إلا عبر الجو.
أما العامل الآخر فيرتبط بأن منطقة غرب الفرات أشبه بصندوق بريد أمني عسكري بين إيران وأمريكا، لأن نقاط وقواعد الميليشيات الإيرانية لا يفصلها عن القواعد الأمريكية إلا نهر الفرات.
وتتواجد في جنوب مدينة الميادين بدير الزور عدة قواعد ومواقع لمليشيات "الحرس الثوري"، وقبالتها توجد قاعدة حقل "العمر" النفطي، أهم القواعد الأمريكية في شرق سوريا.
وبينما ينسحب انتشار الميليشيات إلى مناطق واسعة في البادية السورية، تتموضع قاعدة التنف الأمريكية على المثلث الحدودي بين سوريا والعراق والأردن.
وبعد أن اطمأنت إيران على الأسد في السلطة ومسار خطها الحيوي والاستراتيجي مرورًا بالعراق وسوريا، تسير الآن بمرحلة انتشار و"إعادة تموضع".
ولا يمكن لأي متابع للتغلغل العسكري الإيراني في سوريا إهمال محافظة حلب، حيث يركز "الحرس الثوري" حضوره هناك منذ سنوات، حيث خاض "الحرس" وميليشياته عدة معارك في حلب قبل سنوات ضد فصائل المعارضة.
وتسعى إيران بكل قوة للتمدد في الشمال السوري على حساب الفصائل في إدلب والأرياف المحيطة بها، والسيطرة على الأتوستراد الدولي المعروف باسم إم فور.
من حلب شمالًا إلى دمشق جنوبًا يتواجد "الحرس الثوري" وميليشيات إيران في محيط العاصمة، وتحديدًا في مطار دمشق والثكنات العسكرية القريبة منه هناك، وهو ما تؤكده الاستهدافات الإسرائيلية المتكررة.
وعلى مدى السنوات الماضية، شنت جماعات مسلحة تدعمها إيران في العراق وسوريا هجمات متكررة على القوات الأمريكية، لكن تلك الهجمات هدأت بموجب هدنة قائمة، منذ العام الماضي، في العراق، بينما استمرت بشكل متقطع شمالي وشرقي سوريا.
وللولايات المتحدة نحو 900 جندي في سوريا و2500 جندي في العراق، في إطار جهودها لمكافحة تنظيم "داعش"، الذي كان يسيطر على مساحات كبيرة من الأراضي في البلدين، قبل أن تدحره قوات سوريا الديمقراطية، إثر هجوم واسع شنته هذه القوات المدعومة من تحالف دولي تقوده الولايات المتحدة.
وتعتبر مناطق شرق سوريا أهم منقطة استراتيجية لإيران في البلاد، لربطها بسوريا والعراق، وللسيطرة على آبار النفط، كما أن المنطقة الجنوبية من سوريا مهمة لأنها محطة لأي عمليات عسكرية قادمة تجاه إسرائيل.
وتأتي الهجمات على القواعد الأمريكية في سوريا ضمن استراتيجية أكبر تسمى "الإبهام الاستراتيجي"، لطالما مارسها الإيرانيون في الجانب السياسي أو العسكري، وتعني أن طهران لا تريد إظهار موقف واضح، ما يعقد المشهد ويجعل (إسرائيل) والولايات المتحدة تعيد حساباتها عند أي تحرك بري ضد قطاع غزة أو حتى في محاولة فتح جبهة أخرى مع لبنان.
ابق على اطلاع على النشرة الإلكترونية