طبيعة «التهديد الإيراني» للأمن العربي

- 19 مايو 2023 - 373 قراءة

في كتابه "سياسة إيران تجاه دول الجوار"، يؤكد الكاتب والباحث العراقي ضاري سرحان الحمداني، أن لسياسة إيران منذ عهد الشاه وحتى اليوم، سمة ثابتة، وهي السعي نحو دور إقليمي مميز، والسعي نحو "زعامة الإقليم"، لتحقيق مصالحها وأهدافها الاستراتيجية التي رسمها بدقة المرشد الأول للنظام موسوي الخميني. ولكن إيران تتخذ لذلك سياسات مؤذية ومضرة، وتتعارض مع مصالح الدول المجاورة وخاصة الدول الخليجية والعربية.

يركز الكتاب، الذي صدرت طبعته الثانية مؤخرًا، بشكل رئيسي على المنهج الإقليمي، والذي من خلاله تم وصف سياسة إيران الإقليمية وتحليلها ضمن الدوائر الإقليمية لسياستها الخارجية. وهي جنوب آسيا حيث (باكستان وأفغانستان)، وغربي آسيا حيث (تركيا) بالإضافة إلى (منطقة الخليج العربي والعراق) وشمال غرب آسيا حيث الجمهوريات الإسلامية في آسيا الوسطى.

واستعان "الحمداني" في كتابه بالمنهج الوصفي التحليلي، والمنهج التحليلي التاريخي، إلى جانب ذلك تمت الاستفادة من منهج التحليل النظمي، من خلال دراسة المؤسسات الحاكمة في النظام السياسي الإيراني، ودور في تحديد العلاقة تجاه دول الجوار.

وفي الفصل الأول من الكتاب، وهو في الأصل أطروحة جامعية تقدم بها الباحث لنيل درجة الدكتوراه، يستعرض "الحمداني" المتغيرات المؤثرة في سياسة إيران الإقليمية، ويقسّمها إلى متغيرات مؤثرة داخلية وإقليمية ودولية.

 

مظاهر العدوانية الإيرانية

 

تشمل المتغيرات الداخلية المؤثرة في سياسة إيران الإقليمية، المؤسسة الدينية والأحزاب السياسية، وأتباعها ينقسمون حسب الباحث إلى قسمين: محافظين متشددين وإصلاحيين "براجماتيين" يتبادلون المواقع بين السلطة والمعارضة، تحت تحكم المرشد الأعلى، وللمؤسسة العسكرية و"الحرس الثوري" خصوصًا، دور مركزي في فرض سياسات إيران الخارجية والمعتدية على دور الجوار.

ويشير "الحمداني" إلى أنه كان لسياسات إيران الإقليمية انعكاسات سياسية سلبية على الوطن العربي، وشكلّت تهديدًا كبيرًا لأمنه القومي، حيث أصبح مبدأ "تصدير الثورة" هو الأساس في العلاقة مع الدول العربية.

وتحوي سياسات إيران تجاه دول الجوار، وفق "الحمداني"، قدرًا كبيرًا من العدوان والانتهازية، وهي "سياسة واعية ومقصودة، وتوظف قدراتها المالية والسياسية وعقيدتها الشيعية في تحقيق مصالحها على حساب الدول المجاورة والأخرى، ولا تتردد في اتخاذ مختلف الوسائل من الدبلوماسية والاقتصاد والتدخل العسكري أيضًا".

كما حرصت إيران على عزل دول الخليج عن محيطها العربي، تحت شعار "التعاون الإقليمي" لدول الخليج، في محاكاة للسياسة الإسرائيلية التي تسعى للتعاون الإقليمي مع دول الطوق بعيدًا عن الإجماع العربي.

وحرصت إيران على إقامة علاقات ثنائية مع دول الخليج بشكل منفرد، مما أقلق الإمارات في موضوع الجزر المحتلة، وسعت إيران للهيمنة على السودان وعبثت في الجزائر ودعمت بعض الجماعات المتطرفة.

وتجسد خطر السياسات الإيرانية تجاه الوطن العربي على المستوى العسكري، في التهديد المتمثل في الصواريخ بعيدة المدى وبرنامج الأسلحة الكيماوية والأسلحة النووية، مما يضاعف من محاولات إيران الهيمنة على المنطقة العربية كما حدث خلال العقود الأربعة الماضية.

وساهم التدخل الإيراني في الأزمات العربية المعاصرة (العراق – سوريا – اليمن - لبنان)، في تعظيم النفوذ الإيراني ودعم مكانة إيران الإقليمية على حساب الدول العربية، كما إنه ساهم في زيادة تعقيد هذه الأزمات بدلًا من تسويتها، وزاد من حدة التنافس الإقليمي في المنطقة وخاصة بين قوى إقليمية غير عربية مثل ترکيا و(إسرائيل)، وأثر سلبًا على أمن منطقة الشرق الأوسط، وعلى أمن النظام الإقليمي العربي.

وأما على المستوى الاقتصادي، تهدف سياسات إيران للمشاركة والمنافسة التجارية، لتكون جسرًا للاختراق والهيمنة، وبسبب اكتشافات البترول حول الجزر الإماراتية قامت إيران بمد مساحة بحرها للهيمنة على النفط في البحر، كما نصّت توصيات وزارة الخارجية الإيرانية على ضرورة استغلال الأزمات الاقتصادية لمصر والأردن وتركيا وباكستان والسودان ضد أنظمتها الحاكمة.

ويقول المؤلف إن من التهديدات الإيرانية للأمن القومي العربي، المواطنون من أصول إيرانية، والذين جاؤوا في هجرات سابقة ولكن إيران تمكنت من الحصول على ولاء كثير منهم وخاصة من تسنموا مناصب في هذه الدول، كما تعتمد إيران على اختراق الدول مخابراتيًا تحت غطاء الدبلوماسية.

ووفق الكاتب، تلعب المتغيرات المؤثرة إقليميًا دورًا كبيرًا في سياسة إيران الخارجية، ويأتي في صدارتها المتغير الإسرائيلي والتركي والإسلامي، حيث يؤكد "الحمداني" أن إيران تتخذ من "معاداة إسرائيل" ذريعة لصرف أنظار الجمهور الإيراني عن مشاكله الداخلية، بحجة الصراع مع أمريكا والدفاع عن بلد مسلم محتل، مما يجذب تعاطف بعض الشعوب والجماعات والدول لصالح سياسة إيران الخارجية.

 

سياسة "مصلحية انتهازية"

 

نأتي إلى العوامل الدولية المتغيرة والمؤثرة المؤثرة في سياسة إيران، والتي كان على رأسها انهيار "الاتحاد السوفيتي"، ومحاولات فرض الهيمنة الأمريكية والأوروبية، إذ ساهم انهيار "الاتحاد السوفيتي" في توسع نفوذ إيران في بعض الجمهوريات مثل طاجكستان وأذربيجان، ومن جهة ثانية هدد بإحياء القوميات، مثل القومية الأذرية التي تعد أكبر الأقليات الإيرانية، مما قد يفتّت إيران في نهاية المطاف.

وبعد تفكك "الاتحاد السوفيتي" تنازعت أذربيجان وأرمينيا على إقليم كاراباخ، وهذا الصراع يهتم به الروس وتركيا وإيران، فإيران تشارك الأذريين المذهب، لكن القيادة الأذرية لا تحفل بالمذهب الشيعي والتبعية للملالي، كما أن تضخم القومية الأذرية والمطالبة بإقامة دولة "أذربيجان الكبرى" يهدد إيران بالتفتت، وتركيا تشاطر الأذريين القومية التركية، وهذا الإقليم سيكون جسرهم للتواصل مع العمق القاري، من هنا وقفت إيران مع أرمينيا المسيحية ضد الأذريين المسلمين في صراعهم سنة 1990 ومنعت عبور اللاجئين الأذريين لها.

ويتطرق المؤلف إلى سياسة إيران في شبه القارة الهندية، يتناول قضية إقليم "كشمير"، وهو محل صراع هندي- باكستاني قديم. ولما كانت طهران في صراع مع باكستان التي تعد حليفًا قويًا للسعودية، فقد تحولت إيران من منافسة باكستان على كشمير والعداء للهند إلى سياسة التعاون مع الهند ضد باكستان وكشمير!

ورغم ذلك، بقيت إيران تراوح بين التقارب مع الهند التى تحتاج النفط الإيراني، وإيران التى تحتاج الخبرة النووية الهندية، وبين العلاقات المتقطعة مع باكستان أيضًا رغبةً في اكتساب المعرفة النووية الباكستانية، في سياسة "مصلحية انتهازية" من الطراز الأول.

من جهة ثانية، حرصت إيران عقب انسحاب الروس من أفغانستان، على الحيلولة دون قيام نظام إسلامي قريب من السعودية، التي دعمت الجهاد الأفغاني، لأن ذلك يهدد مصالح الملالي، ولذلك حثت إيران شيعة أفغانستان على تشكيل "حزب الوحدة" سنة 1990، وعقب قيام حكومة طالبان في أفغانستان بقيت إيران متوجسة منها، واتهمت "طالبان" إيران بتسليح "حزب الوحدة" الشيعي، وتفاقمت بينهما الخلافات لدرجة قتل "طالبان" عددًا من الدبلوماسيين الإيرانيين في مدينة مزار شريف في 1998، ولكن تجنّبت إيران الدخول في صراع عسكري مع "طالبان" قد يخدم خصوم إيران، ويجرها إلى حرب عصابات مع نظام "طالبان" الذي لا يملك ما يخسره!

النشرة الإخبارية

اشترك في النشرة الإخبارية

ابق على اطلاع على النشرة الإلكترونية

معلوماتك فى امان معنا! إلغاء الاشتراك في أي وقت.