«عسكرة التشيّع».. أخطر تهديد للأمن القومي العربي

- 20 مايو 2022 - 317 قراءة

المخطط الإيراني يدرك أنه لا إمكانية لبناء "إمبراطورية شيعية" إلا بإضعاف الكيان الإسلامي كله

 

إيران سعت لتمكين الشيعة في البلدان العربية من الوصول إلى الحكم في بلدانهم بقوة السلاح

 

"جيوش الظل" التابعة لطهران في العالم العربي غلّبت الولاء الطائفي على الاعتبارات الوطنية

 

الهدف هو إضعاف الدول التي تعيش فيها المجموعات الشيعية لتصبح إيران في وضع أقوى

 

 

 

ما إن استولى "نظام الملالي" على الحكم في إيران، بعد نجاح ثورة 1979، حتى اختّط الخميني ورفاقه طريقًا جديدًا لأتباع المذهب الشيعي في الخارج، عن طريق "عسكرة التشيّع" وإنشاء جماعات شيعية مسلحة، من أجل "تصدير الثورة" إلى البلدان المجاورة، وإيجاد موطأ قدم لطهران في هذه الدول، تستطيع من خلاله السيطرة على مقدرات المنطقة العربية برمتها.

وكان هذا الطريق بمثابة "بوصلة سير" تجاه تنفيذ الاستراتيجية الإيرانيَّة العليا، باستخدام أدوات مختلفة وأساليب متنوعة تحت مظلة مذهبية شيعية تصب جميعها في خدمة المشروع الطائفي، وذلك عبر تأليب وتحريك الحشود الشيعية لتنفيذ المخططات الإيرانية العابرة للحدود في دول ما يُسمى "الهلال الشيعي"، وهي سوريا، والعراق، واليمن، ولبنان، وأجزاء من الخليج العربي، فباتت سياسة "عسكرة التشيّع" أخطر تهديد للأمن القومي العربي.

وكانت سياسة "عسكرة التشيّع" تعتمد على عدة أدوات عمد النظام الإيراني إلى ترسيخها وإعدادها دومًا، لتفعيلها حيثما استطاع، ومن هذه الأدوات تدريب الأقليات الشيعية الموجودة في المنطقة العربية وخارجها، ويشمل هذا التدريب استخدام الأسلحة في المعارك، بالإضافة إلى تأهيل هذه الأقليات عسكريًا بهدف إقحامهم في القتال داخل دولهم، من أجل خدمة المشروع الإيراني التوسعي العابر للحدود.

ولتحقيق هذه الأهداف غير المعلنة، عمدت إيران إلى "عسكرة" المجموعات السكانية الشيعية في الخارج، وتحويلها إلى وضعية قادرة على الوصول إلى سلطة الحكم في بلدانها بقوة السلاح، إن تمكنت أو تفكيك وإضعاف الدول التي تعيش فيها تلك المجموعات السكانية، لتصبح إيران في وضع أقوى، فيما تدخل تلك الدول في وضع الجاهزية للاحتلال، عبر افتقادها القدرة على مواجهة النظام الإيراني.

 

الحكم بقوة السلاح

 

مضى الملالي قُدمًا نحو استحداث أذرع عسكرية جديدة مؤدلجة في الدول المستهدفة، ضمن المجالات الحيوية لإيران، بحيث يكون لها اليد الطولي في تنفيذ الأجندة الإيرانية التوسعية في هذه الدول، مع صبغ هذه الأذرع العسكرية سواء في الداخل أو في الخارج بصيغ عقائدية، على نحو يدفع مقاتليها للدفاع عن الاستراتيجية الإيرانية عقائديًا ومصلحيًا، ودفع هذه الأذرع نحو التحرك عسكريًا ضد الأنظمة الحاكمة المعارضة للأجندة الإيرانية في الدول المستهدفة بمجالاتها الحيوية، أو لدعم الأنظمة أو الأذرع الشيعية الموالية لإيران، بغض النظر عما ستؤول إليه هذه الدول من الانهيار المؤسساتي جراء الاقتتال المذهبي، وانتشار التنظيمات الإرهابية، وحرکات النزوح الجماعي غير المنظم وتفاقم النزعات الانفصالية.

بعد تدريب وإعداد وتسليح المجندين من الدول غير المستقرة، أو من شيعة الدول المستهدفة ذاتها، جاءت مرحلة التنظيم والتكوين في تجمُّعات ميليشياوية تحمل السلاح، إما لدعم نظام ما يدين بالولاء لمن يدير مخطَّط التجمعات الميليشياوية، أو ضد نظام آخر لم يدِن بالولاء لطهران ويرفض تنفيذ المخططات الإيرانية التوسعية.

وظهرت التوجهات الطائفية في شكل شعارات وتسميات كثيرة ذات دلالات مذهبية، وفي أسماء الألوية والكتائب ومعسكرات تدريب القوات المسلحة الإيرانية بشكل عام. ومن هذه الأسماء لواء «ولي العصر» ولواء «ثأر الله» وفيلق «عاشوراء» وغيرها من الأسماء الموجهة أيديولوجيا والمثيرة للنعرة الطائفية لدى المتطرفين الشيعة.

ولم يكتف النظام الإيراني في هذا الجانب بإطلاق هذه التسميات الطائفية على الفرق والميليشيات الشيعية، بل أطلقها بالمثل على عديد من الألوية التي أنشأها "الحرس الثوري" من مقاتلي دول أخرى، مثل لواء «فاطميّون» الأفغاني، ولواء «زينبيون» الباكستاني، وهما لواءان من مسلحين كانوا يقاتلون في سوريا تحت إمرة "فيلق القدس".

ويرى بعض الباحثين أن استراتيجية "عسكرة التشيع" تعتمد مجموعة من الخطط، أو حزمًا من الخطوات والإجراءات لا يقتصر تنفيذها على دول المحيط الجغرافي لدولة المركز (إيران) فقط، بل هي حركة تتمدد في كل أنحاء العالم الإسلامي، فنحن لسنا أمام بناء إمبراطوري فارسي ذي طبيعة إقليمية، بل أمام خطة بناء قوة إمبراطورية على الصعيد الدولي، كما أن المخطط الإيراني يدرك أنه لا إمكانية لبناء "إمبراطورية شيعية" إلا بإضعاف الكيان الإسلامي كله.

وجرى بناءً على هذه المخططات، زرع آلاف الكوادر في عشرات البلاد، وكان طبيعيًا أن يجري الاهتمام بعمليات تطوير النشاط بمناطق محددة وفى بلدان محددة قبل غيرها، دون إخلال بفكرة التوسع في جميع الدول، فكانت لبنان والعراق في المقدمة لأسباب تتعلق بدورها بالاستراتيجية الإيرانية، وكان للخليج مكانه في تلك الخطط مع إعطاء الاهتمام بمملكة البحرين أولا، للقرب الجغرافي ولأبعاد تتعلق بوجودها في طرف الخليج، ولوجود نسبة سكانية غير قليلة من الشيعة.

وأخذ نظام الملالي في ترسيخ التوجهات العسكرية داخل المذهب الشيعي، أي جعل التوجّه العسكري أساسا من أساسات هذا المذهب، لا يقوم الأخير بدونه، بالإضافة إلى أنه جعل ذلك التوجّه عنصرًا أساسيًا وحيويًا في ترويج أيديولوجيا ولاية الفقيه، وما يسمى في أبجديات نظام الملالي بـ "تصدير الثورة"، حتى إنه صار جزءًا من الدستور الإيراني، إضافة إلى "التجييش الطائفي" ورفع وتيرته في المنطقة العربية، سعيًا وراء مدّ الأذرُع الإيرانية، عسكرية كانت أو دينية، في المنطقة، وفي عديد من دول العالم.

 

الميليشيات.. إيران أولًا

 

شكلّت إيران ميليشياتها المسلحة في العراق منذ وقت مبكر، إذ دربت بشكل دائم كوادر شيعية عراقية على أرضها، ومن ثم صارت تدفع بها طوال الوقت إلى داخل العراق، فقاموا في البداية بارتكاب أعمال إرهابية، لكن الأمر تطور دومًا باتجاه تعميق حالة عسكرة التشيع. فحين اندلعت الحرب العراقية- الإيرانية، ووقت أن ساد الاعتقاد بتركيز إيران على بناء وتطوير جيشها وتسليحه خلال الحرب، فقد أثبتت أحداث حرب الخليج الثانية وحرب "تحرير الكويت" من بعد، مدى ما أولته إيران من أهمية دائمة لم تنقطع بتشكيل وتقوية ميلشياتها، إذ ظهرت تلك الميلشيات واندفعت من الحدود الإيرانية لتشارك في الأعمال القتالية، ولتعلن تمردا عاما في جنوب العراق.

ومع إطلاق الولايات المتحدة حربها لاحتلال العراق عام 2003، تحركت تلك الميلشيات العسكرية وحشدت المواطنين الشيعة في داخلها وخلفها لمساندة الاحتلال الأمريكي للعراق، كما توسع تشكيل تلك الميلشيات ما بعد الاحتلال حتى صارت جاهزة لتشكل محور الأساس في بناء جيش الاحتلال، كما ظهر الأمر جليًا أو أكثر جلاءً، حين تعرض هذا الجيش للانهيار، إذ شكلت إيران "الحشد الشعبي" الذى بات محور العمل العسكري ضد السنة في العراق، أما الكاشف الأكبر فهو هذا التكاثر الفطري لظاهرة الميلشيات الإيرانية فى العراق، حتى وصل الأمر بها حد التصدير لتلعب ذات الدور في سوريا، بعد اندلاع الثورة السورية ضد نظام الأسد الموالي طائفيًا ومصلحيًا لإيران.

وكشفت تجربة "عسكرة الشيعة" في سوريا، أن إيران أوفدت مجموعات شيعية من أفغانستان وباكستان ومن دول "الاتحاد السوفيتي" السابق، لكي تشارك في الصراع الجاري في سوريا من جهة، ولتكون نواة عسكرة المجموعات السكانية الشيعية في البلاد التي قدِمت منها، من جهة أخرى.

ومن ثم، جاء العمل بعد ذلك في اليمن تصعيديًا ومتسارعًا ووفق العمل السياسي العسكري المباشر، لوجود جماعة "الحوثي" الإرهابية، وبحكم الطابع القبلي للبلاد، فيما جرت الأمور في ماليزيا وإندونيسيا من جهة، ودول أفريقيا من جهة أخرى، وفق منطق التوسع والانتشار وبناء ركائز ذات طابع استراتيجي بعيد الأمد، يكون فيه الولاء الأول لإيران، ويتغلب الولاء الطائفي على الاعتبارات الوطنية.

ــــــــــــــــــــــــــــــــ

المصادر:

 

  1. عسكرة التشيع، موقع الراصد، 10 يناير/كانون الثاني 2016.
  2. إيران وعسكرة التشيع في الداخل والخارج، موقع مجلة السياسة والاقتصاد، 11 يوليو/تموز 2021.

 

 

النشرة الإخبارية

اشترك في النشرة الإخبارية

ابق على اطلاع على النشرة الإلكترونية

معلوماتك فى امان معنا! إلغاء الاشتراك في أي وقت.