عملت إيران، خلال السنوات القليلة الماضية، على تكرار لعبتها في الشرق الأوسط في القارة الإفريقية، وتمكنت من توسيع نفوذها إلى مناطق جديدة، على غرار منطقة الساحل والمغرب الكبير، لتجد عن طريق أذرعها وعملائها من "حزب الله" اللبناني موطأ قدم لها، في منطقة استراتيجية متاخمة لممرات الشحن الحيوية في المحيط الأطلسي.
ولكن الخط الأحمر بالنسبة للمغرب الذي تجاوزته الأذرع الإيرانية في المنطقة، هو تورطها عبر موالين لـ "حزب الله"، في تمويل جبهة "البوليساريو"، الأمر الذي أدى إلى إعلان الرباط عن قطع علاقاتها نهائيًا بطهران، مع خروج إعلامي لوزير الشؤون الخارجية المغربي ناصر بوريطة، أكد فيه أن المملكة تتوفر على "حجج دامغة تثبت تورط إيران عن طريق حزب الله وبتحالف مع البوليساريو، في استهداف أمن المغرب ومصالحه العليا منذ سنة 2016".
وتطرقت وزارة الخارجية المغربية، كذلك، إلى تشكيل ما يُسمى "لجنة دعم الشعب الصحراوي" في لبنان برعاية "حزب الله"، ثم زيارة وفد عسكري من الجماعة الشيعية المسلحة نفسها إلى مخيمات تندوف في الجزائر، حيث تستقر قيادات جبهة البوليساريو.
عملاء "حزب الله"... بالأسماء
بالرجوع إلى تطورات الصراع المغربي- الإيراني خلال السنوات الأخيرة، نلاحظ بروز اسمين لعبا دورًا كبيرًا في تعميق الأزمة، الأول هو رجل الأعمال اللبناني قاسم تاج الدين، أحد المتهمين بتمويل حزب الله من لدن السلطات الأمريكية، والذي حل بمطار الدار البيضاء 12 مارس/آذار من سنة 2017 على متن رحلة جوية قادمة من العاصمة الغينية كوناكري، ليتم اعتقاله وتسليمه إلى الولايات المتحدة الأمريكية تنفيذًا لمذكرة اعتقال دولية بتهم تتعلق بتبييض الأموال ودعم الإرهاب.
ويبرز هذا الاسم بقوة في دوافع قطع المغرب علاقاته الدبلوماسية مع إيران، إذ اعتبر بوريطة أن اعتقاله كان "نقطة تحول" في العلاقات بين البلدين، فبسبب تسليم هذا الثري اللبناني الذي وصفه وزير الخارجية المغربي بأنه "أحد كبار مسؤولي مالية حزب الله في لبنان" إلى الولايات المتحدة، بدأ الحزب "يهدد بالثأر، وأرسل أسلحة وكوادر عسكرية إلى تندوف لتدريب عناصر البوليساريو على حرب العصابات وتكوين فرق كوماندوز وتحضير عمليات عدائية ضد المغرب، بالإضافة إلى إرسال صواريخ سام 9 وسام 11".
أما الاسم الثاني، والذي فضل وزير الخارجية الإشارة له دون الإفصاح عنه، فهو الإيراني أمير موسوي، العنصر السابق في "الحرس الثوري" وأحد أبرز الوجوه الإيرانية في الإعلام العربي، والذي كان في وقت بروز الأزمة مُلحقًا ثقافيًا في سفارة طهران بالجزائر، وكان يلعب دورًا استخباراتيًا حساسًا بين "البوليساريو" و"حزب الله"، وهو المشار إليه في حديث بوريطة عن "عنصر واحد على الأقل في السفارة الإيرانية بالجزائر المتورط في إرسال أسلحة للجبهة الانفصالية".
وحسب تأكيدات الخارجية المغربية، فإنها حصلت على أدلة ومعطيات وتواريخ تؤكد تورط الرجل الذي كان مديرًا لمعهد الدراسات الاستراتيجية بطهران، دون ذكر اسمه، في تنظيم العمليات المذكورة بين حزب الله والبوليساريو، والتي جرى إطلاع الخارجية الإيرانية عليها تزامنًا مع قرار قطع العلاقات، ليعلن موسوي بنفسه بعد أقل من 5 أشهر على ذلك مغادرته لمنصبه في سفارة بلاده بالجزائر الذي شغله لمدة قاربت 4 سنوات.
تهديد الطائرات المسيرة
في فبراير/شباط الماضي، سلط تقرير أمريكي الضوء على تمدد التهديدات الإيرانية لمنطقة شمال أفريقيا، والمغرب تحديدًا، وكيف أن المسيرات الإيرانية باتت تشكل بالفعل مصدر خطر على أمن المنطقة بينما تتهم الرباط طهران بدعم جبهة البوليساريو الانفصالية من خلال أنشطة حليفها حزب الله وعبر سفارتها في الجزائر، وسبق للمملكة المغربية التي قطعت قبل سنوات علاقاتها الدبلوماسية مع إيران، بسبب تسليح وتدريب ميليشيات الجبهة الانفصالية، وقدمت أدلة قاطعة على هذا الدعم.
وحذر التقرير الأمريكي من الخطر الذي تمثله هذه الطائرات المسيرة الإيرانية، التي يتم نشرها في شمال أفريقيا، بما يشكّل تهديدًا مباشرًا للمغرب، مشيرًا إلى أن "المملكة سبق أن عبرت عن مخاوف حقيقية بشأن تلك الطائرات، لقدرتها على استهداف مؤسسات حيوية وإلحاق أضرار فادحة بالأهداف التي تصيبها، فيما أكدت الرباط أنها تملك أدلة كثيرة على دعم طهران وحليفها حزب الله، لجبهة البوليساريو الانفصالية بتدريب وتسليح مقاتليها".
وأشار لي ولين كينج، الخبير الأمريكي في الشؤون الاستراتيجية، ضمن تحليل له نشره في "بوسطن هيرالد" إلى أن "طهران تملك طائرات مسيرة يتم نشرها حاليًا في شمال أفريقيا وقد تشكل تهديدًا مباشرًا للمغرب".
وذكر التقرير، أنه سبق للدبلوماسيين المغاربة أن نبهوا إلى هذه المسألة، استنادًا إلى معطيات ميدانية تؤكد أن إيران تدعم متمردي جبهة البوليساريو الانفصالية بالأسلحة وتدرب عناصرها من أجل خوض معارك ميدانية.
وتعود تجربة إيران مع الطائرات دون طيار إلى الحرب التي خاضتها والعراق بين عامي 1980 و1988 عندما كانت مهام تلك الطائرات تقتصر على المراقبة.
وفي الوقت الذي كان فيه العالم منشغلًا بمناقشة برنامج إيران النووي، كانت طهران بصدد بناء تصور حول قدرات الطائرات المسيرة، وأصبحت بذلك المورّد الأساسي للطائرات العسكرية دون طيار للمتمردين في جبهة البوليساريو، والتي تم استخدامها أيضًا في الحرب الروسية- الأوكرانية.
وخلص التحليل إلى أن "إيران قامت ببناء أجيال من الطائرات دون طيار، كبيرها وصغيرها، لكنها متطورة بشكل متزايد"، مشيرًا إلى أن الطائرات الأمريكية التي تم الاستيلاء عليها، ألهمت المهندسين الإيرانيين وتم إدماج بعض التقنيات المتطورة. ويقول الجيش الإيراني أن مجمعه الصناعي الدفاعي يمكنه صنع المحركات وجميع أجزاء طائراته دون طيار محليًا.
وقال المحلل الأمريكي، إن "إيلان بيرمان، النائب الأول لرئيس مجلس السياسة الخارجية الأميركية أخبره بأن إيران توصلت إلى استنتاج مفاده أن قوتها لا تكمن في منافسة القوة على القوة، ولكن في مساعدة الصراعات غير المتكافئة، وهذا هو سبب إنفاقها الكثير من المال والوقت على الإرهاب والكثير من المال على الصواريخ الباليستية".
وذكّر بأن "المغرب عبر عن مخاوف حقيقية بشأن هذه الطائرات، استنادًا إلى أنها قد لا تكسب الحرب، لكنها يمكن أن تلحق أضرارًا جسيمة بالمراكز السياحية والمنشآت العسكرية وشبكات الطاقة الحيوية ومحطات الطاقة"، مضيفًا أن الطائرات دون طيار خفيفة ورخيصة وسهلة النقل والإخفاء، ويمكن لجيل اليوم من الطائرات الإيرانية حمل أحمال باليستية كبيرة، فضلًا عن الطيران لمدة تصل إلى 24 ساعة وإرسال المواد الحيوية إلى البنية التحتية الحيوية.
وفي الوقت الحالي، وفق التقرير، تتمثل استراتيجية المغرب في تنبيه العالم إلى الديناميكيات المتغيرة في المنطقة، وإلى تعرض أي بلد تقريبًا لهجوم بطائرات دون طيار. وقال "ما يجلبه الإيرانيون إلى طاولة المفاوضات، هو أنه من المعروف أنهم أكبر دولة راعية للإرهاب في العالم، وينتقلون الآن إلى أفريقيا ويعززون قدرة الجماعات التي تعمل بالوكالة عنهم".
ــــــــــــــــــــــــــ
المصادر:
1- المغرب وإيران.. حرب استخباراتية باردة ساحتها إفريقيا والدين ووقودها حزب الله والبوليساريو، موقع الصحيفة، 26 ديسمبر/كانون الأول 2021.
2- خطر المسيّرات الإيرانية يتمدد إلى شمال أفريقيا والمغرب، موقع ميو، 28 فبراير/شباط 2023.
3- "بالتّواطؤ مع الجزائر"... مسيّرات إيران للبوليساريو تُقلق المغرب، موقع النهار العربي، 3 مارس/آذار 2023.
ابق على اطلاع على النشرة الإلكترونية