«فاسدون» برعاية المرشد

- 26 يناير 2023 - 492 قراءة

• خامنئي طلب "الصمت" عن فساد "الحرس الثوري" باعتباره عملية مدبرة من قبل أعداء النظام

 

• تصويت سري في البرلمان يقضى بمنع الكشف عن ثروات المسؤولين باعتبارها من "أسرار النظام"!

 

• هادي خامنئي شقيق المرشد: إيران تعيش اليوم حوادث وتشهد جرائم فساد كبرى واختلاسات مخزية

 

 

يومًا بعد يوم، تحوّل الفساد بكافة أنواعه في عهد علي خامنئي إلى "ثقافة عامة"، ما يعني صعوبة مكافحته أو الحد منه، فالرشاوى أصبحت قاعدة شعبية يتقبلها الجميع، إلى جانب شيوع الفساد الأخلاقي وانتشار المخدرات والجرائم، كنتيجة حتمية لارتفاع معدلات الفقر والبطالة في البلاد.

لذلك، شهدت إيران خلال الأعوام الأخيرة تراجعًا كبيرًا في موقعها ضمن الجدول العالمي للنزاهة المالية، فبحسب أحدث تقرير لـ "منظمة الشفافية المالية"، تراجعت إيران 20 مرتبة في ترتيب هذا الجدول، حتى أصبحت بعد حصولها على 26 درجة ضمن "الدول أكثر فسادًا" في العالم.

وما زاد من نسبة انتشار الفساد وتفشيه في إيران أيضًا، أنه تحوّل خلال عهد خامنئي إلى نهج لتوزيع ثروات البلاد بين القادة والمسؤولين، الذين يسعى النظام إلى تقديم تسهيلات مالية لهم بهدف دعمه سياسيًا، وخاصة الأجهزة الأمنية.

ويؤكد المحللون أن الفساد المستشري بشدة بين المقربين من المرشد، الذين أصبحوا أغنى أغنياء إيران، هو السبب الرئيسي فيما تشهده البلاد حاليًا من ارتفاع في نسبة السخط الشعبي ضد النظام، واستمرار الاحتجاجات التي دخلت شهرها الرابع بلا توقف.

وفي إحدى خُطبه، شبّه خامنئي الفساد في إيران بـ «تنين أسطوري من سبعة رؤوس»، مطالبًا مسؤولين إيرانيين يعتمدون كلمة «الناس» في خطاباتهم بمكافحة الفساد وقطع رأسه في النظام، ومشددًا على أنه ضمن أولويات المطالب الشعبية. غير أن كلام المرشد كان عبارات إنشائية للاستهلاك الإعلامي فقط، ولم يتعد كونه زرًا للرماد في العيون!

إمبراطورية فساد

أسهمت سيطرة المؤسسات التابعة للمرشد على ثروات كثيرة، في تكريس حالة فريدة من "الفساد الرسمي" داخل إيران، خصوصًا أن هذه المؤسسات بحكم تبعيتها للمرشد تُعد "فوق القانون"، وهي بعيدة تمامًا عن أي رقابة قضائية.

وأبرز هذه المؤسسات المتورطة في وقائع فساد، هي "الحرس الثوري، مؤسسة خاتم الأنبياء، مؤسسة قدس رضوى، مؤسسة الباسيج، ومؤسسة المستضعفين، ومؤسسة الشهيد ومؤسسة إمداد إمام"، وغيرها.

وفي يناير/كانون الثاني 2022، انتشر مقطع صوتي لمحادثة بين قيادات من "الحرس الثوري" عن الفساد المستشري بين قادته، لا سيما تورط رئيس مجلس الشورى محسن قاليباف، وكذلك قائد "فيلق القدس" الأسبق قاسم سليماني الذي يسعى النظام لإضفاء هالة من القدسية عليه.

وعلى الرغم من اعتراف بعض ضباط "الحرس الثوري" بصحة المقطع الصوتي المسرّب، طلب المرشد في خطاب علني له "الصمت" حيال الأمر، واعتبر أن تشويه صورة قيادة "الحرس" هي عملية مدبرة من قبل أعداء النظام، وذلك دون أن يطلب التحقيق في أمر الفساد الكبير الذي يشار إليه في المقطع الصوتي!

واستُخدمت "ملفات الفساد"، على مدار الأعوام الأخيرة، كسلاح لكل الأطراف المتصارعة في إيران من أجل ضرب الطرف الآخر، ما يعني وجود حالة تنافس بين كافة الأطراف في كشف ملفات فساد تتعلق بالخصم، فعندما جاءت حكومة حسن روحاني، اعتمدت خطط وبرامج تدعو إلى الشفافية، وكشف ملفات فساد تتعلق برموز حكومة أحمدي نجاد والتيار المتشدد، ما أثار غضب الطرف الآخر المدعوم من قبل "الحرس الثوري"، ليقوم هو أيضًا بالعمل على نفس الجبهة، وكشف ملفات فساد لمسؤولين محسوبين على التيار الإصلاحي!

وكان لاستخدام وقود الفساد في المعارك السياسية الدائرة في إيران، واستغلال ملفات الفساد كسلاح لتصفية الحسابات بين التيار المعتدل والإصلاحي من جهة والمتشدد من جهة أخرى، أثر كبير في تحويل قضية الفساد المالي والاقتصادي إلى معضلة هيكلية.

وفي أواخر العام الماضي، تم إجراء تصويت سري في البرلمان الإيراني، على منع الكشف عن ثروات المسؤولين، باعتبارها من "أسرار النظام"، وهو الأمر الذي يدعم إمبراطورية الفساد في عهد المرشد علي خامنئي.

وقال حسن نوروزي، نائب رئيس اللجنة القضائية في البرلمان الإيراني عن التيار المتشدد، في حينه، إنه "وفقًا لمذكرة المادة 3 من قرار هذه اللجنة، فإن المعلومات الخاصة بممتلكات المسؤولين في النظام سرية تمامًا، ولا ينبغي نشرها بأي شكل من الأشكال ويجب الحرص على صيانتها"!

اعترافات شقيق المرشد

في ظل هذا الفساد المستشري، ووفقًا لوثائق نشرها موقع "إيران إنترناشيونال" في مطلع 2021، فإن "مؤسسة المستضعفين"، الخاضعة للإشراف الاقتصادي لمكتب المرشد علي خامنئي، تلقت مئات المليارات من التومانات على شكل عقود مشبوهة، دون التنفيذ الكامل للعقود التي تم الحصول عليها بشكل غير قانوني.

وبحسب هذه الوثائق، يلعب خامنئي، وسكرتير مجلس الأمن القومي الإيراني علي شمخاني، وأقاربه، وكذلك محمد فروزنده، الرئيس السابق لـ"مؤسسة المستضعفين" والقائد السابق في "الحرس الثوري"، يلعبون جميعًا دورًا رئيسيًا في الفساد.

تعليقًا على ذلك، قال المحلل السياسي وعضو المجلس الانتقالي الإيراني، محسن سازكارا، إن "التقرير يثبت كيف أن مؤسسة المرشد علي خامنئي منتجة ومصنعة للفساد في إيران، حيث إنها تتمتع بسلطة مطلقة لا رقيب ولا حسيب لها".

ومن جانبه، اعترف هادي خامنئي، شقيق المرشد، بمسؤولية النظام عن الفساد والأوضاع السيئة التي تعيشها البلاد، مشيرًا إلى أن "إيران تعيش اليوم حوادث وتشهد جرائم وأفعالًا واختلاسات مخزية".

وقال هادي خامنئي في تصريحات نقلتها صحيفة "اعتماد" الإيرانية (15 سبتمبر/أيلول 2022): "نعتذر عن أخطائنا، والجرائم والأفعال السيئة والاختلاسات الأخيرة، فهي أشياء مخزية". كما وجه انتقادات للجهات والشخصيات التي تغلق أفواهها بوجه الفساد الذي تشهده إيران بذريعة الحفاظ على قوة وتماسك البلاد، وقال: "أولئك الذين يغلقون أفواههم للحفاظ على سلطتهم يزرعون الفساد والخراب في المجتمع".

وأقر شقيق المرشد، بوجود غلاء فاحش وفساد مستشرٍ وتمييز واختلاس في إيران، كما أوضح أن زيادة أسعار السكن واتساع البطالة وتفشي الفساد على نطاق واسع، خلقت أوضاعًا مؤسفة للمواطنين الإيرانيين، بحيث لم يعد بالإمكان تبريرها على الإطلاق. 

ورغم أن النخبة الدينية- السياسية تعترف بالمشكلة، إلا أنه لم تبذل جهودٌ تُذكر لكبح جماح هذا الوباء، الذي يؤثر على كل جانبٍ من جوانب الحياة السياسية والاقتصادية.

واليوم، بات هناك هياكل شبيهة بالعصابات الإجرامية في مختلف قطاعات الاقتصاد الإيراني، مثل قطاع السيارات، ونوادي كرة القدم، وواردات السكر، والعملات الصعبة. فالمحسوبية، والاختلاس من قِبل شخصياتٍ رفيعة المستوى، والفساد المستشري، إلى جانب الفجوة الضخمة في الدخل ما بين الأغنياء والفقراء.

وفي هذا الصدد، يؤكد الباحث علي البرزي، أن "علاقة الفساد بنظام المرشد وصلت إلى حد الاندماج، إذ لا يمكن تفكيكهما عن بعض، حيث أصبح جزءًا من هوية هذا النظام. أما ما يدعو للقلق، فهو عدم وجود أي إرادة حقيقية لمعالجة وباء الفساد في هذا البلد المنكوب".

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المصادر:

1- "فساد منظم".. إيران تمنع الكشف عن ثروات مسؤوليها، موقع العين، 16 أكتوبر/تشرين الأول 2021.

2- الطفيلي يتهم خامنئي بـ«حماية الفساد في العراق ولبنان»، موقع "الشرق الأوسط"، 10 نوفمبر/تشرين الثاني 2019.

3- بالوثائق.. "إيران إنترناشيونال" تكشف فساد قادة ومسؤولين بالحرس الثوري ومؤسسة المرشد، موقع إيران إنترناشيونال، 31 يناير/كانون الثاني 2021.

4- الفساد قيمة اجتماعية في إيران... حتى أعضاء مجلس الشورى يدفعون رشاوى، موقع النهار، 31 مايو/أيار 2022.

 

النشرة الإخبارية

اشترك في النشرة الإخبارية

ابق على اطلاع على النشرة الإلكترونية

معلوماتك فى امان معنا! إلغاء الاشتراك في أي وقت.