فاضل رسول... ضحية غدر الملالي في فيينا

- 11 مارس 2024 - 307 قراءة

انتمى فاضل رسول إلى الحزب الشيوعي العراقي في مقتبل عمره (13عامًا)

 

شارك فاضل رسول مع جلال طالباني في تأسيس البدايات الأولى للاتحاد الوطني الكُردستاني أواسط السبعينيات من القرن الماضي

 

إهمال شخصية الشّهيد فاضل رسول ومؤلفاته في رفوف المكتبات الكُردية والعربية وحتى الفارسية عن عمد

 

دشّن الحوار الإسلامي، العلماني في القاهرة وشارك في جلساته أحمد كمال أبو المجد، عادل حسين، محمد عمارة، طارق البشري، فهمي هويدي، عصمت سيف الدولة، محمد سليم العوا، علي الدين هلال

 

 

بدأ الشهيد فاضل رسول رحلته الفكرية والسياسية وهو فتىً يافع. فقد انتمى إلى الحزب الشيوعي العراقي في مقتبل عمره (13عامًا) ثم ترك صفوف الحزب أواخر ستينيات القرن العشرين بعد انهيار حركة الكفاح المسلح بقيادة الشهيد خالد زكي في الأهوار. وأسس مع زملاء آخرين له جماعة (وحدة القاعدة). في تلك الأثناء كان فاضل ورفاقه متأثرين بالفكر الماوي معارضين لإمبريالية الاتحاد السوفياتي داعمين للحرب الشعبية طويلة الأمد.

في منتصف السبعينيات لجأ فاضل رسول إلى أوروبا الغربية، وأقام في النمسا وأكمل دراساته العليا، فحصل على شهادة الدكتوراه في العلوم السياسية بـ (برلين) عن أطروحته بـالألمانية (تدخل القوى العظمى: الاتحاد السوفيتي والقضية الكُردية) ثمّ أصبح أستاذًا في إحدى الجامعات في فيينا.

انخرط فاضل في الحركة الوطنية الكُردية مبكرًا ضمن صفوف الحزب الديموقراطي الكُردستاني. وشارك مع جلال طالباني في تأسيس البدايات الأولى للاتحاد الوطني الكُردستاني أواسط السبعينيات من القرن الماضي.

في العام 1977 حدث انقلاب فكري في مسار فاضل رسول ورفاقه الماويين حيث طلّق التجربة الحزبية اليسارية وانهمك من موقعه في مراجعة التجربة وبلورة مشروع تغيير جديد يجمع بين اليسارية العلمانية الثورية والإسلامية الحضارية التغييرية. شارك في إصدار نشرة ماوية نظرية باسم (الوعي) -صدر منها ثلاثة أعداد 1977-، وجريدة سياسية باسم الكلمة (وحدة الكلمة وكلمة الوحدة) -صدر منها عشرة أعداد 1977-، ثم جريدة "الوحدة" السياسية التحريضية الأسبوعية (وأحيانا صدرت يومية في صفحتين) التي صدرت طوال أعوام 1977-1979. تلاها مجلة الوحدة (ثقافية فكرية) صدر منها ستة أعداد بوتيرة كل شهرين 1979-1980) لم تعمر هذه النشاطات طويلًا إذ جاءت الثورة الإيرانية لتفتتح زمنًا جديدًا.

انشغل فاضل في النشاط الفكري والثقافي الناجم عن الأفق الجديد للحركات الاجتماعية . فألّف كتبًا وترجم أخرى مثل: "تاريخ الحركة الثورية في إيران"، "النفط والثورة"، "إيران غربة السياسة والثورة" لبني صدر، "الحد الفاصل بين السياسة والدين" لمهدي بازركان، ولاحقًا كتابه الشهير "هكذا تكلّم علي شريعتي" الذي كان أول تجميع وقراءة نقدية لفكر شريعتي بالعربية.

تم إهمال شخصية الشّهيد فاضل رسول ومؤلفاته في رفوف المكتبات الكُردية والعربية وحتى الفارسية عن عمد، فهو الأديب والناشط والباحث، أفكاره التحررية والسلمية كانت إشكالية لعدة جهات كُردية، فقد توضع صورته وموعد اغتياله لكن هل تُذكر الأسباب، وهل تَذكر الفكر الذي آمن به هذا الأديب؟! وهنا نسأل سؤالًا موضوعيًا، أكان فاضل رسول قوميًا أم ذو فكر إسلامي؟! وماهي توجهاته الحقيقية ورؤيته لمستقبل المنطقة في كُردستان والعراق وإيران؟!

 إنَّ اهتمام الشهيد فاضل رسول بإيجاد حلول للمشكلة الكُردية وإنهاء أيّ صراع مع إيران، والتي ظنّ بأنّه من الممكن إجراء مفاوضات فعّالة مع مبعوثيها، جعلته يقع في محظور النظام الإيراني، الذي كان أول ملف أغلقه هو قضية كُردستان، وآخر ما يمكن أن تتأمل خيرًا هي المفاوضات معهم، فقد انتهى أغلبها باغتيالات شخصيات ليست عسكرية وحسب وإنّما مفكرين وباحثين عن الحقيقة، فقد عدتهم منشقين سياسيًا وكفار عن فقههم الزائف، خاصةً حقدهم تجاه أفكار الحزب الديمقراطي الكردستاني  PDKI. كان فاضل رسول المولود في مدينة السليمانية عام 1949 في كُردستان، من أوائل المؤسسين له، وعضوًا مقرّبًا للشهيد عبد الرحمن قاسملو، وكانت الفكرة الأساسية للحزب أنّ القضية الكُردية ليس لها حلّ عسكري، فقد قال قاسملو بإحدى مقابلاته "نحن لدينا القوة الكافية لعمليات عسكرية لكنّنا لسنا مجرمين" إنما الحوار يجب أن يكون سيد الموقف. وهو ما أوقع قاسملو في شِباك الغدر مع نخبة من المثقفين الكُرد، أحدهم كان فاضل رسول، إذ كان على إيمان تام بوحدة الشعوب الإيرانية وإعطاء الكُرد فيدرالية في مناطقهم.

قرأ فاضل تاريخ الكُرد والمنطقة من زاوية أوسع، أي من حيث البنية التكوينية للصياغة التاريخية لمنطقتنا خلال أربعة عشر قرنًا. كانت رؤية فاضل للتعدد الإثني قائمة على أنها كانت موجودة منذ القدم وصاغها الإسلام برحابة ويسر، لكنها تتأزم أثناء التدخل الخارجي.

الإسلام، كما يرى فاضل، لم يلغ الهويات المتعددة الإثنية والدينية. ومن هذا الباب طرح فاضل في المجلة التي أسسها بين فيينا وباريس عام 1985 (الحوار) ثم انتقلت إلى بيروت باسم "منبر الحوار" برئاسة المفكر اللبناني وجيه كوثراني، جملة محاور أساسية لقضايا الشرق تمثلت في ضرورة تكوين الحوار بين الاتجاهات المختلفة، حل القضايا القومية (كالقضية الكُردية) سلميًا، وإنهاء الصراعات الداخلية التي كان فاضل يرى أنها تدخل المنطقة في دائرة مميتة، وهي بالتالي تجلب الاحتلال الخارجي الذي يسبب الكوارث الكبرى للاجيال.

كان فاضل رسول مسلمًا معتدلًا ودعى في كتبه أهمها (هكذا تكلم شريعتي) إلى تجميع المسلمين تحت مسمى الإسلام المعتدل، والذي يحترم جميع قوميات المنطقة، فقد قال في هذا الكتاب (الدّين جاء لخدمة الإنسان والسمو به لا لإذلاله وسَلبه حق الإرادة) وأكدّ في أنّ فُرقة المسلمين، ماهي إلا خطة صهيونية، وأنّ الإلحاد والتّعصب وجهان لعملة واحدة، كما دشّن الحوار الإسلامي، العلماني في القاهرة،

وشارك في جلساته، أحمد كمال أبو المجد، عادل حسين، محمد عمارة، طارق البشري، فهمي هويدي، عصمت سيف الدولة، محمد سليم العوا، علي الدين هلال، سعد الدين ابراهيم وآخرون.

وعانى من اتهامات الاتحاد الوطني بأنّه عميل للجمهورية الإيرانية وأنّه غير موثوق، فقد تحوّل من أقسى اليسار إلى أقسى اليمين على حد تعبير بعض الجِهات الكردية، وأنّه الواجهة التي صدّقت بادرات التسوية بين الكُرد والنظام الإيراني، والتي أودت بحياة قاسملو على يد إيران، مع أنّ زوجة الشّهيد قاسملو (هيلين كروليش) نفت تورط فاضل رسول في مذكراتها (أوروبية في بلاد الكُرد) وقالت عن فاضل رسول أنّه كان رجلًا يحبّ الحوار، ولشدة حبه له أسمى مجلته بـ (الحِوار).

عمل فاضل وجاهد من أجل حل القضية الكُردية في الدول التي تقتسمهم، سلميًا، ضمن التوجه العام لوحدة المنطقة حضاريًا في وضع شبيه بالاتحاد الأوروبي اليوم. وعلى الرغم من أنه لم يكن يؤمن بالحكم الذاتي كحل نهائي للقضية القومية، لكنه اعتبرها خطوة جيدة لانتعاش الثقافات المضطَهَدة، والتي رأى فاضل أنها روافد غنية تصبّ في الثقافة المشتركة لشعوبنا.

 لم يحصل فاضل رسول من إيران سوى على الرصاص الذي اغتيل به في فيينا العاصمة النمساوية عام 1989، وقد تضاربت شهادات المتهمين باغتياله مع الدكتور قاسملو، فبدل أن تسعى الحكومة في النمسا لمعاقبة القتلى، أجبرت عائلة  الشهداء قاسملو وفاضل رسول بدفع مبالغ طائلة للمحاكمة ولم تتحرك التحقيقات كما يجب، وهذا تواطؤ واضح للحكومات الأوروبية، وهنا لا يسعنا إلّا بذكر أهمية وجرأة أفكار فاضل رسول، إذ كانت واضحة وإنسانية ولا تخلو من النقدية. وانعكست عقلانية رسول الكبيرة في كتبه وترجماته، فحبّه لدينه وقوميته، وكرهه للاستبداد والتبعية العمياء لا يخفى على مَن يقرأ له، وبالتأكيد تشويه سمعته ما هي إلا خطوة جبانة، فالمفكر يجب أن يُحترم في حياته ومماته، وخاصةً إن كانَ يدعو لأفكار بعيدة كلّ البعد عن التطرف والإجرام بل ساعية للعيش بوعي وسلام .

ــــــــــــــــــــــــــ

المصادر:

1- سعود المولى... ثلاثون عامًا على رحيلك يا أنور، موقع المدن، 13 يوليو 2019.

2- أوروبية في أرض الكُرد، هيلين كروليش، دار الزمان للطباعة والنشر، 2021.

3- وثائق الحزب الديقراطي الكردستاني.

4- هكذا تكلّم علي شريعتي، فاضل رسول.

 

النشرة الإخبارية

اشترك في النشرة الإخبارية

ابق على اطلاع على النشرة الإلكترونية

معلوماتك فى امان معنا! إلغاء الاشتراك في أي وقت.