في شرع الملالي.. الميليشيات أهم من الصواريخ!

- 22 مايو 2022 - 251 قراءة

إيران تنفق ما يقرب من 20 مليار دولار سنويًا على ميليشياتها في منطقة الشرق الأوسط

 

نظام الملالي سخّر كافة موارد البلاد من أجل تشكيل حركة شيعية "عابرة للحدود الوطنية"

 

الخسائر الاقتصادية نتيجة استمرار تمويل التنظيمات المسلحة تُلقي بظلالها على الاقتصاد الإيراني

 

حظوظ الميليشيات المتغيّرة ونفوذ إيران المتراجع يتحديان المفاهيم التي تبناها "الخميني" وأسلافه

 

كاتب أمريكي: عموم المسلمين السنة اليوم ينظرون إلى إيران باعتبارها "قوة قومية شيعية فارسية"

 

 

أكدت دراسة أجراها "المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية" في لندن، مؤخرًا، تحت عنوان "شبكات التسلل الإيرانية في الشرق الأوسط"، أن إيران تولي أهمية عسكرية واستراتيجية لميليشياتها المسلحة المنتشرة في أنحاء منطقة الشرق الأوسط، أكثر من اهتمامها ببرامجها المعلن عنه لتصنيع الصواريخ الباليستية.

وقدّرت الدراسة إجمالي إنفاق إيران على أنشطة ميليشياتها في سوريا والعراق واليمن بحوالي 19 مليار دولار سنويًا، بينما تنفق طهران حوالي 700 مليون دولار سنويًا على ميليشيات "حزب الله" في لبنان. ووفقًا لمسؤولين إيرانيين ولموقع "مجلة السياسة الخارجية"، فإن نظام الملالي أنفق مبالغ هائلة في سوريا، تتجاوز 48 مليار دولار.

وفي تصريح نادر، كشف علي فدوي، القائد في "الحرس الثوري" الإيراني، خلال مقابلة مع التلفزيون الرسمي، أن إيران تنفق ما يقرب من 20 مليار دولار على ميليشياتها في منطقة الشرق الأوسط سنويًا، في وقت يمر الشعب الإيراني بأزمات كبيرة من الفقر والظروف الاقتصادية الصعبة، فضلًا عن انتشار فيروس كورونا في البلاد بشكل وبائي.

في المقابل، ينفي الدكتور إسماعيل حسين زاده، الخبير في الاقتصاد الإيراني، القدرة على تحديد "رقم بعينه" بشأن الدعم الإيراني للتنظيمات والميليشيات الشيعية في العالم العربي، مؤكدًا أنه "لا يمكن وضع رقم محدد، سواء تعلق الأمر بإجمالي قيمة الدعم المالي الموجه من طهران للتنظيمات الشيعية".

وقال "زاده" إن عملية الدعم المالي للميليشيات لا تتم بشكل مُعلن عنه، أو مسجل في الأوراق الرسمية للدولة الإيرانية، يظهر كبند واضح ومفصل في الميزانية العامة، بل إنها عملية سرية، وهناك أكثر من جهة في الدولة تسهم في تمويل تلك التنظيمات بنسب مختلفة، تحت إشراف المرشد الأعلى علي خامنئي شخصيًا، كما أن عملية الإسناد المالي لا تدخل ضمن الطرق التقليدية، مثل تقديم أموال بشكل مباشر لقادة تلك التنظيمات.

ونظرًا لاعتبار المجتمع الدولي بعض هذه التنظيمات الشيعية إرهابية، يتم الإسناد المالي الإيراني لها بطرق ملتوية، منها على سبيل المثال شراء الحكومة الإيرانية صفقات ضخمة من السجاد من التجار الإيرانيين، ثم بيعها لبعض التجار اللبنانيين الداعمين لـ "حزب الله" بأسعار زهيدة للغاية، على أن يقوم هؤلاء بتصريفها في الأسواق المحلية، وحتى الإقليمية أو الدولية، وتمويل الحزب عبر الأرباح المحققة من عملية البيع.

وفي كثير من الأحيان، تقوم إيران بتمويل التنظيمات بشكل غير مباشر عن طريق صفقات تجارية مع الأجنحة المالية لتلك التنظيمات المسلحة، التي اكتسبت خبرة كبيرة في أساليب التحايل المالي، ومن ثم يتم إدخال الأموال الإيرانية إلى مصارف الدول بشكل مباشر، ولكن تحت أسماء وعناوين وهمية.

 

الحرب غير المتماثلة

 

في مواجهة التفوق الأمريكي والحصار الغربي، والجفاء الإقليمي، عمد الإيرانيون إلى اعتماد عقيدة عسكرية تقوم على مبادئ "الحرب غير المتماثلة"، لإحداث الفارق، وهي حروب تعتمد على مجموعة معقدة ومركبة من الاستراتيجيات، تستند إلى تأسيس جيش ظل يعمل كفيلق خارجي مكون من مليشيات عقائدية مسلحة، تتأسس على نموذج "حزب الله" اللبناني. وعلى الرغم من أن هذه الاستراتيجية لا تستطيع هزيمة أمريكا، لكنها تجعل من كلفة أي حرب أمريكية على إيران باهظة وغير مأمونة العواقب.

واستندت طهران في تحقيق هذا الهدف على بناء وإنشاء ميليشيات خارج نطاق الدولة تعمل على إشعال الفوضى، وبث ممارسات طائفية لإضعاف المجتمعات وخلق الاضطرابات وإشعال الحروب الأهلية والطائفية، لتوفير البيئة المناسبة لتحقيق الاختراق الإيراني لدول المنطقة. ومن خلال القتال جنبًا إلى جنب، زودت هذه المجموعات بعضها البعض بالمهارات والخبرة العسكرية، سواء في التكتيكات غير المتماثلة أو التكتيكات التقليدية، وبسرعة كبيرة فرضت هذه الميليشيات نفسها كأداة هائلة لطهران في العراق والشرق الأوسط بشكل عام، ما دفع إيران إلى تمويل وتدريب وتسليح هذه القوات شبه العسكرية على نطاق واسع.

ويؤكد المراقبون أن تشكيل حركة شيعية "عابرة للحدود الوطنية"، أجبر إيران على تسخير مقدراتها الاقتصادية الوطنية لتحقيق وجود خارطة شيعية متمايزة عن الخارطة السنية في العالم الإسلامي. وعلى الرغم من النجاحات التي حققتها الاستراتيجية الإيرانية في جغرافيا ممتدة من أفغانستان حتى شمال إفريقيا، وذلك بفعل محركات فعلها الاستراتيجي والعسكري والاقتصادي والأيديولوجي، إلا أنها واجهت تحديات كبرى عطَّلت الجيوبوليتيك الشيعي بعض الشيء، والتي يأتي في مقدمتها الدور الإيراني في تصاعد حدة الصراعات الطائفية والمذهبية، والمنافسة الجيوبوليتيكية لإيران في العالم الإسلامي.

 

حظوظ الميليشيات المتغيرة

 

ضخامة التكلفة المالية لتمويل التنظيمات الشيعية المسلحة، بات يتجاذبها تياران رئيسان داخل المجتمع الإيراني، فالتيار الأول يُصر على أهمية تلك التنظيمات لاستكمال المشروع الإيراني بتأسيس إمبراطورية قومية، وأن ما تدفعه إيران حاليًا لتلك التنظيمات من أموال لا يقاس بحجم الفوائد التي ستجنيها لاحقًا عند تأسيس الإمبراطورية، والاستغلال التام للأسواق العربية. أما التيار الآخر، فيناقش الأمر من زاوية ما يعرف بـ "البدائل المُهدرة اجتماعيا"، نتيجة تمويل تلك التنظيمات في وقت تشهد فيه إيران أوضاعًا مالية مضطربة.

وباتت الخسائر الاقتصادية لإيران نتيجة استمرار تمويل التنظيمات المسلحة الموالية لها، تُلقي بظلال كثيفة على الاقتصاد الإيراني، فالمقاومة التي تلقاها تلك التنظيمات في مجتمعاتها تدفع إيران إلى ضخ المزيد من الأموال لها لتحول دون انهيارها، خاصة أن أغلبها فشل في إيجاد آلية مالية داخلية قادرة على التمويل الذاتي له بشكل دائم ومستمر، ودون الدعم المالي والعسكري الإيراني لتلك التنظيمات فإنه من المشكوك فيه أن تحظى بالقدرة على البقاء.

ويعتبر المحلل الأمريكي جيمس دورسي أن حظوظ الميليشيات المتغيرة، ونفوذ إيران المنخفض، يتحديان المفاهيم الاستراتيجية والدفاعية الأساسية التي تبنتها الجمهورية الإيرانية، منذ الثورة التي قادها رجال الدين والتي أطاحت بالشاه في عام 1979.

ويرى " دورسي" أن الصورة العامة هي أن توسّع إيران بلغ ذروته في 2018 ودخل منذ ذلك الحين مرحلة جديدة، لم تتعرض فيها طهران لأي انتكاسات عسكرية استراتيجية لكنها اصطدمت بجدار، وأكبر مشكلة أساسية لإيران هي أن أغلب حلفائها في الكثير من الأحيان ينجحون في المواجهات المسلحة، لكنهم غير قادرين على ضمان الاستقرار السياسي والاقتصادي لاحقا.

أضف إلى ذلك، أن إيران هي ثورة ليس من المستغرب أن تخرج عن مسارها. فقد فقدت إيران، إلى جانب الفساد المستشري وسوء الإدارة الاقتصادية، "جاذبيتها الثورية" الأولية للشيعة والسنة على حد سواء. وبدلًا من ذلك ينظر إليها عموم المسلمين السنة اليوم على أنها "قوة شيعية فارسية" في المقام الأول.

ـــــــــــــــــــــــــــــ

المصادر:

 

  1. إيران تنفق 10 مليارات دولار على التنظيمات الإرهابية في المنطقة سنويًا، الاقتصادية، 12 نوفمبر/تشرين الثاني 2017.
  2. قائد بالحرس الثوري يكشف حجم إنفاق إيران على الميليشيات بالشرق الأوسط، شبكة شام، 2 أكتوبر/تشرين الأول 2020.
  3. رقم ضخم.. إنفاق إيران على ميليشياتها بالمنطقة، العين، 28 سبتمبر/أيلول 2020.
  4. الميليشيات تتحول إلى عبء على إيران، موقع صحيفة العرب، 23 ديسمبر/كانون الأول 2021.

 

 

النشرة الإخبارية

اشترك في النشرة الإخبارية

ابق على اطلاع على النشرة الإلكترونية

معلوماتك فى امان معنا! إلغاء الاشتراك في أي وقت.