فيلق القدس.. عرّاب «جيوش الظل»

- 18 مايو 2022 - 264 قراءة

النظام الإيراني استحدث "دويلات الميليشيات" وأوكل لها مهمة ضرب الدول النظامية من الداخل

 

ممارسات الجماعات الشيعية المسلحة عمّقت التصدعات الاجتماعية في دولها.. وكرّست "الفرز الطائفي"

 

"الجيش الشيعي" العابر للجنسيات أصبح يسيطر على مناطق واسعة من لبنان والعراق وسوريا واليمن

 

60 ألف مقاتل شيعي كانوا يعملون تحت إمرة خبراء عسكريين إيرانيين خلال الحرب الأهلية السورية

 

 

انتهج نظام الملالي منذ ثورة عام 1979 سياسة التركيز على إنشاء الجماعات المسلحة غير النظامية، ورعاية شبكة من "جيوش الظل" قوامها الميليشيات الشيعية خارج حدود إيران، حتى يستطيع هذا النظام استهداف من يعتبرهم "أعداءه"، واستحداث دويلات الميليشيات والفوضى التي أُوكلت لها مهمة ضرب الدول النظامية من الداخل، لكي تكون بمثابة أذرع إيران الطويلة في الخارج.

ووقف "فيلق القدس" التابع لـ "الحرس الثوري"، وراء تأسيس مختلف التنظيمات الشيعية المسلحة في المنطقة العربية والإسلامية، وقام بتمويلها وتدريبها، والتنسيق فيما بينها، وحتى تخطيط وتنفيذ العمليات بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.

وكان دور "الفيلق" هو تأسيس شبكة وكلاء إقليميين في الدول التي تتدخل في شؤونها إيران، وذلك بالدعم العسكري والمالي، ومن ثم الدفع بهم للانخراط في العملية السياسية في دولهم، بما يعزز وضعهم في مواجهة السلطة المركزية.

وبذلك، أصبح لإيران حضور شبه عسكري في المنطقة العربية من خلال هذه الميليشيات المسلحة التي أنشأتها كأذرع لها في مناطق النزاع العربية، والتي تصاعدت وتيرتها بعد الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003 واندلاع ما يسمى بثورات الربيع العربي 2011، وقد مكنت تلك الجماعات إيران من تثبيت نفوذها في العديد من الدول العربية والإسلامية المجاورة، وكانت بمثابة "جيش ظل" إيراني متقدم.

 

دويلات داخل الدول

 

عمل "فيلق القدس" على مدار سنوات طويلة، بقيادة اللواء المغدور قاسم سليماني، باعتباره "الذراع الطويلة" للنظام الإيراني، فقد قام بمهام سرية داخل الدول التي تدخلت طهران في شؤونها، وقام أيضًا بتدريب وتسليح الوكلاء الإيرانيين مثل "حزب الله" اللبناني، الذي أسسه "فيلق القدس" في الثمانينيات، ثم كان له دور كبير في تأسيس كثير من الميليشيات الشيعية في عديد من الدول العربية مثل سوريا واليمن والعراق.

واستغلت الميليشيات الشيعية بدعم إيراني الظروف الداخلية للدول التي نشأت فيها، ليتحول بعضها إلى دويلات داخل الدول، وفي أخرى لتحل محل الدولة ذاتها، فعلى سبيل المثال استطاع "حزب الله" استغلال الظروف الداخلية في لبنان وتأسيس دولة له داخل الدولة اللبنانية، يتحرك من خلالها لفرض سيطرتها على القرار السياسي اللبناني بما يتوافق مع الأجندات الإيرانية.

كما قدّمت إيران الدعم العسكري والمالي واللوجيستي للميليشيات العراقيَّة، مثل "فيلق بدر، وعصائب أهل الحق، وكتائب حزب الله"، وكلها ميليشيات انضوت تحت لواء "فيلق القدس" أثناء محاربة تنظيم "داعش" في العراق عام 2014.

ويتم تصوير أنشطة الميليشيات الشيعية ضمن خطاب أوسع، يتمحور حول "القوات الموالية للحكومة". فحتى إذا اضطلعت هذه الجماعات بأدوار مهيمنة في نزاع ما، وسَعَت إلى تحقيق أهداف تختلف عن تلك التي وضعتها القوات الحكومية، فلا تزال توصف على أنها أكثر من "مجرد عناصر دعم". وساهم هذا الأمر في أحداث تمويه أكبر للتطورات الإقليمية والإيديولوجية البارزة المرتبطة بالميليشيات وبشبكات المحسوبية الخاصة بها.

ويرى المراقبون أن هناك منطلقات مشتركة بين هذه الجماعات الشيعية العابرة للدول، وتتمثل أولى النقاط المشتركة بينها في انطلاقها جميعًا من خلفية عقائدية تؤمن بـ "ولاية الفقيه" التي تبناها موسوي الخميني كنظام حكم في إيران، ضمن فكرة "الشيعية الجهادية"، وأنها انخرطت في مشروع ما قبل الظهور لتهيئة الظروف للدولة المهدوية التي يقودها الإمام الثاني عشر حسب عقيدتهم، وانخراط شيعة أفغان في المشروع مؤشر على محورية البعد العقيدي في العلاقة بين هذه التنظيمات شبه العسكرية.

استناد هذه الميليشيات على إيران بشكل أساسي في تسليحها ودعمها المالي، لا ينفي وجود مصادر أخرى لدعمها من قبيل الأموال المتدفقة من "زكاة الخُمس" والتبرعات الشيعية، أو حتى مصادر الدولة ذاتها كما هو الحال مع "الحشد الشعبي" العراقي، الذي تخصص له حصة من الموازنة العامة للدولة، و"الحوثيون" بعد سيطرتهم على السلطة في صنعاء وتسخير مقدرات الدولة لصالحهم، وهذه المصادر المالية الكبيرة تمكن المليشيات الشيعية من الاستمرار لفترة أطول، وتوسيع نشاطاتها، كما تجعل مواجهتها أكثر كلفة.

ويكشف تتبّع ممارسات هذه الجماعات المسلحة عن أنها عمّقت التصدعات الاجتماعية في دولها، وكرّست الفرز الطائفي، وأن ممارساتها التي ترتقي إلى مستوى "جرائم الحرب" تختزن وراءها ثارات مجتمعية ستظهر بين الفينة والأخرى، خصوصا في سياق تدجينها العمل السياسي لصالح خدمة مشاريعها الطائفية المعبرة عن المصالح الإيرانية، أكثر من مصالح دولها العليا.

أما في العراق فقد استطاعت الجماعات الشيعية الحاكمة في بغداد استغلال سيطرة تنظيم "داعش" على مدن عراقية لتشكيل ميليشيات "الحشد الشعبي" بدعم مباشر من إيران وبمباركة مراجع شيعية في العراق وإيران، لتتحول هذه الميليشيات إلى قوة عسكرية تفوق قوة الجيش العراقي النظامي.

وبعد تمرير قانون إنشاء "الحشد الشعبي"، سيطرت الميليشيات على مؤسسة الجيش وقراره العسكري، ثم استحوذت على الملف الأمني بشكل مباشر بعد وضع شخصية تابعة لها على رأس وزارة الداخلية العراقية، وبذلك فرضت هيمنتها على أهم وزارتين في البلد، وهما وزارة الدفاع والداخلية.

وأما في اليمن، فقد حاولت إيران تكرار تجربتها في العراق من خلال دعم ميليشيات "الحوثي" التي سعت منذ سبتمبر/أيلول 2014 إلى السيطرة على مقدرات الدولة اليمنية، ونجحت بالفعل في احتلال العاصمة صنعاء.

 

"جيش شيعي" عابر للجنسيات

 

انتشرت في سوريا خلال الحرب الأهلية ميليشيات شيعية محلية وأجنبية تابعة لإيران يزيد عددها على 50 فصيلًا، ويتجاوز عدد مسلحيها 60 ألف مقاتل، كانوا يعملون تحت إمرة خبراء عسكريين إيرانيين على تنفيذ استراتيجية طهران.

وتأسست في الساحل السوري خلال عامي 2015 و2016 ميليشيات شيعية مشابهة لـ «حزب الله»، تحت اسم «الغالبون - سرايا المقاومة الإسلامية في سوريا». كما تأسست ميليشيات في كل المناطق الشيعية في سوريا مثل بصرى الشام بدرعا، ونبل والزهراء بريف حلب الشمالي الغربي، والفوعة وكفريا بإدلب، والسيدة زينب والسيدة رقية وحي الجورة بدمشق وريفها، وأخيرًا في الشومرية ومناطقها بريف حمص الغربي.

عملت طهران على تشكيل قوات شعبية سورية من المتحمسين من الأقليات، وبالأخص المسيحية والعلوية، بالتزامن مع تجييش العراقيين والأفغان الموجودين في سوريا وإيران، للدفاع عن النظام السوري، بالتعاون مع «حزب الله» اللبناني. ولاحقًا، تضخم البرنامج وتوسع حتى اقترب من بناء «جيش شيعي عابر للجنسيات»، يحتل مناطق واسعة من لبنان، والعراق، وسوريا.

وكان على رأس هذه الميليشيات «كتائب الإمام علي»، المنضوية تحت راية «الحشد الشعبي» في العراق، وتضم نحو ألف مسلح، يقاتلون في البادية الشامية. ومثلها «كتائب حزب الله النجباء» و«كتائب سيد الشهداء» و«حركة الأبدال»، ويبلغ عدد مسلحي كل منها ما بين ألف و1500 عنصر ينشطون بشكل خاص في البادية. تتركز مقرات الميليشيات العراقية في السيدة زينب، وبلدة العيس جنوب حلب، وكذلك في مقرات الفرقة الثامنة عشرة بريف حمص الشرقي.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المصادر:

 

1- الميليشيات المسلحة.. أحصنة طروادة الإيرانية في الدول العربية، المنتدى العربي لتحليل السياسات الإيرانية، 24 ديسمبر/كانون الأول 2018.

2- ما هي أبرز الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران؟ رصيف 22، 31 أغسطس/آب 2016.

3- "فيلق القدس"... الوجه العسكري لسياسة إيران بالشرق الأوسط، موقع إندبندنت عربية، 11 أكتوبر/تشرين الأول 2019.

 

 

 

النشرة الإخبارية

اشترك في النشرة الإخبارية

ابق على اطلاع على النشرة الإلكترونية

معلوماتك فى امان معنا! إلغاء الاشتراك في أي وقت.