دعونا كما يقول الأصوليون نحرر موضع الخلاف نحاول نفهم أين المتفق عليه وما هو المختلف فيه وهل يتحمل الخلاف وهنا أتكلم عن تنوع الآراء داخل الصف الإسلامي.
***
دعونا نتفق على أن إيران لديها مشاريع تمثل خطرًا على العالم العربي وعلى أهل السنة وأن هذا يضعها في خانة الأعداء بلا خلاف.
لكن لابد من وضع بعض الحقائق أمامنا لفهم الموضوع منها أن إيران الحالية تحولت للمذهب الشيعي الإمامي منذ خمسة قرون فقط على يد الصفويين وهم ترك وليسوا فرسًا، وبمساعدة فعالة من العرب الشيعة وأن الفرس في المدن الكبيرة في هضبة فارس كانوا أكثر من قاوم التشيع وآخر من تشيع بعد مذابح ارتكبها ضدهم العرب الشيعة الذين كانوا حلفاء وأنصار الصفويين الترك وعلى هذا يجب إخراج ما تفعله دعاية أن هذا صراع فارسي عربي من الموضوع وهي الدعاية التي روج لها حزب البعث العراقي بقيادة صدام حسين ودعمتها كل الأنظمة الخليجية ومصر. هنا يجب إثبات أن قادسية صدام تسببت في دمار شامل لإيران و للعراق أيضًا بعد موت ملايين الأشخاص بسبب الحرب بشكل مباشر أو غير مباشر وأن هذه الحرب تركت عداوات ورغبة في الثأر والإنتقام عند الجانب الإيراني.
***
النقطة الثانية هي أن إيران الحالية هي خليط من الأجناس ولكن الفرس هم الأكثر عددًا فيها وأن إيران بتاريخها الإمبراطوري مسكونة بروح الأمة العظيمة التي ترى أنها تستحق أكثر مما هي فيه وأن هذا الشعور الجماعي يتجاوز الدين والمذهب ولكنه أيضًا لا يرى غضاضة في توظيفه لتحقيق أحلام عودة الإمبراطورية كدولة عظيمة وقوة كبرى وهنا يجب أن نتذكر إحتلال إيران لليمن ومصر والعراق وسوريا وتركيا وأفغانستان ومناطق من وسط آسيا إلى حدود الصين في التاريخ القديم ما قبل الإسلام. وتكرر هذا بشكل ما مع استخدام العباسيين لهذه القوة الكامنة في مواجهة الأمويين حتى أن من قتل مروان بن محمد في مصر لم يكن منهم شخص واحد يتكلم العربية. وقصة منع دعاة العباسيين لأنصارهم في خرسان من الكلام بالعربية والكلام فقط بالفارسية مشهورة المهم هنا أن هؤلاء الذين قامت على أكتافهم الدولة العباسية لم يكونوا شيعة ولكنهم حاولوا السيطرة على الدولة حتى حدثت مذبحة البرامكة الشهيرة ولم يتوقف الطموح أبدًا للسيطرة على الدولة حتى نهاية العباسيين. وهنا نفصل بين مسار سياسي يوظف الدين وبين دين مذهبي يستغل السياسي.
***
ننتقل إلى نقطة اتفاق يتفرع منها في التفصيل خلاف هي نقطة حكم الشيعة الإمامية الإثنى عشرية، المتفق عليه أن هؤلاء فرقة ضالة مبتدعة يحتوى مذهبهم بدع مكفرة (هنا لن أتعرض للرأي الذي يقول إنهم مسلمون) هذه البدع الكبير منها والصغير المتعلق منها بالأصول والمتعلق بالفروع العملي منها والاعتقادي كلها معروفة كتب عنها علماء أهل السنة قديما وحديثا ولهم مناظرات شهيرة مع علمائهم وأئمتهم عبر العصور، الغالبية العظمى من أهل السنة تفرق بين عوام الشيعة وعلمائهم وتقول بالتفصيل في الأحكام وهو مذهبهم مع باقي الفرق أيضا كالمعتزلة و الجهمية ، الخلاف هنا في التفاصيل وهو هل التكفير عيني للكل؟ هل التكفير العيني يستلزم القتل والقتال؟ هل يجعلهم هذا في أول سلم الأعداء و يجعل الكف عنهم غير جائز بأي حال لأنهم مرتدين و ليسوا كفار اصليين ؟ من يقول بالكفر العام والردة دون تفصيل في الأحكام يعلم أن هذا مذهب جمهور العلماء قديما و حديثا ، من خالف من المعاصرين قالوا أن شيعة اليوم غير شيعة الأمس وأن كلام العلماء قديما لا ينطبق على هؤلاء لأن هؤلاء عندهم إمكانية أكثر للعلم تنفي عارض الجهل كمانع لتكفير العوام و أن هناك أقوال جديدة مكفرة لم تكن موجودة من قبل و أن أعمال الشرك القبورية ليس فيها عذر و أن قتالهم لأهل السنة مع أعداء الإسلام موالاة مكفرة ، هذه الردود الأساسية كتبها الزرقاوي مع ابو أيوب المصري ردا على الرأي الأخر المخالف لما كانوا يفعلوه ضد الشيعة في العراق و ناصر هذا الرأي بعض شباب الدعاة و طلبة العلم في السعودية و دول الخليج و بشكل عام كل من شارك في مشروع خلافة العراق ، هذا التيار ليس هو المقصود بالمناقشة هنا لأن الكلام معهم لا يفيد و إلا كانوا سمعوه من أقرب الناس إليهم ك المقدسي و أبو قتادة و الظواهري و بن لادن كما أن الموضوع عندهم غير مبنى على أسس علمية و إنما هو محض هوى النفس لأن الخلاف في هذه المسألة محتمل و لا يوجب شقاق و لا قتال و تبديع و تكفير و استحلال لدماء و فجر في الخصومة مع المخالف و هو ما يفعله الدواعش ، الخلاف هنا لو كان في إطار صحيح عند من يرى كفر الشيعة بالاعيان يكون رأي المخالف ممن يقول بالتفصيل في حكم الشيعة خطأ يحتمل الصواب منقول عن مذهب معظم السلف و كبار العلماء المعاصرين و هي قضايا تبحث بعيدا عن التخوين والتكفير.
***
يقول سن تزو في فن الحرب إن كنت تعلم قدراتك و قدرات خصمك فما عليك أن تخشى من نتائج مائة معركة و أن كنت تعرف قدرات نفسك و تجهل قدرات خصمك فلسوف تعاني من هزيمة ما في كل نصر مكتسب أما إن كنت تجهل قدرات نفسك و تجهل قدرات عدوك فالهزيمة المؤكدة هي حليفك في كل معركة.. السؤال هو هل نعرف عدونا و نعرف أنفسنا؟
***
تسيطر علينا نظريات كثيرة عن المؤامرة و التحالف الخفي بين إيران/ أمريكا و إيران/ فرنسا و إيران/أي طرف في عداوة معنا و تقدم شواهد تدل على وجود المؤامرة مثل حياة الخميني في فرنسا قبل الثورة ، مساعدة إيران في إحتلال العراق و أفغانستان ، دعم إيران لنظام الأسد العميل بائع الجولان ، سكوت الغرب على البرنامج النووي الإيراني الذي أوشك على الاكتمال الخ الخ ، أولا يجب أن نتفق على أن الفرق بين النظرية و الحقيقة و الشاهد و الدليل مسألة فيها خلط كبير عندنا و أن عدم وجود الأدلة القطعية على وجود المؤامرة لا ينفيها كما لا يثبتها وجود الشواهد فقط .. تظل تقاطعات المصالح بين القوى الفاعلة ، تصفية عدو بعدو و استخدام قوة الغير و حساباته الذاتية لحسابك أمر متعارف عليه في الحرب و السياسة بل توريط اعدائك في معارك لإضعافهم واحد من تكتيكات الحرب ، يقول نابليون اذا رأيت اعدائك يقتتلون فلا تقاطعهم ، و نعرف جميعا قاعدة عدو عدوي صديقي لكن مالا نعرفه أنه صديقي إلى حين التمكن من القضاء عليه ، أن فكرة بناء تحالف للحرب و تفكيك التحالف لحساب تحالف جديد قضية عادية جدا لأنه لا أعداء دائمين و لا أصدقاء دائمين و إنما مصالح دائمة هذا المنطق في إدارة السياسة قد لا يستسيغه الإسلاميون و ينفروا منه و لكن هذا لا يغير أن الجميع حولنا يفعل هذا و لا يضيرهم إعتبار هذا نوع من التأمر غير الاخلاقي أو اعتباره عمل سياسي حربي تقوم به الدول حماية لمصالحها و تعتبره عمل وطني و ديني أحيانا حسب العدو و بإختلاف ظروف كل دولة ، اختلافنا نحن فيما بيننا في الحكم على الظواهر التي أمامنا يجب أن يكون في حدود أن تكوين رأي كامل و صحيح صعب في ضوء نقص المعلومات القطعية و توافر الظنية فقط و أن هذا يجعل الخلاف بيننا محتمل و لا يفسد للود قضية ، سأضرب مثال يوضح ما فات هو علاقة إيران بحركة طالبان الذي أنتقل من الود في بداية ظهور الحركة إلى العداء و الحرب ثم الدعم الخفي وغض الطرف ثم الوساطة مع الحكومة لحل الأزمة في أفغانستان.
ابق على اطلاع على النشرة الإلكترونية