كيف احتلت إيران إمارة «عربستان»؟

- 25 ديسمبر 2023 - 344 قراءة

السفن الإنجليزية المارّة في شط العرب أمام قصر الشيخ خزعل الكعبي كانت تُطلق له "مدافع التحية"

 

بريطانيا اتجهت إلى "إمارة المحمرة العربية" لكي تتخذ منها قاعدة لمواجهة التقدم الروسي في بلاد فارس

 

الأمير خزعل وقف في وجه الإيرانيين الذين عملوا بكل إمكانياتهم لجعل "عربستان" فارسية

 

 

كتاب "حكم الشيخ خزعل بن جابر واحتلال إمارة عربستان"، للباحث البريطاني ويليام ثيودور سترانك، واحد من أهم وأشمل الكتب التي صدرت عن تاريخ إقليم الأحواز العربي المحتل منذ عام 1925، وهو يؤرخ لحقبة نالت اهتمام كثير من الباحثين والكتاب العرب، معتمدين في ذلك على مختلف المصادر والمؤلفات العربية.

والكتاب، في الأصل، هو أطروحة جامعية تقدم بها الباحث وليم تيودور سترنك، للحصول على شهادة دكتوراه الفلسفة في قسم التاريخ بجامعة إنديانا الأمريكية عام 1977.

يقسم المؤلف كتابه إلى سبعة فصول وخاتمة، ويتناول في هذه الفصول مواضيع عديدة، مثل تعهدات وضمانات بريطانيا للشيخ خزعل، وموضوع التحالف الجنوبي بين الشيخ خزعل وأبناء الطائفة "البختيارية"، ومسألة اكتشاف النفط في عربستان واستثماره، وكذلك مشاريع السكك الحديد وخطط للري، فضلًا عن علاقة الشيخ خزعل نفسه مع البريطانيين ومع حكومة بلاد فارس، قبل فترة حكم رضا خان، وبعد ذلك.

كما خصص "سترانك" عدة فصول من كتابه، تتعلق بمقاومة الأمير "خزعل" للاحتلال الإيراني، وتصميمه وصموده تجاه المحاولات الفارسية في التدخل والعدوان.

 

جهاد الأمير خزعل

 

تمثل الحقبة التاريخية التي تناولها الكتاب فترة حكم الشيخ خزعل (١٨٩٧-١٩٢٥) لإمارة عربستان، والتي تعد بكل المقاييس فترة مهمة في التاريخ العربي الحديث والمعاصر.

ويشير الباحث، في مقدمة كتابه، إلى أن دراسته تتعلق بصورة رئيسية بتوضيح العلاقات السياسية بين بريطانيا وبلاد فارس، في تلك الفترة، وأثر هذه العلاقات على استقلال الأحواز.

وطّد الأمير علاقاته مع الإنجليز ليضمنوا له استقلال إمارته؛ فلقيت "شركة الهند الشرقية" البريطانية في عهده مساعدات قيمة من حكومته، وكانت السفن الإنجليزية المارّة في شط العرب أمام قصره تطلق له مدافع التحية اعترافًا بالصلة الوطيدة معه؛ وهكذا حقق لنفسه مكانة عربية ودولية.

رغم ذلك، تميّز عهد الشيخ خزعل بأنه العهد الذي تم فيه الوقوف في وجه محاولات توسيع النفوذ البريطاني في المنطقة، فقد اتجهت بريطانيا إلى "إمارة المحمرة العربية" لكي تتخذ منها قاعدة لمواجهة التقدم الروسي في فارس، فحاولت إقناع الشيخ خزعل بأنها ليست لديها أهداف عسكرية، وأن مصالحها تجارية وتستهدف تحسين المواصلات في المنطقة، مع أنها كانت تسعى في الواقع إلى تحقيق استثمارات المناطق الغنية الواقعة على جانبيّ حوض كارون في مقاطعة عربستان.

غير أن الأطروحات التي يقدمها المؤلف في كتابه هذا ليست جديدة كل الجدة في خطوطها التاريخية العامة، غير أن الجديد فيها هو تمكن الباحث التنقيب عن مادته في الوثائق الأجنبية، لا سيما البريطانية منها والخاصة بوزارة الخارجية البريطانية ووزارة الهند والبرلمان البريطاني والبحرين والحربية البريطانية، إلخ، إضافة إلى العديد من المذكرات والتراجم لشخصيات عاشت أحداث تلك الفترة أو عاصرتها أو كانت قريبة من المكان، أو شخصيات مهتمة بالموضوع، وبدرجة رئيسية السياسيين والمسؤولين البريطانيين، الإداريون منهم والعسكريون الذين كانوا يديرون دفة الإدارة والسياسة في منطقة الخليج العربي.

لذلك، تمثل الأطروحة رواية تاريخية للمدرسة البريطانية، ووجهة نظرها اعتمادًا على وثائقها ومصادرها وموظفيها بشأن تلك الفترة التاريخية، وهذا الجزء الحيوي من وطننا العربي، الجزء الذي استلبته الحكومة الشاهنشاهية الفارسية عنوة وضمته إلى منطقة نفوذها بالقوة.

ويقول المترجم د. عبد الجبار ناجي، إنه كان ينبغي على الباحث أن يشير في عنوان أطروحته إلى أنها اعتمدت بشكل أساسي على الوثائق البريطانية، موضحًا أن الباحث قد أغفل الكثير من الدراسات والمقالات العربية الجامعية والمخطوطات حول هذا الموضوع بالغ الأهمية.

من جهة أخرى، يرى "ناجي" أن الباحث قد وُفق في إظهار التوسع الاستعماري البريطاني، وتشابكه وتصادمه فيما بينه، أي بين السياسة الاستعمارية للهند، والسياسة الاستعمارية في منطقة الشرق الأوسط آنذاك.

 

استقلال الإمارة العربية

 

يعكس منهج الباحث وطريقته في البحث في هذه الفترة، التصارع الاستعماري الأجنبي للاستحواذ على منطقة الخليج العربي، سواء كان ذلك التصادم سياسيًا أم تجاريًا واقتصاديًا.

من جهة ثانية، ألقى الباحث أضواء تاريخية مفصلة على استقلال الإمارة العربية في عربستان جغرافيًا وبشريًا واقتصاديًا وسياسيًا، وعلى تمتع أميرها باستقلال ذاتي عن الدولة الفارسية، وكذلك على جهود الشيخ خزعل الحثيثة والدؤوبة من أجل المحافظة على هذا الاستقلال، والسعي إلى الانفصال النهائي، وإقامة حكم عربي مستقل.

ويمتاز الكتاب بالإحاطة الكاملة بالموضوع، على الرغم من أن الفترة الزمنية التي تناولها المؤلف طويلة من 1897-1935، والمساحة المكانية واسعة أيضًا لم تقتصر على عربستان، بل امتدت لتشمل فارس وروسيا وتركيا وبريطانيا، وهي دول تكالبت بقوة وقتها على شط العرب، وعلى منطقة الخليج العربي عمومًا.

وأجاد المؤلف في تصوير أمير المحمرة الشيخ خزعل بن جابر، الذي استلم إمارة قبيلته، وحكم عربستان بعد مقتل أخيه مزعل بن جابر.

وكان الشيخ خزعل شخصية مميزة، فهو عربي أصيل متمسك بعروبته ومبادئه وتقاليد القبائل العربية، ويتمتع بذكاء خارق، وقدرة على الحوار.

وقف الأمير في وجه الفرس الذين عملوا بكل إمكانياتهم لجعل عربستان فارسية، وأصرّ على عروبة بلاده التي حكمها ولم يترك فرصة تفوته، ولا طريقة تفيده إلا استغلها، حتى أضحى شوكة في أعين الحكام الفرس فترة طويلة من الزمن.

وتعاطف البريطانيون مع الشيخ خزعل وأغدقوا له الوعود البراقة، وراقته تلك الوعود فاشتد عوده، واتسعت آماله، إلا أن المؤامرات الخارجية كانت أكبر منه ومن قدراته، فأودت به إلى الضعف، وتمزقت عرى قبيلته.

وبعد اكتشاف النفط في عربستان عام ١٩٠٨ على يد شركة النفط الأنجلو- إيرانية، التي أصبح اسمها "بريتيش بتروليوم" فيما بعد، عزز البريطانيون علاقتهم بالشيخ خزعل.

وفي عام ١٩١٠ منحوه وسام الإمبراطورية الهندية بدرجة قائد فرسان. واجتهد الشيخ خزعل في المقابل في إثبات ولائه للبريطانيين، حيث مثل حليفًا مهمًا لهم طوال الحرب العالمية الأولى، التي نجح خلالها – بدعمٍ عسكري من بريطانيا – في إخماد انتفاضة القبائل الموالية للعثمانيين على أراضيه.

إلا أن جهود الشيخ خزعل للحصول على اعتراف بريطاني رسمي بسيادته على المحمرة ونيل الاستقلال فشلت. فعلى خلاف العائلات الحاكمة للمشايخ الأخرى في الخليج وقتها، لم تضمن بريطانيا حكم خزعل في نهاية المطاف.

ومع تولي الشاه رضا خان مقاليد الحكم في إيران، وانهيار الإمبراطورية القاجارية، وجد الشيخ خزعل نفسه تحت ضغوط متزايدة. فمنهج التحديث ومركزة السلطة الذي اتبعته الحكومة الجديدة في طهران، ما كان ليتقبل استمرار المحمرة بوضعٍ شبه مستقل.

وبعد أن قاد الشيخ خزعل انتفاضةً فاشلة ضد الحكومة الجديدة، أمر رضا خان بإحضاره، واستطاع الفرس عن طريق التآمر أسر الشيخ ونقله إلى العاصمة طهران في أبريل/نيسان ١٩٢٥، حيث أصبح سجينًا وسلبوه أملاكه كلها، ولم يرحموا شيخوخته ومرضه حتى فقد إحدى عينيه، وضعف بصر العين الأخرى، فتوفي في سجنه بطهران عام 1936.

مات الشيخ المجاهد خزعل بن جابر الكعبي في النهاية، لكن التاريخ لم ينس أن يكتب عنه صفحات ناصعة، لا تُنسى أبدًا.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

معلومات الكتاب:

الكتاب: حكم الشيخ خزعل بن جابر واحتلال إمارة عربستان

المؤلف: ويليام ثيودور سترانك

ترجمة: د. عبد الجبار ناجي

الناشر: الدار العربية للموسوعات، 2006.

 

 

النشرة الإخبارية

اشترك في النشرة الإخبارية

ابق على اطلاع على النشرة الإلكترونية

معلوماتك فى امان معنا! إلغاء الاشتراك في أي وقت.