في مثل هذه الأيام من العام الماضي، وتحديدًا في 16 سبتمبر/أيلول 2022، أشعل حادث مصرع الفتاة الكردية مهسا أميني بعد أن اعتقلتها "شرطة الأخلاق" في طهران بتهمة مخالفة قوانين الحجاب، احتجاجات شعبية هي الأعنف من نوعها في إيران، ضمن مشهد ثوري تخطى الاحتجاج على الحادث، وتحول إلى انتفاضة شاملة ضد نظام الملالي الحاكم.
وجاء حادث مصرع مهسا أميني البالغة من العمر 22 عامًا، بعد أسابيع على توقيع الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، في 16 أغسطس/آب 2022، مرسومًا فرض إجراءات متشددة في ملابس النساء، ونص على فرض عقوبات أكثر قسوة وتشددًا على أي امرأة تخرق قانون الحجاب، سواء علنًا في الشوارع أو عبر الإنترنت.
وأدت الاحتجاجات في بداية اندلاعها إلى مقتل عدد من الأشخاص وإصابة العشرات، فضلًا عن اعتقال المئات من المتظاهرين الغاضبين، إثر صدامات دموية مع أجهزة الأمن التي واجهت المحتجين بعنف لا مثيل له.
ألقت "شرطة الأخلاق" القبض على مهسا أميني في 13 سبتمبر/أيلول أثناء وجودها في محطة المترو، بالعاصمة طهران، خلال زيارة عائلية، بحجة ارتداء "ملابس غير محتشمة"، وذلك بمعرفة عناصر من "شرطة الإرشاد" التي تراقب التزام النساء بالقيود المشددة على اللباس، ومنها إلزامية تغطية الشعر. وتم اقتياد الضحية إلى أحد أقسام الشرطة، حيث شوهدت لآخر مرة وهي تسقط على أحد المقاعد، في فيديو تم تداوله بعد الحادث على مواقع التواصل الاجتماعي داخل وخارج إيران.
وقالت الشرطة، في بيان لها عقب الحادث، إن أميني كانت تعاني من "قصور مفاجئ في القلب" أثناء انتظارها مع نساء أُخريات في مركز تابع لـ "دورية الأخلاق" حتى يتم "تثقيفها" بخصوص قواعد الحجاب، ونفت الشرطة تعرّضها للضرب على رأسها، ما أدى إلى إصابتها بنزيف داخلي، حيث خرجت الدماء من أذنيها، وفق ما ذكرت أسرتها لوسائل الإعلام فيما بعد.
"المرأة والحياة والحرية"
اندلعت الاحتجاجات على مصرع أميني، من مدينة "سقز" في إقليم كردستان، مسقط رأس الفتاة، حيث ظهر المحتجون في مقاطع مصورة نُشرت على مواقع التواصل الاجتماعي، وهم يرددون هتافات مناوئة للنظام، بعد أن جاءوا من المدن المجاورة وتجمعوا خلال تشييع جثمان الضحية، التي أصبحت فيما بعد رمزًا لانتفاضة جديدة في البلاد.
وامتدت الاحتجاجات بعد ذلك، إلى "سنندج" عاصمة الإقليم، حيث أظهرت مقاطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي حشودًا تهتف "سقز ليست وحدها، سنندج تدعمها". وشوهد المتظاهرون وهم يواجهون شرطة مكافحة الشغب وسط دوي إطلاق النار.
وتضامنًا مع أهالي مدينة "سقز" أيضًا، نظم الآلاف في عدة مدن مجاورة تجمعات في الشوارع ورفعوا شعارات مناهضة للنظام الإيراني، وأسفرت الاحتجاجات عن إصابة 40 شخصًا، واعتقال 13 شخصًا على الأقل من المشاركين في التظاهرات الاحتجاجية العارمة.
وذكرت تقارير إعلامية، في حينه، أن صحة عدد من المصابين في احتجاجات مدينة سقز، غرب إيران، تدهورت بسبب استهدافهم في الرأس والقلب برصاص الصيد بشكل مباشر، وتم نقلهم إلى مدينة تبريز شمال غرب البلاد لتلقي العلاج.
وأفادت التقارير الواردة بأن القوات الأمنية الإيرانية اعتقلت أيضًا 15 شخصًا من النشطاء المدنيين اعتزموا تنظيم تجمع احتجاجي أمام البرلمان الإيراني في طهران للتنديد بالحادث المأساوي.
في المقابل، ذكرت الشرطة أن أميني أُصيبت بوعكة صحية، بينما كانت تنتظر مع أُخريات في "مركز شرطة الأخلاق" الذي نُقلت إليه، لكن والد "مهسا" قال إنها لم تكن تعاني من مشكلات صحية، وإن الكدمات كانت ظاهرة على قدمها، محملًا الشرطة مسؤولية وفاتها.
وأظهرت صور الأشعة المقطعية لجثمان الضحية، التي حصلت عليها مجموعة قراصنة، كسرًا بالجمجمة في الجانب الأيمن من رأسها، بسبب مضاعفات ناجمة عن ضربة مباشرة للرأس. كما أظهرت هذه الصور وجود إفرازات ودم في رئتيها. وبحسب الأطباء، فإن تراكم السوائل في رئتيها ناتج عن دخولها في غيبوبة بعد ضربة قوية على رأسها أدت إلى حدوث ارتجاج في المخ.
وأشعلت هذه الصور غضب الرأي العام الإيراني، حيث جاءت الاحتجاجات الجديدة بعدما شهدت البلاد عدة احتجاجات خلال السنوات الأخيرة على وقع الظروف المعيشية والاقتصادية الصعبة التي يواجهها المواطن الإيراني منذ 2018 على خلفية العقوبات الأمريكية المشددة بعد انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي.
كما جاءت الاحتجاجات على وفاة "مهسا" أميني، والتي توسعت رقعتها إلى 20 مدينة إيرانية، ضمن سياق موضوع الحجاب في إيران، والذي عاد إلى الواجهة خلال الشهور الأخيرة من العام الماضي 2022، بعد عودة دوريات "شرطة الأخلاق" إلى الشوارع.
أظهرت مقاطع الفيديو تم التقاطها في طهران، نساء وفتيات يخلعن حجابهن، ويهتفن "الموت للديكتاتور" وهو شعار يشير للمرشد الأعلى، بينما ردد آخرون شعار "الحرية، والعدالة"، و"لا للحجاب الإجباري".
كما احتج عدد من طلاب جامعة طهران، ورفعوا لافتات كتب عليها: "لا نريد أن نموت"، و"مهسا لن تموتي. اسمك سيصبح رمزًا"، و"المرأة، والحياة، والحرية".
وتحولت الاحتجاجات بعد ذلك على الحادث إلى انتفاضة شاملة، إذ اندلعت المظاهرات في المدن الإيرانية المختلفة، احتجاجًا على مصرع "مهسا"، ونظم الطلاب تجمعات احتجاجية في عدة جامعات مختلفة، ورددوا هتافات ضد النظام، من بينها "يسقط "ديكتاتور إيران"، وركل عدد من الطلاب صورة المرشد الإيراني علي خامنئي، الذي لم يكن قد أدلى بدلوه في الاجتجاجات حتى تلك اللحظة.
الأمم المتحدة تتدخل
أدى توسع الاحتجاجات الشعبية على دخول الأمم المتحدة على الخط، حثت المنظمة الدولية القادة الإيرانيين على السماح بخروج المظاهرات السلمية، وفتح تحقيق محايد في وفاة أميني، معربة عن قلقها إزاء رد السلطات الإيرانية العنيف على الاحتجاجات الشعبية العارمة.
وقالت نائبة مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، ندى الناشف، إن "هناك تقارير أفادت بأن أميني تعرضت للضرب على الرأس بهراوة من ضباط شرطة الإرشاد، وإن رأسها ارتطمت بإحدى السيارات التابعة لهم".
وعلى إثر ذلك، أعلن رئيس البرلمان الإيراني محمد باقر قاليباف، عن تشكيل لجنة تقصي حقائق لبيان ملابسات الحادث، فيما حذَّرت صحيفة "إيران" الحكومية من تحول القضية إلى توتر داخلي.
فيما قال وزير الاتصالات الإيراني، عيسى زارع بور، إن الوصول إلى الإنترنت في إيران قد يتعطل لأسباب أمنية، وذلك وسط الاحتجاجات التي شهدتها البلاد. ونقلت وكالة أنباء الطلبة الإيرانية شبه الرسمية عن الوزير قوله: "بسبب القضايا الأمنية والمناقشات الجارية حاليًا في إيران، قد يقرر الجهاز الأمني فرض قيود على الإنترنت ويطبقها".
وبينما ذكرت منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي، أن السلطات قيّدت الوصول إلى الإنترنت عبر الهاتف المحمول في مدينة "سقز" والمناطق المجاورة لها، أفاد مرصد نتبلوكس لمراقبة انقطاعات الإنترنت بوقوع "انقطاع كبير للإنترنت" في طهران.
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر:
1- مهسا أميني: إيرانيات يشعلن النار في أغطية رؤوسهن أثناء الاحتجاجات ضد فرض الحجاب، موقع بي بي سي عربي، 20 سبتمبر/أيلول 2022.
2- إيران.. اندلاع احتجاجات خلال جنازة شابة توفيت أثناء احتجازها، موقع سكاي نيوز عربية، 18 سبتمبر/أيلول 2022.
3- شرطة طهران تنفي قتلها الشابة أميني.. وصور الأشعة تظهر مفاجأة، موقع العربية، 19 سبتمبر/أيلول 2022.
ابق على اطلاع على النشرة الإلكترونية