مقتل رئيسي… اغتيال حتى إثبات العكس!

- 8 سبتمبر 2024 - 21 قراءة

سؤال واحد يكاد يجمع عليه معظم المراقبين والمحللين في العالم، لماذا تسقط مروحية الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي وحدها دون مروحيتين أخريين كانتا ترافقانها وسط الظروف المناخية نفسها، في طريق العودة من الحدود مع أذربيجان إلى مدينة تبريز؟

سؤال يأخذ المتابعين والمراقبين إلى أكثر من تحليل وتبرير وشبهة، لكنه لا يصل إلى جواب حاسم لا يستبعد واحداً من احتمالين إما تصفية من داخل النظام وإما اغتيال من خارجه.

فالرئيس رئيسي، وعلى الرغم من شخصيته الهادئة، لم يكن شخصية عادية لم تنغمس تماماً في لعبة السلطة التي أعقبت "الثورة الاسلامية" في العام ١٩٧٩، ولم يأتِ من بيئة معتدلة أو منفتحة لا على الداخل ولا على الخارج، ولم يحمل في سجله ما يبعد عنه شبح الانتقامات من أكثر من جهة محلية وخارجية.

فالرجل كان واحداً من أربعة قضاة تألفت منهم في العام ١٩٨٨ ما عرفت بـ”لجنة الموت” المسؤولة عن إعدام آلاف السجناء السياسيين الأعضاء في حزب “تودة” الشيوعي المنحل ومنظمة “مجاهدي خلق” وتيارات معادية للنظام الديني في البلاد والاجراءات المتشددة المتعلقة بالحجاب وحقوق المرأة والحريات العامة والتباينات السياسية.

وأكثر من ذلك، يعتبر رئيسي واحداً من أقرب الحلفاء الى الإمام خامنئي، والأوفر حظاً في حسم الصراع على خلافته، والمساهم في تعثر المفاوضات النووية مع الولايات المتحدة، والأكثر حماسة وإصراراً على إنتاج قنبلة نووية إيرانية، والأكثر عنفاً في مواجهة الاحتجاجات الصاخبة التي أعقبت مقتل الإيرانية مهسا أميني في سبتمبر/أيلول العام ٢٠٢٢، والأكثر تورطاً في دعم روسيا في حربها ضد أوكرانيا، والأشد تمسكاً بالأذرع التي تضرب (إسرائيل) والمواقع الأميركية في كل من العراق واليمن وسوريا ولبنان وفلسطين، وأبرز المسؤولين الإيرانيين الكبار على لائحة العقوبات الأميركية وسجلات منظمة حقوق الإنسان الدولية.

ويقول مراقبون ديبلوماسيون وأمنيون إن رأس الرئيس الإيراني كان مطلوباً من أكثر من طرف، بدءاً من أذربيجان وكردستان اللتين تتهمهما إيران باحتضان قواعد إسرائيلية، ومن باكستان على خلفية المناوشات المتبادلة في إقليم بلوشستان، ومن الأردن المنشغل بمكائد إيرانية تستهدف الأمن والنظام، مروراً بالمخابرات الأوكرانية التي لم تنسَ بعد طائرتها المدنية التي أسقطها صاروخ إيراني قبل أربع سنوات، والأميركية التي تتهم “الحرس الثوري” بالوقوف وراء الاعتداءات التي تطاول قواعدها في العراق وسوريا والأردن والبحر الأحمر، وصولاً إلى الأكراد الإيرانيين ومنظمة “مجاهدي خلق” التي لا تزال ناشطة عل حدود إيران مع عدد من الدول المجاورة.

لكن أكثر ما تشير إليه أصابع الاتهام، حسب هؤلاء المراقبين، هو التنافس على خلافة خامنئي الذي بلغ مرحلة من العمر لم تعد تسمح له بإدارة البلاد التي تمر بواحدة من أخطر مراحلها على الإطلاق، ألا وهي مستقبل “الثورة الاسلامية” في ساحات مشتعلة بدأت بعملية نوعية في غزة وتحولت الى حرب عالمية غير معلنة.

وليس في هذا الاتهام أي غرابة إذا عدنا إلى الوراء قليلاً، إلى سلسلة الإقالات التي طاولت أول رئيس إيراني أبو حسن بني صدر بأمر من مجلس الشورى الإيراني، والاغتيالات التي طاولت الرئيس الثاني محمد علي رجائي ورئيس وزرائه محمد جواد باهير بانفجار حقيبة مفخخة خلال اجتماع حكومي، إضافة إلى اغتيال محمد بهشتي أبرز الأئمة الإيرانيين المهيئين لخلافة الإمام الخميني، ورئيس الوزراء السابق شابور بختيار في العاصمة الفرنسية باريس وعدد كبير من أنصار الشاه والمنظمات المعارضة في كل أنحاء العالم.

وأكثر من ذلك، لا يسقط المراقبون نظرية الاغتيال مستندين في ذلك إلى سلسلة حوادث مماثلة كانت في معظمها نتيجة مؤامرات أو تصفيات ومنها على سبيل المثال والحصر، مقتل الرئيس الباكستاني محمد ضياء الحق، وجون غارينغ قائد الثوار في جنوب السودان، وعدنان خير الله شقيق زوجة الرئيس صدام حسين بعد بروز نجمه في حرب الخليج، ورشيد كرامي في لبنان، وقائد “قوات فاغنر” في عملية مدبرة جاءت بعد تمرده على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والرئيس العراقي السابق عبد السلام عارف، إضافة إلى حوادث أخرى عادية وغامضة طاولت رؤساء الأكوادور وبولندا ومقدونيا وموزامبيق.

وسط هذه المعطيات يعود المراقبون إلى السؤال الأول، لماذا مروحية رئيسي وحدها، وهي التي يفترض أن تكون مجهزة بأفضل شروط الأمان والسلامة إلى جانب أكثر الطيارين خبرة ومهارة واحترافاً؟

وثمة أسئلة أخرى، ماذا كان دور المروحيتين اللتين كانتا ترافقان رئيسي وأعضاء وفده عندما سقطت أو أسقطت المروحية الرئاسية؟ ولماذا لم يقم طياروها بأي محاولة إنقاذية أو لماذا لم تستعن بهم السلطات الإيرانية لتحديد مكان الحادث وتسريع عمليات التفتيش والإنقاذ؟ ولماذا اختار الوفد الرئاسي التحليق فوق منطقة يتردد أنها تحمل خطرين ثابتين، أولهما الخطر المناخي والجغرافي الصعب، وثانيهما الخطر الأمني المتمثل في وجود منظمات عسكرية معادية للنظام الإيراني؟

وانطلاقاً من هذه التساؤلات يكشف مصدر ديبلوماسي غربي، أن رئيسي ذهب على الأرجح ضحية الصراع على خلافة الإمام خامنئي الذي ساعده في الوصول إلى الرئاسة في انتخابات العام ٢٠٢١ وأوحى للمقربين منه بأنه الأكثر أهلية لمنصب المرشد الأعلى في المستقبل، مشيراً إلى أن موضوع الخلافة في طهران تحول إلى قنبلة موقوتة تهدد بتفجير كل من يحاول الاقتراب منها.

ويضيف: “إن أمام إيران الآن فترة خمسين يوماً لتحديد هوية الرئيس المقبل في عز الصراع القائم بين الإصلاحيين والمتشددين”، مؤكداً أن المنطقة بأسرها ستكون في هذه الفترة على أعصابها ولا سيما في لبنان حيث ربط “حزب الله” مصيره وقراره ووجوده بكل تفصيل من تفاصيل الاستراتيجية الإيرانية في العالم.

والسؤال الذي يطرح نفسه الآن، ماذا يمكن أن يختار حسن نصر الله العالق في حرب استنزاف مع (إسرائيل) منذ ثمانية أشهر؟ هل يواصل الحرب في وقت تسود البلبلة أوساط الحكم في طهران أم يلجمها أم يتبنى أي حل فرنسي أو أميركي يحفظ له ماء الوجه ويقوم على تبني القرار ١٧٠١، أو يسرع إلى انتخاب رئيس للجمهورية تجنباً لفراغين خطرين في كل من لبنان وإيران، إضافة إلى فراغ محتمل في غزة في حال تمكنت (إسرائيل) من السيطرة على رفح؟

وفي الانتظار يتمسك المراقبون بأن ما جرى يضع النظام الإيراني وأذرعه على المحك، مؤكدين أن “الجاني” لن يجرؤ على إعلان مسؤوليته، وأن السلطات الإيرانية لن تجرؤ على قول الحقيقة التي يمكن أن يصل صداها إلى كل المتورطين في الصراع الحالي وتجعل كل الرؤوس الحامية إما عرضة للتبريد وإما عرضة للسقوط.

ـــــــــــــــــــــــــــــ

نقلًا عن : *موقع "لبنان الكبير"

النشرة الإخبارية

اشترك في النشرة الإخبارية

ابق على اطلاع على النشرة الإلكترونية

معلوماتك فى امان معنا! إلغاء الاشتراك في أي وقت.