في واحدة من أكبر الانتفاضات الشعبية منذ عام 1979، ثارت الشعوب الإيرانية أخيرًا على نظام الملالي، وامتدت "انتفاضة الحجاب" المستمرة منذ منتصف سبتمبر/أيلول الماضي حتى كتابة هذه السطور، إلى عموم المحافظات، لتتحوّل من احتجاجات شعبية ضد الظلم الواقع على النساء الإيرانيات، إلى انتفاضة سياسية شاملة ضد نظام الملالي، الذي يحكم البلاد منذ 43 عامًا بالحديد والنار.
خرجت الشعوب الإيرانية من القمقم، لتتحدى القهر والفقر والظلم، بحثًا عن مستقبل لا وجود فيه لحكم رجال الدين، الذي أوصل الشعوب الإيرانية إلى حافة الانفجار، بما جناه من ممارسات أدت لوصول الأمور إلى نقطة اللاعودة، فإما سقوط النظام، أو دخول البلاد في نفق مظلم من الصراع الدامي بين الشعوب والأجهزة القمعية، قد يودي بها إلى الحرب الأهلية.
وفي هذا الملف، ترصد "شؤون إيرانية" كيف تعرضت إيران على مدار السنوات الأخيرة إلى تسونامي من الاحتجاجات، بما في ذلك انتفاضات مناهضة للنظام في جميع أنحاء البلاد وآلاف الاحتجاجات الاجتماعية، وكيف أظهر ذلك مدى الاستياء المتنامي والواسع النطاق من النظام وعجز الدولة المتواصل عن تلبية حاجات شعبها الأساسية، ما أسفر عن حالة انعدام استقرار دائمة بسبب الاحتجاجات الشعبية المتكررة وحملات القمع العنيفة لها.
ومنذ "الثورة الخضراء" عام 2009، حتى الانتفاضة الأخيرة، لم يتعرّض استقرار النظام للخطر فحسب، بل تزعزعت قدرته على الصمود في وجه الغضب الشعبي، وأدركت المنظومة السياسية والأمنية أن التهديد يأتى من داخل البلاد، وليس من خارجها، كما يزعم قادة الملالي وعلى رأسهم المرشد علي خامنئي.
وفي جميع هذه الاحتجاجات، كانت الشعارات المرفوعة تبدأ مطلبية، ولا تلبث أن تتحول إلى سياسية تدعو لإسقاط النظام، وإطلاق الحريات العامة، وتمكين الشعوب الإيرانية غير الفارسية من حكم نفسها بنفسها، وصولًا إلى إيران حرة، ومتحررة من سطوة رجال الدين الحاكمين.
تكرار الاحتجاجات بشكل شبه دوري، يؤكد تراكم الغضب والاحتقان في المجتمع الإيراني، واتساع الفجوة بين تطلعات الإيرانيين واهتماماتهم وبين سياسات حكومتهم المتصلة بقضايا داخلية ذات طبيعة اقتصادية أو اجتماعية، على عكس أولويات النظام، الذي يركز على السياسة الخارجية وطموحاته الإقليمية في إعادة بناء "الإمبراطورية الفارسية"، بينما الإيرانيون لا يجدون قوت يومهم!
"تسونامي الاحتجاجات" الأخير، لا يهدد بزوال قبضة النظام الأمنية على البلاد فقط، بل يزلزل عرش الملالي، فبعد أن أسهمت كل انتفاضة سابقة في إسقاط جزء من هذا العرش، ها نحن نشهد مؤشرات السقوط المروع للنظام، وزواله النهائي على أيدي الإيرانيين الشجعان.
ابق على اطلاع على النشرة الإلكترونية