منذ عدة أعوام، يتساءل الإيرانيون عمن سيخلف المرشد علي خامنئي، البالغ من العمر 84 عاما، والذي يعاني من تدهور صحي مستمر خلال السنوات الأخيرة، وهو ما يوجب على نظام الملالي البحث عن خليفة له في منصب الإرشاد، حتى لا يصبح النظام "بلا مرشد" حال وفاة خامنئي بشكل مفاجئ.
ويجري منذ فترة تداول اسم الرئيس الحالي إبراهيم رئيسي، كواحد من أبرز المرشحين لخلافة خامنئي، على اعتبار أن انتخابه رئيسا للبلاد في يونيو 2021، كان بمثابة مرحلة في إعداده المحتمل لخلافة خامنئي، الذي كان يشغل منصب الرئاسة قبل توليه الإرشاد في 4 يونيو عام 1989، خلفا لموسوي الخميني، قائد الثورة الإيرانية.
وتأتي قضية خلافة المرشد، فيما يواجه النظام اليوم أحد أكبر تحدٍ حتى الآن، يتمثل في موجة هائلة من الاحتجاجات الشعبية التي بدأت في منتصف سبتمبر 2022، إثر مصرع الفتة الكردية مهسا أميني أثناء احتجازها لدى "شرطة الأخلاق".
أزمة خلافة
يؤكد المراقبون أن كبر سن المرشد علي خامنئي، ومرضه، دون تعيين خليفة له، يضع البلاد على شفا أزمة خلافة، من النوع الذي تسبب في تفكيك عدة أنظمة استبدادية في الماضي.
وعلى ضوء تصاعد الغضب الشعبي من ممارسات النظام، وتزايد وتيرة الاستبداد والقمع، وتحوّل "الحرس الثوري" إلى قوة سياسية واقتصادية مركزية في النظام، وتعزيز هيمنة المتشددين على جميع مؤسسات الدولة، تُثار التساؤلات عما إذا ما كان سيجري تغيير شكل نظام الحكم، وتوسيع سلطات الرئيس ليصبح الحاكم الفعلي للبلاد، أو الإبقاء على سلطات المرشد المطلقة.
وقال المحللون إن الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، بتشديده القيود على حقوق المرأة، يعزز أوراق اعتماده بوصفه متشدداً، وربما احتمال أن يصبح المرشد التالي لإيران، حتى لو كان ذلك على حساب إثارة احتجاجات جماهيرية، وإشاعة الفرقة بين الكثير من الإيرانيين والنخبة الحاكمة.
وينظر الإيرانيون العاديون وخبراء أجانب ورجال دين إلى رئيسي، باعتباره مرشحاً منافساً لخلافة خامنئي، على الرغم من أنه لم يفصح عن هذا الطموح. ولم يسمِ المرشد خليفة له، وهناك أيضاً آخرون في الساحة، أبرزهم مجتبى، نجل خامنئي.
وفي هذا الصدد، تؤكد المعارضة الإيرانية في المنفى أن المرشد أصبح يفوّض المسؤوليات الأكثر أهمية إلى نجله "مجتبى"، وبشكلٍ خاص، جزءاً كبيراً من سلطته في "مكتب المرشد الأعلى"، الذي هو أهم مركز سيطرة للنظام.
وفي غضون ذلك، ظهرت صورٌ وأشرطةٌ مصوَّرةٌ على شبكات التواصل الاجتماعي الإيرانية، تشير إلى أن المعركة على خلافة خامنئي قد ازدادت ضراوة. ففي بعض اللقطات، يمكن رؤية صفوف العاملين الذين يزحفون على طول أحد الشوارع الرئيسية في طهران، ويزيّنون أعمدة الإضاءة وإشارات المرور والصناديق الكهربائية بآلاف الملصقات الدعائية التي تُظهر خامنئي ونجله، إلى جانب الكلمات العربية "لبّيك يا مجتبى".
ويؤكد المراقبون أنه لا ينبغي استبعاد احتمال استيلاء "مجتبى" على السلطة في المستقبل، غير أن فوز نجل المرشد بمعركة الخلافة، وتبوّؤه منصب المرشد الأعلى بالاعتماد على سلطة والده، لن يصب في مصلحة إيران. وبما أن سلطته ستقوم على القمع وليس الإصلاح، فسيعني ذلك أوقاتاً أكثر قتامة في المستقبل بالنسبة للمتظاهرين والمعارضين.
السيناريوهات المحتملة
تتراوح السيناريوهات المحتملة بين تدخل "الحرس الثوري" وأعضاء شبكة المصالح المرتبطة بالمرشد، لحسم عملية اختيار المرشد المقبل من المتشددين، وبين أن يحدد المرشد الأعلى خليفته بنفسه قبل رحيله.
وقال مصدر من داخل النظام، في تصريحات نشرتها صحيفة "التايمز" البريطانية مؤخرا، إنه عندما يموت خامنئي، سيتولى "الحرس" السيطرة الكاملة على البلاد، حتى يتمكن "مجلس خبراء القيادة من اختيار قائد جديد. وفي ذلك اليوم، سيكون "الحرس" هو القوة الأكثر تأثيراً على عملية الاختيار، وكبح أي أزمات محتملة، والأهم من ذلك الحفاظ على وحدة البلاد.
ويرى المراقبون أن هناك سيناريوهيّن محتمليّن لشكل إيران في حقبة ما بعد خامنئي. السيناريو الأول يفترض الحفاظ على "النظام الإسلامي"، وهنا نكون أمام معضلة تغيير القيادة طبقاً لأحكام الدستور الإيراني.
وفي هذه الحالة، هناك العديد من الخيارات: خيار «المرشد الوريث»، خيار «المرشد ولي العهد» أو خيار إنشاء مجلس إدارة جماعي- مجلس أعلى. وفي هذا السيناريو يمكن أن يستمر تطوير النظام عن طريق الإصلاحات التدريجية التي من شأنها أن تطيل عمر سلطات المرشد، إلا أنه إذا تم اتباع سياسة «تشديد الخناق» من قبل السلطات الإيرانية فسيؤدي ذلك حتما إلى تسريع انهيار النظام.
أما السيناريو الثاني، فيفترض حدوث تحولات جذرية، ستكون عواقبها تفكيك النظام. ويمكن أن تحدث مثل هذه التغييرات في حالة العدوان العسكري ضد إيران، أو في حالة الانقلاب العسكري. وبالتالي من الممكن أن يتحول النظام السياسي الإيراني إلى الأشكال التالية: جمهورية رئاسية أو برلمانية. إلا أن من المرجح أن يتحول النظام إلى الديكتاتورية العسكرية.
ويقول سينا أزودي، محاضر في الشؤون الدولية بجامعة جورج واشنطن الأمريكية، إن وفاة خامنئي ستشكل تحدياً كبيراً للنظام؛ لأن من يخلفه سيكون من جيل لم يشارك في الثورة. إنها مسألة لا يناقشها أحد تقريباً علناً داخل إيران، لكن البلد بأكمله يستعد الآن لمسألة الخلافة.
من جانبه، يرى الباحث مهدي خلجي أنه كما في عام 1989 فمن الصعب الاعتقاد بأن وريث المرشد الأعلى سيتم اختياره عن طريق "مجلس الخبراء" وحده. وقد تم اختيار خامنئي بواسطة نخب سياسية مؤثرة ضغطت على "المجلس" للتصويت لصالح خامنئي. كما أن دائرة صناع القرار سوف تكون أصغر اليوم، بالنظر إلى المدى الذي عزز به خامنئي سلطته خلال فترة حكمه الطويلة.
وهناك سيناريو ثالث طرحه رجال الدين الشيعي المعتدلون في حوزة "قم"، حيث يرى هؤلاء أن خامنئي يجب أن يكون آخر قائد أعلى للثورة الإسلامية. وهم يرشحون للمنصب رجل الدين محسن كاديفار، الذي هرب من إيران في تسعينيات القرن الماضي، ويعمل الآن مدرساً في جامعة ديوك البريطانية، وهو باحث في موضوع حكم القائد الأعلى، وكان "كاديفار" قال إنه منذ وفاة الخميني يوجد «اعتقاد سري» منتشر بين معظم علماء الدين في إيران، مفاده أن حكم المرشد يقود إلى الاستبداد فقط، وينبغي التخلص منه.
وطُرحت في إيران سابقا فكرة تشكيل "مجلس قيادة" مكون من عدة شخصيات، على أنها تطور محتمل لما بعد خامنئي، إلا أن هناك حاجة إلى مراجعات دستورية لجعل هذا السيناريو أمرا واقعا. وفي الوقت الراهن، ومن دون التوصل إلى توافق في الآراء بشأن ذلك، يبدو من المرجح أن تسفر المناورات عن مرشح مقبول لدى كل من المؤسسة الدينية و"الدولة العميقة" الإيرانية، التي اكتسبت سلطة كبيرة في عهد خامنئي.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر
1- سيناريوهات خلافة خامنئي والتوريث في الجمهورية الثورية، موقع إندبندنت عربية، 7 أكتوبر 2022.
2- قمع احتجاجات إيران قد يعزز أوراق رئيسي لخلافة خامنئي، موقع الشرق الأوسط، 25 أكتوبر 2022.
3- أزمة خلافة خامنئي.. هل ينقلب الحرس الثوري؟ موقع عكاظ، 11 ديسمبر 2022.
ابق على اطلاع على النشرة الإلكترونية