ميليشيات إيران «تختطف» بلاد الرافدين

- 18 مايو 2022 - 278 قراءة

إيران جعلت من العراق منذ عام 2003 منطلقًا لخدمة استراتيجياتها وركيزة أساسية لبنيتها الأمنية الإقليمية

 

قوات "الحشد الشعبي" أسهمت في تفاقم الأزمات التي يعانيها العراق منذ عام 2003 حتى الآن

 

الحكومة العراقية عاجزة عن مواجهة الميليشيات المدعومة إيرانيًا والتي تعبث بمقدرات البلاد

 

وجود الميليشيات الشيعية في المشهد العراقي الراهن يُعمّق الخلل القائم في علاقة الدين بالدولة

 

 

جعلت إيران من العراق منذ الغزو الأمريكي عام 2003، منطلقًا لخدمة استراتيجياتها وركيزة أساسية لبنيتها الأمنية الإقليمية، حيث اعتبر نظام الملالي بلاد الرافدين بمثابة "حديقة خلفية" لإيران، تعبث بها طهران كما يحلو لها!

وتعتبر استراتيجية طهران، العراق منطلقًا لإنشاء جسر بري يمر بسوريا، ومنها إلى لبنان، بقصد ترسيخ الوجود الإيراني في المنطقة من جهة. وتسهيل حركة الميليشيات العسكرية ونقل الأسلحة والمعدات العسكرية عبر هذا الرابط البري من جهة أخرى لتنفيذ المهام الموكلة بها.

وبدا واضحًا في أعقاب انتهاء معركة الموصل في ديسمبر/كانون الأول 2017، وقوع المؤسسات الأمنية والعسكرية العراقية تحت نفوذ هذه الميليشيات الطائفية الموالية لإيران، بعد تهميش الجيش النظامي وإضعاف دوره، لتصبح هذه الأذرع العسكرية عصيّة على الضبط والإخضاع، وهو ما يجعل عملية استئصالها مكلفة للغاية، خصوصاً أنها نجحت في أن تكون شريكاً بات يقاسم الدولة السلطة والموارد.

وتقوم هذه الميليشيات بأنشطة عسكرية وأمنية مزعزعة للاستقرار في العراق و المنطقة، كلما ظهر ما يهدد المصالح الإيرانية، بهدف إيصال "رسالة" بالنيابة عن الإيرانيين إلى أطراف دولية وإقليمية ذات مدلولات أمنية أو سياسية أو تحذيرية، دون أن تظهر إيران طرف مباشر فيها، حيث يكون من السهل على طهران أن تنأى بنفسها عن كل ما يحدث من عمليات تستهدف الداخل العراقي، أو تلك التي تستهدف الجانب الأمريكي.

وعكس تضخم نشاط هذه الميليشيات المدعومة من إيران، حالة التصدع التي يعاني منها البنيان المؤسساتي الرسمي في العراق بعد عام 2003، والتي أدت إلى انتشار الأجنحة العسكرية الطائفية، رغبة من طهران في إعادة رسم حدود السياسة والمصالح والقوة في عراق ضعيف ومحدود التأثير في محيطه الإقليمي والدولي، جراء ما تمتلكه هذه الميليشيات من قوة ونفوذ يفوق إمكانات الدولة وقدراتها.

 

الطائفية فوق الوطنية

 

من أبرز الميليشيات الشيعية الموالية لإيران في العراق، قوات "الحشد الشعبي" التي انتقلت عمليًا بعد عام 2017 إلى حشد ميليشياوي إقليمي مشارك في الصراعات الإقليمية والدولية، جعل الولاء الطائفي فوق الاعتبارات الوطنية، وجعل من "الحشد" لاعبًا رئيسيًا في المعادلة الداخلية العراقية، ذا ولاء خارجي.

وتشعبت مصادر قوة ميليشيات "الحشد الشعبي" في الداخل العراقي خلال الأعوام الأخيرة، لتشمل أبعادًا جديدة بجانب الشق العسكري الذي كان المجال الرئيسي لعمل تلك الميليشيات، في إطار انخراطها في الحرب ضد تنظيم "داعش".

وتشكلّت الفصائل المكونة لـ "الحشد" تباعًا بعد عام 2003، لكنه ككيان موحد تشكّل وفق الفتوى التي أصدرها المرجع الشيعي الأعلى في العراق على السيستاني في يونيو/حزيران 2014.

وتم تنظيم فصائل "الحشد" في شكل ألوية، وعددها 64 لواء موزعة على 8 محاور. وهو من نحو 67 فصيلًا مسلحًا تتعدد ولاءاتها، فمنها من يتبع المرشد الإيراني علي خامنئي مباشرة، ومنها من يتبع مرجعية النجف، بينما يتبع البعض مراجع شيعية أخرى.

وتورطت هذه الميليشيات في جرائم عنف طائفية، وتحديدًا في المناطق السنية التي دخلتها، لدرجة أن المرجعية العليا التي تعد الداعم الأول لتلك الميليشيات، حرصت على إبعاد الفصائل الموالية لها عن الفصائل الموالية لإيران.

واستخدمت إيران الميليشيات الطائفية بقوة ضد احتجاجات الشباب العراقي الذي خرج في أكتوبر/تشرين الأول 2019 إلى الشوارع، للمطالبة بالحد من التدخلات الإيرانية وإنهاء الفساد المستشري وإيجاد حلول للبطالة المزمنة. وكثفت بعض هذه الفصائل الولائية من عمليات قتل النشطاء وخطفهم، دون أن تتحرك الحكومة باتخاذ إجراءات عقابية ضدها.

ويتحدث العراقيون عن دولتين متوازيتين، واحدة بحكومة ضعيفة لن تقوى على تحقيق الوعود التي أطلقها رئيس الوزراء لمكافحة الفساد، والأخرى قوية وتُدار تحت نظر الميليشيات واستجابة لمصالح الجانب الإيراني؛ خصوصًا أن الميليشيات المسلحة في العراق، متشابكة مع الدولة وتمارس النفوذ السياسي معها، الأمر الذي يلغي الحدود بينهما.

وساعدت النجاحات العسكرية التى حققتها ميليشيات الحشد فى إطار الحرب على داعش فى تشجيعها على الانخراط فى الحياة السياسية، وأتى ذلك بعد تمكن تلك الميليشيات من تقنين أوضاعها القانونية واندماج الجزء الأكبر منها فى داخل الجيش العراقى. وشاركت ميليشيات الحشد للمرة الأولى فى الانتخابات التشريعية العراقية فى عام 2018 من خلال "تحالف الفتح". وتواصل ميليشيات الحشد الشعبى العراقية تحركاتها الهادفة إلى بناء اقتصاد موازٍ لها داخل المؤسسات الحكومية وخارجها، وذلك فى تكرار واضح لتجربة الحرس الثورى الإيرانى، الذى تمكن بحسب التقديرات من السيطرة على ثلث الاقتصاد الإيرانى.

وعلى الرغم من سعى جميع الحكومات العراقية المتعاقبة منذ ظهور ميليشيات "الحشد" إلى فرض سيادة وهيبة الدولة، فإن جميع المحاولات فشلت لاصطدامها بعقبة كبرى، وهى عدم ملاءمة تلك التغييرات لطبيعة الوضع الداخلي، خاصةً هيمنة القوى الشيعية ذات الصلة الوثيقة بإيران، حيث وقفت تلك القوى عقبة أمام تلك التحركات التي تراها مهددة لمصالحها المختلفة فى العراق. يُضاف لذلك الضغوط الإيرانية والميليشياوية المكثفة ضد شخوص رئيس الحكومة، وشبكات المصالح الواسعة التى باتت تمتلكها الميليشيات فى البلاد، خاصةً على الصعيد الاقتصادي.

 

تفاقم الأزمات المزمنة

 

أسهم وجود ميليشيات "الحشد الشعبي" في تفاقم الأزمات المزمنة التي يعانيها العراق منذ عام 2003 حتى الآن، فهو يشكّل تحديًا كبيرًا لتماسك الدولة في ضوء قوة السلاح التى يمتلكها. كما أن وجود "الحشد" فى داخل المؤسسة العسكرية العراقية جعل منها طرفًا رئيسيًا فى الخلاف الشيعي-السنى، حيث باتت تحكمها الاعتبارات الطائفية، وهو ما قد يقضى على أى مساعٍ مستقبلية قد تهدف إلى تحويلها إلى مؤسسة وطنية جامعة لكل العراقيين.

ويعمق وجود الميليشيات الشيعية فى المشهد العراقي من الخلل القائم فى علاقة الدين بالدولة، فقد أسهم وجود القوى المؤدلجة دينيًا فى "تديين الدولة" وخاصة فى الجوانب الاجتماعية، وهو ما ساعد على تعزيز التطرف والتعصب. وبخلاف ملف استهداف المصالح الأجنبية فى العراق، سعت الميليشيات لعرقلة جهود السلطات العراقية لضبط الأمن المنفلت فى شتى أرجاء العراق. كما بات العراق ساحة للصراعات الدولية نتيجة لدورها، فمنذ بدء التوتر الأمريكى الإيرانى، سعى الجانب الإيرانى إلى توظيف تلك الميليشيات ضد واشنطن والزج بها فى خضم هذا الصراع، كنوع من "استعراض القوة" من جانب طهران ضد الجانب الأمريكي. ومن المتوقع فى حالة حدوث أى صراع مستقبلى بين إيران والولايات المتحدة أن يكون العراق ميدانًا محتملًا للمواجهة بينهما.

أخيرًا، تبدو الحكومة العراقية عاجزة عن مواجهة أنشطة الميليشيات المدعومة إيرانيًا، والتي تعبث بالملفات الأمنية والسياسية والاقتصادية في البلاد، وليست لديها القدرة على حصر السلاح بيدها، وستستمر هذه الميليشيات في تقويض جهود الاستقرار، للإبقاء على نفوذها وتعزيز سيطرتها على الاقتصادات غير المشروعة، ناهيك عن تقوية تمددها خارج الحدود، ما لم يتحرك المجتمع الدولي لدعم الحكومة العراقية لوقف خطر هذه الميليشيات الشيعية التي باتت بمثابة أمر واقع في الساحة العراقية.

ــــــــــــــــــــــــــــــــ

المصادر:

 

1- العراق وهيمنة الميليشيات الإيرانية، الشرق الأوسط، 9 سبتمبر/أيلول 2019.

2- الحشد الشعبي ومستقبل العراق، مركز كارنيغي لدراسات الشرق الأدنى، 28 أبريل/نيسان 2017.

3- الحشد الشعبي تهديد محلي وإقليمي، مركز العراق الجديد، 30 أبريل/نيسان 2018.

4- مستقبل «قوات الحشد الشعبي» في العراق، مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية، 31 مايو/أيار 2020.

5- الميليشيات الموالية لإيران.. تحديات تواجه استقرار العراق، موقع تريندز، 25 فبراير/شباط 2021.

 

 

النشرة الإخبارية

اشترك في النشرة الإخبارية

ابق على اطلاع على النشرة الإلكترونية

معلوماتك فى امان معنا! إلغاء الاشتراك في أي وقت.